الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

كلنا متنمِّرون.. فهلا سألتم: لماذا؟

كلنا متنمِّرون.. فهلا سألتم: لماذا؟
د. وسام ممدوح كاتبة - مصر

هل أنت متنمر؟.. فكر قليلاً قبل الإجابة، فربما تكون متنمِّراً لكن لا تعلم، إذن فلْنطرح السؤال الآتي:

- من هو المتنمر؟


ثم نتبعه بسؤال آخر: ماذا يفعل المرء لكي يستحق هذا اللقب المقيت جداً؟


تلك دائرة تدور بنا جميعاً إلا من رحم ربي، ولكن يختلف موقعنا منها، فهناك منا من يستحق المحاكمة أو الحجز في مصحة للأمراض النفسية لما يسببه من أذى، ومنا من يضيف - ولو إضافة بسيطة ـ إلى هذه الدائرة، ولو بمزحة سخيفة.

المتنمر هو من يسخر من غيره سواء أكان أقل منه أم لا.. لا يهم فهي سخرية تؤذيه، وجملة لا محل لها من الإعراب لأن كل السخرية مؤذية، حتى تلك التي قد تكون عن طريق المزاح، أو «نكتة» المراد بها الضحك، لنجعل من الشخص الذي أمامنا أضحوكة، ويا لبشاعة هذا الفعل!

المشكلة الأكبر تكمن في انتشار التنمر بين جميع الأجيال، وحتى بين الأطفال تلك الكائنات البريئة التي لا تعرف من الدنيا إلا أجمل ما فيها، وهناك دائماً ضحية لا تستطيع الدفاع عن نفسها في وجه هؤلاء المتنمرين الصغار، خاصة حين يصل الحال بهم لرفض الذهاب إلى المدرسة.

المراهقون هم أشد الناس تأثراً بهذه الظاهرة المقيتة، حيث يسرف بعضهم في التنمر ويذهب إلى حد الاعتداء الجسدي والضرب والإيذاء وقد تتأثر الضحية وتصل إلى الانتحار.

لذلك لنسأل أنفسنا: هل نعلم مقدار معاناة شخص تألم من التنمر حتى إنه لم يعد قادراً على تحمل الألم وفضّل الانتحار، والخروج من هذه الدنيا التي آذته كثيراً للحد الذي لم ولن نعرفه؟ وهل نعلم أن النهي عن السخرية أتى واضحاً صريحاً في القرآن، في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (سورة: الحجرات ـ الآية: 11)، ولم يكن النهي هنا إلا لبشاعة الفعل، وتأثيره السلبي على المجتمع، والإسلام حرص على التماسك المجتمعي، والنهي عن العنصرية والسخرية وكل مسببات الأذى النفسي لأفراد المجتمع.

فما من متنمر إلا مريض، ولا يكون بأي حال من الأحوال سويّاً نفسيّاً، فهو يعاني من نقص واضطراب يعوضه بالسخرية من غيره والتمتع بإيذائه ومعاناته.

وحتى أنت أيها المتعاطف معنا الآن، المشمئز من المتنمرين، قد تكون تنمرت من قبل، حينما سخرت من صديقك أو زميلك، وضحكت ملء فيك، وقد يكون ضحك هو أيضاً ولكن ليخبئ ذلك الألم الذي اعتصر قلبه بهدوء، وربما تنمرت أيضاً على المصيفين، الذين قد يكونون من البسطاء، للحد الذي يتصرفون فيه على سجيتهم، وسخرت من تلك الصور الملتقطة دون علمهم في أوضاع عشوائية لا يقصدونها، ونشرتها على السوشيال ميديا، وضحك وسخر منهم الآلاف، دون أن تسأل نفسك ولو لمرة واحدة بماذا شعروا عندما رأوا صورهم المنشورة؟

لو وضعنا أنفسنا مكانهم لكنا فهمنا، ولو قليلاً حجم، ذلك الألم الذي شعروا به، ولعنا اللحظة التي سكنا فيها في مدينة ساحلية.

عزيزي القارئ ربما تنمرت ـ عن غير قصد ـ على أطفالك عندما وصفتهم بالأغبياء، الذين لا يحسنون التصرف، فصدقوا ما قُلت، وأصبحوا مادة خاماً للمتنمرين في المدرسة، مصدقين عن أنفسهم أنهم كذلك، فاقدين الثقة في أنفسهم.. أتمنّى ألا تكون فعلت أياً مما ذكرت سابقاً.

وفي النهاية، الموضوع أكبر من الحكم الخارجي، وله أبعاد كثيرة أخرى، ونبقى كلنا متنمرين يا عزيزي بطريقة أو بأخرى.