الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الآلة والإنسان.. وسباق البقاء

الآلة والإنسان.. وسباق البقاء
رنا سعادة أستاذة اللغة العربية ــ الأردن

يُعَدُّ التطور التكنولوجي حاجة ضرورية في عصرنا الحالي المتسارع، ولا شك أن مواكبة هذا التنافس المحموم للبقاء في حلبة التنافس الاقتصادي والتجاري أمر محتوم ومطلوب في الوقت الراهن.

ولكننا في هذا المقال لن نصفق للآلة، ولن نهلل للمكننة التي جعلتنا نعتمد اعتماداً كليّاً على ما هو آلي ليتراجع الجهد البشري في الأنشطة اليومية، وتتراجع الأنشطة الفيزيائية التي تساعد الجسم على البذل والعطاء.


وسبب اتخاذنا هذا الموقف من الآلة هو تلك النظرة المضادة لما تطرحه ساحات التكنولوجيا الحديثة، وقد أدخلت الآلة في جميع مجالات الحياة، وصار الهم الأكبر هو إحراز قصب السبق التكنولوجي، واعتبار الروبوت الحل السحري الأمثل للمشكلات الاقتصادية، التي من أهم أسبابها الحاجة إلى تقليص الأجور في بعض الأعمال التي قد تقوم الآلة مقامها.


إن العنصر الحقيقي الأول في مضمار التقدم البشري والحضاري هو الإنسان؛ فما من حضارة إلا وقامت على وجود جغرافيا مناسبة أساسها الاجتماع حول مصادر المياه والأرض الخصبة ووجود العقول المنتجة، والأيدي العاملة التي أبهرت أعتى المهندسين والمصممين، ولا أدل على ذلك من حضارات النيل والرافدين وأهل كنعان وما فيها من عجائب الصنع وأسرار العلم المكنون، الذي لم يجد علماء الآثار لبعض ظواهره تفسيراً حتى الآن.

ثمة اعتبارات إنسانية لا يمكن تجاهلها: كالعقل المفكر واليد العاملة، فقد وصل الإنسان لا الآلة القاصرة - بذكائها الاصطناعي- عن أن تحل مكان الإنسان؛ ذلك الخاسر الذي بات مهدداً بفقدان مصدر دخله بسببها.

ومع علمنا بأن هذا الرأي ــ من المنظور الاقتصادي ــ لا يخدم أصحاب الشركات الكبرى أو المؤسسات الاستثمارية التي ترنو لتقليص المصروفات والعلاوات والأجور والعمالة، لتضمن مدخولات عالية ومكاسب تصب في مصلحة العمل ومصلحة المستثمر، إلا أننا نستند إلى نظرة تخدم العنصر البشري بالدرجة الأولى.

فلننظر إلى الأمر من زاوية مختلفة، ولنأخذ على سبيل المثال مشكلة البطالة؛ أين نحن من إحصاءات البطالة المتزايدة مع تقادم الزمن؟ فقد رصد ما مقداره 3.3 مليار نسمة يعانون من البطالة في أنحاء العالم قبل انتهاء عام 2019.

والآن وقد دخلنا مرحلة جديدة تحتم علينا نقل التعاملات إلى العالم الافتراضي لاعتبارات شتى كضرورة التباعد الاجتماعي، وفرضيَّات التعلم المستمر والاقتصاد المستدام والتجارة الإلكترونية، فلا ريب أن تكون تلك الأعداد قد تضاعفت.

وفي ظل ما يمر به العالم: ما مصير الأعمال البسيطة في بحر الوظائف التي صارت تُنجزُ افتراضياً؟.. هل سيأتي علينا ذلك اليوم الذي نستغني فيه عن وظائف ارتبطت بالعنصر البشري، وجمعت بين الكفايات المهنية والتربوية مثلا كوظيفة المعلم؟

ها نحن نرى الشركات، وقد استغنت عن موظفي المباني كعمال الصيانة والنظافة والمهندسين الميدانيين وغيرهم، تلك معضلة كبيرة على المستوى الإنساني؛ والمستفيد الأول فيها هو صاحب المال الذي من صالحه تقليص العمالة إلى أبعد حد يُستطاع.

ولا يمكن بأيِّ حال من الأحوال ثني أصحاب النظرة الاقتصادية عن ذلك التوجه؛ بل إنهم يمتطون كل مذهب في سبيل تحقيقه، إنها المصالح -غير المشتركة- وأسميها كذلك لأنها تنم عن أنانية المستثمرين، الذين يتنافسون في مضمار السبق الاقتصادي، وقد راقت لهم أفكار التكنولوجيا الحديثة على حساب الإنسان.

أعمال كثيرة تهددها (الأتمتة) والتحول الآلي لكثير من الوظائف والأعمال، لينقلب السحر على الساحر وتقلب الآلةُ لنا ظهر المجن، والخاسر المؤكد هو إنسانُ الدخل المحدود الذي ينتظر كل شهر أجر الوظيفة المهددة بأن تمتد يد الآلة إليها لتحل محله!