الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

لا شيء خفيفاً كالمطر

لا شيء خفيفاً كالمطر
عمرو أبو العطا كاتب ــ مصر

في لحظة هطول المطر يترك الناس ما بأيديهم، وينظرون من النوافذ والأبواب، فقد غرست في النفوس محبة المطر وفرح الأطفال به، وإدراك الكبار لأهميته وما يأتي به من خير عميم.

يتلهف الناس لسماع أخبار السيول والأمطار علي مواقع التواصل الاجتماعي، يشاهدون البث الحي لتدفق السيول في الأودية والشعاب، فرحاً بالغيث وتنشرح الصدور لرؤيته، وترفع الأيدي إلى علام الغيوب شكرا ودعاء، وتحتويهم تلك الرائحة الرائعة التي تغلف قلوبهم بالحياة «رائحة المطر»، فهي تلامس وتراً حساساً فينا، أو ذكريات جميلة.


الإيقاع المتتالي لانهمار الماء من الأعلى إلى أسفل، كأن المطر يعزف موسيقى كونية يفهمها جميع البشر.. ترتقي بهم إلى الفطرة والحنين والحرية، فيتطهر الإنسان بمائه، ويصبح خفيفاً مثل قطن الغيوم.


تحت المطر تكثر قصائد الشعراء، ويستلهمون منه كتابة قصائد الحب والعطاء والجمال، فهو قبلة تعطيها السماء بكل سخاء وحنان للأرض والبشر، حيث اخضرار الأوراق والأمل بربيع متجدد يجعل الحياة أكثر جمالاً وإشراقاً، فهو يعطي الأحاسيس المتدفقة بكل المشاعر التي يمتلكها الإنسان، والتي تعمل على زيادة الشفافية والرقة.

شعراء العصر الجاهلي كانوا ينظرون إلى المطر المنثور من السماء بإكبار وتقديس، حيث رأوا فيه مادة الحياة، التي خلق منها كل شيء، كما رأوا فيه سراً خفياً قادراً على قهر الجدب وبعث الخصب والرزق، تتلقاه الشفاه الظمأى والصحراء المجدبة بشغف.

لقد تتبع الشعراء نزول المطر تتبعاً غريباً فراقبوه بدقة، ووصفوا برقه اللامع ورعده القاصف وسحبه الحافلة، ورسموا صوراً رائعة لمناظره، وهو ينثال كاللؤلؤ من السماء، من ذلك وصف امرئ القيس للمطر في معلقته الشهيرة، التي مطلعها:

« قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

وللمطر انعكاسات مختلفة في الجبال والسيول والوديان، له سحر جذاب ومنظر طبيعي يخطف القلب والسمع، يغير ملامح المدن، ويعكس خيالات الأبراج والمارة والسيارات والشوارع والشجيرات، كما يغير شكل أرصفة الطرقات إلى مرايا تفترش الأرض، رسماً جمالياً للطبيعة يرسلنا إلى ذكريات الماضي، فأي كلمات يمكن لها أن توصف لنا المطر؟ وأي جمال يمكن أن تراه العين بعد المطر؟

لا شيء خفيفاً وجميلاً وساحراً وأنيقاً كالمطر، ففي كل قطرة منه حياة، وفي كل قطرة دفء، وفي كل قطرة حنين، وفي كل قطرة سلام روحي.. فهو الأنشودة الجميلة التي تعزفها السماء على اتساع المساحات دون أن يفسدها البشر.

إن الله تعالى جعل في إنزال الغيث وإنبات الزرع آية من آياته، حيث فيقول في كتابه الكريم «ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينزل من السماء ماءً فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون» (سورة الروم ـ الآية: 24).

ولو اجتمع البشر كلهم، وبكل ما أوتوا من قوة، وما فُتح لهم من علوم ومعارف لفعل ذلك أو رده أو تحويله عن محمله ما استطاعوا، فالله عز وجل هو من يقدره، ويصرفه كيف يشاء، كما في قوله سبحانه: «وهو الذي أرسل الرياح بُشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً ولقد صرفناه بينهم ليذّكّروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراً» (سورة: الفرقان ـ الآيات: 48، 49، 50).