السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

تنظيف «الهملايا».. حماية البيئة وحق الأجيال

تنظيف «الهملايا».. حماية البيئة وحق الأجيال
يقال إن «نيبال» بلاد الجبال، وهكذا سمّاها في رحلته الممتعة لها، الرحالة السعودي المعروف محمد بن ناصر العبودي (صاحب أكثر من مئة وستين كتاباً في أدب الرحلات).

وأنا لا أنسى الجبال المكللة بالثلوج لهذه الدولة المجاورة للهند، حين زرت عاصمتها «كاتماندو» مع والدي في إحدى رحلاته العلمية لها في مطلع شبابي.

الجبال هناك هي مفخرة نيبال ومجدها وهويتها، وكيف لا؟ وهي تحتضن أعلى قمة جبلية في العالم، وأقصد جبل إيفرست الذي يبلغ ارتفاعه 8848 متراً فوق مستوى سطح البحر، ويقع ضمن سلسلة جبال الهملايا المعروفة المترامية الأطراف والممتدة عبر البلاد.


وما يزيد نيبال فخراً واعتزازاً برواسيها الشامخات أن ثمانية من أرفع الجبال العشرة في العالم تحتضنها هذه الدولة، وتعد هذه القمم الجبلية قبلة المولعين بتسلق الجبال من مختلف أنحاء العالم.


من جهة أخرى، لا أستطيع أن أنسى أبداً رواية Paths of Glory (طُرُق المجد) للروائي البريطاني المرموق جيفري آرتشر (Jeffrey Archer)، لما كان لها من أثر عميق في نفسي وقتَ قرأتها أيام دراستي الجامعية، وهي رواية تحكي لنا مغامرة حقيقية ممتعة لتسلق جورج مالوري (George Mallory) جبل إيفرست عام 1920، وتسلق جبل إيفرست هو حلم كل هاوٍ من هواة تسلق الجبال، بل هدفه النهائي.

وبسبب كثرة المتسلقين والسياح القادمين إلى تلك القمم، كانت تتراكم في أطرافها كلَّ سنة كمية هائلة من نفايات ومخلفات قابلة للتحلل، وأخرى غير قابلة للتحلل، الأمر الذي يُعرّض للخطر جمالَها الطبيعي، ونقاءَها الجوي، وصفاءَها البيئي.

والحقيقة أن حكومة نيبال كانت مهتمة وقلقة إزاء هذه القضية المهمة منذ سنين، وبالفعل اتخذت المبادرة عام 2019 من أجل تفادي هذا الخطر الداهم، حيث أطلقت حملة تنظيف جبل إيفرست تحت قيادة الجيش النيبالي، وبالتعاون مع بعض المنظمات البيئية والشركات التجارية العالمية مثل شركة كوكا كولا وشركة يونيليفر، وظل يتوسع نطاق هذه الحملة حتى شملت خلال هذه السنة ستة من جبال نيبال بما فيها جبل إيفرست.

وحقاً تكلَّلت هذه الحملة بنجاح مدهش ومنشود، وما يدل على ذلك، أن أكثر من 27 طناً من النفايات قد جُمعت عن طريقها خلال هذه السنة، وسُلمت إلى شركات إعادة تدوير النفايات أو شركات «الرسكلة».

وإضافة إلى ذلك، فقد نجحت هذه الحملة التي كان شعارها: «احفظوا الهملايا للأجيال القادمة» في لفت انتباه العامة والخاصة تجاه الحفاظ على البيئة، ونشر الوعي حول حماية الجبال من مختلف ألوان التلوث.

والحقيقة أن هذه الحملة التي أقيم حفلها الختامي في الخامس من شهر يونيو الجاري بمناسبة اليوم العالمي للبيئة، قدمت نموذجاً رائعاً لحفظ البيئة، من الخطر الذي يهددها، ومن الأضرار التي تحدق بها.

ومن جانب آخر نجد فيها مثالاً ينبغي الاقتداء به للشراكة المثمرة بين القطاع العام والقطاع الخاص، أو بين الشركات التجارية العالمية والسلطات والحكومات المحلية لإنجاز مثل هذه الخطط والمشاريع البناءة. إن كثيراً من الثروات الطبيعية والتاريخية من جبال وغابات وأنهار وبحيرات معرضة للخطر اليوم، بل الكثير منها على شفا الاختفاء والفناء بسبب عدم عناية الحكومات المحلية والسلطات المعنية بها. فمتى نأخذ هذا الأمر مأخذ الجد؟ ومتى تحظى مثل هذه القضايا الجوهرية لحفظ حياة الإنسان بالجدارة والأولوية؟