السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الحضارة الغربيَّة والشَّرق.. ومستقبل الإنسانيَّة

الحضارة الغربيَّة والشَّرق.. ومستقبل الإنسانيَّة
لقد أخطأ المفكر الأمريكي الشهير «فرانسيس فوكوياما»، عندما اعتبر الليبرالية الغربية هي المنتهى الجبْري الذي ستؤول إليه جميع الأنظمة البشرية حول العالم، ذلك أن الكل يدرك ما تعانيه الليبرالية الغربية اليوم من مآزق صعبة يقول عنها المفكر الأمريكي «باتريك جيه بوكانن» في كتابه «موت الغرب»: «إن الحضارة الغربية في طريقها المحتوم للانهيار، لسببين، الأول: الموت الأخلاقي بسبب تراخي وانهيار القيم التربوية داخل الأسرة الغربية عموماً، والأمريكية على وجه الخصوص، والسبب الثاني: هو موت بيولوجي أو ديموغرافي كنتيجة طبيعية لموت الأخلاق» وتراجع القيم الدينية في معظم المجتمعات الغربية».

ويرى بعض المفكرين المهتمين بالحضارة الغربية أن مضمون التحذيرات التي يطلقها المؤرخون والكتاب الغرب تجاه حضارتهم ليست سوى سرّ من أسرار قوتها الاستثنائية في التاريخ، ومناعتها ذات الاستمرارية الزمنية تجاه المستقبل، بمعنى أن تحذيرات الانهيار تعمل كمؤشرات إنذار تدق ساعاتها التوجّسيَّة وقت الإحساس بالخطر لتتوجه البوصلة حينها نحو الطريق الصائب، فهي حضارة استثنائية ذات مناعة قوية، ولديها مقومات متكاملة تردعها من الانهيار الكامل أو السقوط التام.

وفي المقابل، نجد أصواتاً في الغرب لا تؤمن بهذه النظرية، وتؤكد أن الحضارة الغربية لا تختلف عن أيّ حضارة بشرية أخرى في التاريخ، وقد أكملت دورتها الصاعدة، وهي تسير الآن باتجاه الهبوط حسب نظرية عبدالرحمن ابن خلدون الشهيرة، وأن الترف المتفاقم قد أدى إلى انهيار تام في مفهوم الأخلاق.


في هذا السياق، يقول الكاتب حاتم عبدالمنعم: «إن موت الغرب مسألة وقت، لأن المرض خطير ويتعاظم، فبسبب عمليات الإجهاض وحدها، انخفض عدد سكان أوروبا بصورة مريعة خلال المائة سنة الأخيرة، بينما تؤكد بعض الدراسات أن نسبة الأطفال غير الشرعيين في الولايات المتحدة قد تصل إلى نسبة الربع»، وهنا يضيف الكاتب متسائلاً: «هل بعد ذلك الانهيار والانحطاط من حضارة إنسانية؟».


أيضاً، هناك قلق ثقافي أوروبي واضح تجاه الهوية التنويرية التي صاغتها الفلسفة الأوروبية في القرون الثلاثة الأخيرة، والتي كانت السبب الأساسي في نشوء الحضارة الغربية الحديثة، فالديمقراطية التي هي جوهر العملية السياسية الأوروبية قد أفرزت اليوم انتصارات ساحقة للأحزاب اليمينية المتطرفة، وهذه الحالة الطارئة ربما تخلق فجوة ثقافيَّة واسعة بين المؤمنين بمسببات الحضارة التنويرية وبين المتطرفين الذين لا يفقهون سوى لغة الكراهية والعنصرية، والعودة بأوروبا إلى أزمنة القرون الوسطى.

وأخيراً، لم يعد لدى الحضارة الغربية من بضاعة تروجها أمام الآخر سوى جامعاتها العريقة، وما تقدمه من دراسات وبحوث في خدمة الإنسانية، أما ديمقراطيتها التي تشدقت بها في الماضي، فقد جلبت لها الأحزاب اليمينية المتطرفة، والتي ستعمق الخلافات العنصرية داخل المجتمعات الأوروبية، بالإضافة إلى أن ما تروجه آلتها الإعلامية حول المرأة وحقوق الإنسان لم تعد تجد نفعاً في عالم اليوم، فدولة مثل الصين، وهي بعيدة كل البعد عن مقومات الحضارة الغربية، تسير بخطى ثابتة لمزاحمة الولايات المتحدة في صدارة العالم .