الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

أمريكا.. وخطاب الديمقراطية

أمريكا.. وخطاب الديمقراطية
عبدالله العولقي كاتب ـ السعودية

مرت منطقتنا بوقائع سياسية جسيمة من بينها أحداث سبتمبر2001، والتي على إثرها صعَّدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه المنطقة من لهجة خطاب الديمقراطية، سواء الديمقراطيون أم الجمهوريون، واستعملت كافة السبل الإعلامية للترويج الدعائي، حتى أصبح هذا الملف من جوهر إدارة البيت الأبيض، كما يقول الأستاذ الكاتب محمد فرحات، وقد عانت منطقة الشرق الأوسط كثيراً من هذا الخطاب الجهوي، ودفعت شعوب عربية فاتورته الباهظة بالدمار والتهجير والنزاعات البينية.

وقد تنوعت لهجات هذا الخطاب بتنوع إدارات البيت الأبيض، فقد كان حاضراً بلغة القوة الخشنة، كما حدث إبان عهد بوش الابن، عندما انساقت الآلة الإعلامية الأمريكية تبشر بالديمقراطية في العراق وأفغانستان، وبعد إسقاط نظامَي صدام وطالبان، شرعت الولايات المتحدة الأمريكية برسم هيكلية للديمقراطية شبيهة بالنظم الغربية عبر البرلمان والأحزاب والاقتراع، ولكن التجربة فشلت فشلاً ذريعاً لأن التجارب جاءت مشوّهة، نظراً لغياب الثقافة الديمقراطية والفكر الحاضن لها في المجتمعين العراقي والأفغاني، بل إن البلدين اتجها نحو الأسوأ، نتيجة انسياقهما نحو صراعات إثنية لا تزال كوارثها تضرب العراقيين والأفغان حتى الآن.


وقتها كان جو بايدن، السيناتور السابق، والرئيس القادم إلى البيت الأبيض، شاهداً على كل أحداث المنطقة العربية كونه يتمتع بخبرة سياسية عريقة تقارب النصف قرن، بل إنه كان نائباً للرئيس باراك أوباما عندما دقت طبول الربيع العربي، حينها كانت الماكينة الإعلامية الأمريكية تبشر بنشر الديمقراطية بين المجتمعات العربية.


تلك التجارب الفاشلة والمريرة، ربما أيقظت دروساً مهمة لدى الرئيس القادم حول مستقبل الفكر الديمقراطي، فالشعوب التي تورطت في وحل الربيع العربي مستبشرةً بخطاب الديمقراطية، لكنها تكفر اليوم بها بعد أن تفاجأت بالواقع المرير، وتجرعت ويلات التفكك والصراعات، التي يمكن توصيف كينونتها في بعض الحالات باللاَّدولة.

وفي المقابل نجد أن الدول الملكية قد نجحت في توطيد الاستقرار والرخاء لشعوبها، كونها أنظمة تتلاءم مع طبيعة الذهنية العربية وثقافتها الزمنية وتأصل العلاقة بين الشعوب وولاة الأمر، ولا تجدي معها لعبة الديمقراطية الغربية.

كما حضر خطاب الديمقراطية بلهجة القوة الناعمة عندما روجت له الآلة الإعلامية الأمريكية لعشرات السنين، كتجربة ديمقراطية فريدة من نوعها، وكسلاح قوي يرتبط بسر التفوق الأمريكي على العالم، وقد استمر هذا الخطاب بانتصاره حتى اصطدم بواقع الانتخابات الأخيرة، والتي ذهبت بنجاحاته مع أدراج الرياح، فالانقسامات المجتمعية الحادة ربما قد بلغت فجاجتها وتدنيها إلى صورة فظيعة لم تشهدها الولايات المتحدة منذ تأسيسها، أما محتواها الإعلامي فقد هبط كثيراً بالنموذج الفريد، إلى درجة لا يمكن تسويقها آنياً كقوة ناعمة للخطاب الديمقراطي كما من قبل.

وأخيراً، يبدو أن خطاب الديمقراطية، كورقة سياسية، لم يعد ناجعاً اليوم في منطقة ملتهبة كالشرق الأوسط، نظراً للتجارب السالف ذكرها، وأن الطريق الأنسب أمام الرئيس القادم هو العودة إلى السياسة التقليدية وإقامة التحالفات الاستراتيجية مع القوى الصديقة والمتزنة كدول الخليج مثلاً، ولا سيّما أن على طاولته ملفات جسيمة تنتظره في الداخل كترميم الهوة المجتمعية المتفاقمة بين التطرف اليميني واليساري، بالإضافة إلى ملفات الخارج الملتهبة كالعلاقات الصينية والروسية والأوروبية.