الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

حمدان بن راشد.. في موزمبيق وَجَدْتُه

حمدان بن راشد.. في موزمبيق وَجَدْتُه
طارق باوزير دبلوماسي - الإمارات

تشرّفت بخدمة وطني خلال فترة من الفترات في أفريقيا، وتحديداً في موزمبيق، وهناك وجدته!.. نعم وجدت الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم - رحمه الله - من خلال بصماته المميزة في العطاء في ذلك المكان البعيد، ومنذ زمن وفي أبعد مناطقه التي يحتاج الوصول إليها لوقت وجهد كبيرين، وذلك حين كانت الأنظار لا تتجه إلى تلك البقعة من كوكبنا إلا قليلاً.

بنظرة ثاقبة ومختلفة انطلق العطاء في عام 1998 حين شيَّد سموه مدرسة ثانوية في منطقة نائية في شمال موزمبيق (كلفني الوصول لتلك المنطقة في عام 2017 رحلة جوية داخلية من العاصمة مابوتو لمدة ساعتين إضافة إلى 4 ساعات اهتزت فيها السيارة في طريق وعر)، لندرك عظمة الفكرة والقيمة الثرية التي تحققها مثل هذه المدرسة في تلكم الفترة، وفي ذلكم المكان.


لم يكتفِ الراحل الجليل بذلك بل أنشأ مدرسة ثانويّة أخرى في جنوب البلاد في العام الذي يليه 1999، وظلت هذه المدارس تعمل إلى يومنا هذا بتغطية كاملة للتكاليف التشغيلية من حيث الميزانيات وتوفير المعلمين والمنح الدراسية المجانية للطلبة المحتاجين والأيتام، حيث تخرج منها ما يزيد على خمسة آلاف طالب وطالبة، كانت آمالهم شبه معدومة في التعليم لعدم وجود المرافق التعليمية في مناطقهم سابقاً، ولكنهم نجوا من براثن الجهل، ويخدمون حالياً وطنهم وأهلهم كأطباء، مهندسين، قانونيين، وإداريين اقتصاديين، وفي جميع الميادين الأخرى.


إن هذا لدرسٌ عميق تجلى في تلك الألوف المؤلفة من الطلبة المتعلمين، الذين بدؤوا بإحداث الفارق التدريجي في بلدانهم، وفي مجتمعاتهم لتأسيس جيلٍ واعٍ بعيد عن التطرف والإرهاب والتخلف بمختلف أنواعه، حيث شكَّل هذا الجيل الصاعد والمتسلح بالفكر ثمرة للعطايا الكريمة للشيخ حمدان، الذي رحل دون أن ينتظر مقابلاً أو شكراً من أحد، إلا أجراً من الواحد الأحد.

ستظل موزمبيق تتذكر مواقفه معها حيث كان خير سند بمبالغ تجاوزت الـ750 ألف دولار، عند تعرضها للكوارث الطبيعية في الأعوام 2000 و2002 و2005 و2018.

ذكرت التجربة الموزمبيقية بحكم قربي منها في فترة من الفترات، ولكن اهتمام سموه بنشر التعلم امتدَّ إلى مشارق الأرض ومغاربها في نظرة بعيدة المدى تبجل العلم والمتعلمين، وتشكل استثماراً مستداماً في العقول النيرة التي تنشر التسامح بين الناس والأديان، وذلك بتعزيز الثقافة ومحاربة الظلاميين.

لم يكتفِ - رحمه الله - بإنشاء المدارس ودعمها فقط، بل ركز كذلك على المنح الجامعية سنوياً للطلبة المتميزين في مختلف التخصصات، ولم ينسَ المحتاجين يوماً حيث إنه استمر في التكفل بالبرامج الموسمية مثل: مشاريع إفطار الصائمين، وتقديم الأضاحي والمساعدات المختلفة، كما حفر مئات الآبار للسقيا، ووفَّر العشرات من المضخات لتسهيل حياة الفقراء، إضافة إلى إرسال الحجاج إلى بيت الله الحرام بشكل سنوي.

اليوم نرى حمدان بن راشد متلألئاً في عين كل طفل تعلم في مدارسه، وفي قلب كل طالب جامعي تخرج بدعم منه أوصله لأن يتبوأ منصباً في بلده، وفي ذكرى كل منزل أعاد إشادته بعد أن جرفته السيول، وفي دعاء كل حاج حقَّق حلمه بزيارة بيت الله الحرام بعد سنوات طوال من الانتظار.

رحم الله الفارس النبيل، الذي حقق ما عجز عنه كثيرون، وترجَّل تاركاً مآثره البيضاء في كل بقاع الأرض، خيراً وعلماً ومساهمة فعالة في تحسين أوضاع الملايين.

وأختم بما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن شقيقه: «وضعت رحالك عند رب كريم رحيم عظيم»، كما لا أجد في النهاية أفضل من الدعاء من الله الكريم أن يكرم صاحب الكرم في هذه الدنيا.