الخميس - 09 مايو 2024
الخميس - 09 مايو 2024

فلسفة العمل التطوعي.. ومستقبل الشعوب

فلسفة العمل التطوعي.. ومستقبل الشعوب
نورة حسن الحوسني كاتبة وروائية ــ الإمارات

العمل التطوعي بمفهومه الإنساني، قديم قدم البشرية نفسها، وإن كان يحدث في السابق بطريقة غريزية، تُمْليها حاجة البشر لبعضهم البعض، ولا سيما في أوقات الأزمات أو الكوارث الطبيعية، وغيرها من المخاطر التي كانت ولا تزال تفرض على جموع البشر التعاون لمواجهة مصيرهم الذي يبدو مشتركاً، في مواجهة هذه الأخطار، وأن هذه الأعمال التطوعية كانت غير منظمة في الماضي، وإنما تمليها الظروف الطارئة.

والحقيقة، أننا لو أردنا تتبع مسيرة فلسفة العمل التطوعي في التاريخ، لوجدنا صعوبة في تحديد تاريخ محدد، يمكن الانطلاق منه على اعتباره بداية لنشوء العمل التطوعي، لكن يمكننا القول: إن هذا النوع من الأعمال وجد في التاريخ القديم، ولا سيما في المجتمع الإسلامي، حيث يؤكد الدين الإسلامي الحنيف، على رفض الفردية والأنانية، ويدعو إلى تكاتف البشر فيما بينهم، من أجل خير الجميع ليس على المستوى الإسلامي وحسب، وإنما على المستوى العالمي كله، لا سيما وأن بناء المجتمع ونشر المحبة بين أفراده لا يمكن أن يتحققا من دون الترابط الاجتماعي.


ولو ألقينا نظرة متفحصة على المجتمعات المتحضرة القوية في وقتنا الحالي، لوجدنا أن سر تفوقها وقوتها يكمن في انتشار الأعمال التطوعية بما يخدم المجتمع وتطوره، بما يؤمن للمجتمع مستقبلاً أفضل، فالعمل التطوعي يترك آثاراً إيجابية كبيرة في تنمية المجتمعات على اختلافها، ويساعد في حلق أجواء إيجابية محفزة، عند جميع أفراد المجتمع، ناهيك عن أن الأعمال التطوعية، تسهم أيضاً في تعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية أيضاً.


ونظراً لأهمية فلسفة التطوع، ودورها في حياة الشعوب، فقد خصص الخامس من ديسمبر من كل عام، كيوم عالمي للاحتفاء بالتطوع، وتبيان أهميته ودوره الكبير في الحياة.

والعمل التطوعي أنواع كثيرة قد يصعب حصرها، إذ يشمل أي عمل يقدمه أحدنا للآخر من دون مقابل، وهو عمل له جوانب جد أخلاقية، ويثاب المرء عليه أيضاً، وهو على سبيل المثال: مساعدة الفقراء، وكفالة الأيتام، ومساعدة المنكوبين في أوقات الكوارث، وهناك مئات الأمثلة التي يمكن أن نسوقها في معرض حديثنا عن الأعمال التطوعية، وآثارها الإيجابية على المجتمعات الإنسانية.

وفي أيامنا هذه يمثل برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين، وهو منظمة تابعة للأمم المتحدة ـ وسيلة فعالة لأشراك الأفراد في معالجة التحديات الإنمائية على مستوى العالم، وهنا يستوقفنا المثال الإماراتي، حيث يحفل تاريخ الإمارات بكثير من الشواهد حول تمسك الإماراتيين بعاداتهم وتقاليدهم العربية والإسلامية العريقة، التي تحض على التعاون ومساعدة الآخرين.

ومن أبرز المنظمات أو الهيئات التي تسهم في العمل التطوعي، الهلال الأحمر الإماراتي، الذي يعد هيئة رائدة في العمل التطوعي الإنساني، حيث يقدم المساعدة والعون لأشد الفئات ضعفا دون أي تمييز، ويسهم في مساعدة المحتاجين داخل وخارج الدولة، انطلاقاً من ثقافة الإمارات التي تؤكد على روح التعاون مع الآخر، وعلى ثقافة العمل التطوعي في تعزيز التنمية المستدامة، وبناء مستقبل أفضل للأجيال الجديدة.

بجانب ذلك يوجد العديد من المؤسسات التي تنظم العمل التطوعي وأنشطة خدمة المجتمع في جميع أنحاء الدولة، ولا سيما «المنصة الوطنية للتطوع»، حيث تعتبر احدى أهم محاور عام الخي،ر الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله.

وتهدف إلى توسيع نطاق العمل التطوعي، وترسيخ مفهوم المسؤولية المجتمعية، وإيجاد منظومة متكاملة ومستدامة للعمل التطوعي، كأحد أهم ركائز التماسك والتلاحم المجتمعي في الدولة.

وأخيرا لابد من القول: إن العمل التطوعي بمقدار ما هو مفيد للمجتمع، إلا انه ينعكس بالفائدة على صاحبه أيضاً، حيث يحفز على العطاء ويعزز الانتماء للمجتمع، ما يجعل الفرد أكثر عطاءَ، ناهيك عن إسهامه في تحسين الحالة النفسية للمتطوع.