الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

اليمن.. إشكاليّة الدولة ودور «الوكالة»

اليمن.. إشكاليّة الدولة ودور «الوكالة»
عبدالله العولقي كاتب - السعودية

تتفاوت أساليب إدارات الدول تجاه فهمها للعلاقات الخارجية بين منهجية الحلفاء والوكلاء، بهذا الخصوص يقول الكاتب الصحفي غسان شربل: «الفرق بين الحليف والوكيل، أن الحليف يستطيع إبداء رأيه والدفاع عنه ورفض كل ما يخلّ بمصالحه، في حين أن الوكيل هو في النهاية مجرد منفذ يلعب مضطراً أدواراً لا تخدم بلاده أو مصالحه».

بالطبع يقصد الكاتب الكبير هنا أي عصابة ارتزاق تتمكن من الوصول إلى سدة الحكم، كما هي تلك العصابات التي تقوم بديلاً عن الدولة في كل من: صنعاء وبيروت وبغداد، تحديداً مشروع الحوثيين السلالي الذي استزرعته طهران بهدف تحويل اليمن من دولة رسمية ذات سيادة إلى مجرد وكالة سياسية تهدف إلى تنفيذ أجندتها التوسعية، وتحقيق مآربها في المنطقة.


العالم كله يشهد اليوم على جرائم الحوثيين، إذْ بعد مغادرة إدارة دونالد ترامب، كثَّف الحوثيون إرسال الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة تجاه المدنيين والمطارات في المملكة العربية السعودية، وهذا السلوك الإرهابي يهدف إلى التذكير بأن الدور الحوثي ينحصر فقط في دائرة التصعيد، وأن مضمون الرسالة السياسية التي تبعثها الميليشيات أنهم مجرد وكلاء لإيران في اليمن، وأن الباحث عن حلول للأزمة اليمنية عليه التوجه إلى طهران وليس إلى صنعاء، وذات الأمر يقال عن حزب الله في بيروت أو الأحزاب الطائفية في بغداد.


العالم كله يتجه في منهجيّته السياسية إلى لغة المصالح فقط، وهي لغة التخاطب الدولي في عالم اليوم، فالفيتناميون مثلاً الذين حاربوا الأمريكان طويلاً، وكرهوهم عقوداً من الزمان، هم يلهثون اليوم لأجل توطيد العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، ويفتحون أبواب اقتصادهم على مصراعيها أمام الاستثمارات الأمريكية، وبالتأكيد إن ذلك ليس نابعاً من عشقهم لمن في البيت الأبيض، وإنما هو هلع من اجتياح قوى أخرى لبلادهم وابتلاعها لاقتصادهم وثرواتهم.

هذه اللغة الواقعية لا يفقهها الحوثيون، لأنهم لا يجيدون لعبة السياسة ولا يدركون أبعادها الاستراتيجية، فخطابهم السياسي مجرد شعارات جوفاء وصرخات كلامية تزعق بالموت لأمريكا، وفي المقابل تبتهج بدخول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وكأنهم قد نجحوا في تشريع انقلابهم المشؤوم، وهذه الازدواجيَّة الذهنيَّة لا نجد لها تبريراً في سياسات الدول التي تحترم إرادة شعوبها، ولا نجدها إلا لدى حكومات الانقلاب والحرب بالوكالة.

إشكالية الوكيل أنه لا يمتلك الحلول أو الإرادة السيادية، فوطنه تابع لأجندة خارجيَّة، ولهذا دائماً ما تفشل دول الوكالة ولا تستطيع أن تشرعن وجودها الانقلابي بين دول الإقليم، فمن المخجل ألّا يتأمل الحوثيون مشاريع التغيرات الاجتماعية والنقلات التنموية العملاقة التي تحدث اليوم في المملكة.

وهناك جملة من الأسئلة تفرضها طبيعة المرحلة، منها: لماذا يتجاهل الحوثيون عجزهم عن إقامة دولة عصرية وتنموية داخل المناطق الخاضعة لسيطرتهم؟ ولماذا لا يتَّخذون من الرياض قدوة سياسيَّة في إدارة نهضتها وعمرانها؟

لا شك أن عجزهم ينبع من كونهم دولة وكالة فقط، وهو يحول دون رؤيتهم للسعودية بوعي، مثلما يراها بعض المهتمين، ومنهم الكاتب مأمون فندي، الذي يقول: «إن تجربة التحول الاجتماعي والنهضوي في المملكة جديرة بالتأمل الجاد، وجديرة بالدراسة لما لها من دلالات عظيمة تتشكل بنهج القدوة لدول الإقليم ودول العالم الإسلامي».

لقد وقفت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة موقفاً مشرفاً مع الحكومة الشرعية، لأن التحالف يريد لليمن ومستقبله أن يكون دولة قوية.. دولة لديها مؤسسات رسمية وهيئات حكومية ومنظمات مستقلة، وليس مجرد وكالة تابعة لأجندة خارجية، ولا تفقه في لغة السياسة سوى ترديد الصرخة والتوجه خارج فضاء اليمن الجغرافي والقومي والديني.