الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

مصيبة الهند.. والنماذج الإنسانية الرائعة

مصيبة الهند.. والنماذج الإنسانية الرائعة
د. ثمامة فيصل أكاديمي وكاتب ـ الهند

ما يزيدنا خوفاً وهلعاً هذه الأيام أن جائحة كورونا لا تزال تطاردنا، ولا تزال تعاودنا كرة بعد الكرة، وتهاجمنا بموجة بعد أخرى، فلم نكد نتخلص من موجتها الأولى، حتى أخذت تطغى علينا بموجتها الثانية بل الثالثة، والموجات التالية هي أشد وطأة وتمزيقاً من الموجات السابقة، وكأنها كائن عاقل يتربص بنا الدوائر.

والهند من أشد الدول تأثراً وتضرراً بهذه الجائحة في موجتها الثانية التي تواجهها الآن، بحيث تجاوز عدد إصاباتها اليومية في الأيام الأخيرة 400 ألف هندي، بينما أربى عدد الضحايا على أربعة آلاف شخص يومياً، ومن الأسباب الرئيسية لتفاقم الوضع في الهند قلة غاز الأوكسجين في مستشفياتها.


وفي مثل هذه الظروف الشديدة رأينا مثالاً رائعاً لروح التعاون والأخوة متمثلة في دعم طبي عاجل، حيث إن بعض الدول، وعلى رأسها الإمارات والسعودية والكويت وعمان وقطر، زودت الهند بكمية هائلة من غاز الأوكسجين، بينما تلقت الهند عدداً وافراً من جُرَعِ اللقاح من بعض الدول مثل: الولايات المتحدة وروسيا وغيرهما.


وبلَغَنا أن قرابة 40 دولة قد مدت يد المساعدة إلى الهند في هذه الظروف الصعبة، وهذا دون أدنى شك سيحفظ حياة آلاف من الناس، وهو في حقيقته خدمة عظيمة للإنسانية.

وعلى مستوى الجبهة الداخليّة، رأينا مثالاً آخر لروح التعاضد والتكاتف وخدمة الإنسانية بين أبناء الشعب الهندي، بصرف النظر عن اختلافاتهم الدينية، خاصة إذا نظرنا إلى هذه الظاهرة الإيجابية في سياق «التوتر الطائفي» و«التفرقة الدينية والعنصرية»، التي ارتجفت بسببها الهند قبل انتشار الجائحة، نتيجة لبعض القرارات المعادية لمصالح الأقلية المسلمة في الهند والمؤدية إلى تمزيق النسيج الاجتماعي للبلد.

ومن المعروف أن الهندوسية من الديانات التي يحرق أهلها موتاهم في محارق خاصة، وحسب طقوس دينية معينة، ولا غرابة في ذلك، فإنه معروف بين الناس، ولكن الأمر الذي استرعى انتباهنا، ونال إعجابنا في الأيام الأخيرة ما رأيناه في الهند من قيام بعض المسلمين بأداء مراسم حرق الموتى من الهندوس الذين ماتوا عقب إصابتهم بكورونا، ورَفَضَ أهلُهم أداء تلك الطقوس خوفاً من إصابتهم بالوباء، أو لم يوجد من يقوم بذلك من أقربائهم. فقدم هؤلاء الأبطال الحقيقيون هذه الخدمة الإنسانية مخاطرين بحياتهم وبصرف النظر عن اختلاف ديانتهم. يا له من نموذج رائع لروح الأخوة والتعاون.

وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن المواطنَيْن الهنديَّيْن «صَدَّام ودانِشْ» من رجال إطفائية مدينة بَوبال بوسط الهند قاما بأداء هذه المراسم الدينية لأكثر من ستين هندوسيّاً من ضحايا كورونا، وقد نقل الإعلام الهندي مشاهد أخرى من هذا النوع من بعض المدن الهندية الأخرى أيضاً، مثل مدينتي بنغلور ولكناو.

وفي مثل هذه المشاهد الإنسانية دروس وعبر لذوي العقول المعوجَّة وأعداء الإنسانية، الذين لا يحملون أي معنى إنساني في موقفهم تجاه «الغير»، والذين ينسون أن خدمة الإنسانية هي الرسالة الأولى لكل ديانة.

وفي هذه المشاهد نصيحة وعظة للعناصر الهدامة في المجتمع، التي تحاول شق عصا الأمة الهندية وتفريق كلمتها وتشريد أبنائها وتقطيع أجزائها.

ومثل هذه النماذج الرائعة تدل فيما تدل على أن القيم الإنسانية هي التي تتغلب وتنتصر أخيراً في كل مجتمع، رغم كل المساعي التي تهدف إلى تشتيت شمله وتفريق جمعه، فهل مِنْ مُدَّكِر؟