السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

«ديمقراطيّة الجماعة في تونس».. والسُّقوط الحر

«ديمقراطيّة الجماعة في تونس».. والسُّقوط الحر
كانت تونس هي الشعلة الأولى لما عرف بالربيع العربي، وقتها وبسرعة البرق تم السطو عليها وعلى كل السلطات فيها من طرف «حركة النهضة» باسم الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة، وبدأت النهضة في ممارسة السلطة الفعلية على ضوء نظام برلماني لا صلاحيات لرئيس الجمهورية فيه، باستثناء الخارجية والدفاع، وكان الأمر مدروساً من البداية من طرف حركة النهضة، وبعد عشر سنوات من ممارسة الحكم من طرفها أوصلت تونس إلى طريق مسدود في جميع الميادين والمجالات.

ثم تطورت الأمور إلى أن انقطع تيار التواصل بين حركة النهضة وبين رئيس الجمهورية، وغابت الحكومة نهائياً بعد أن رفضها رئيس الجمهورية، ورفض رئيسها، وهكذا غاب الحوار بين أطراف المؤسسات الدستورية، وتمسك كل طرف بمواقفه باسم الدستور دون تنازلات أو تفاهم ولو مرحليّاً، إلى أن دخلت تونس في (الحائط)، وانتشرت المجاعة والبطالة ثم عمّتها جائحة كورونا، ولم تعد قادرة على المواجهة بسبب إفلاس الدولة والتسيير العبثي طيلة عشر سنوات من تسيير حركة النهضة.

الوضع ـ سابق الذكرـ دفع الرئيس قيس سعيّد إلى طلب المساعدات من الخارج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح شعبه، وفي هذا الوقت كان البرلمان التونسي مشغولاً بالصراعات بين الكتل البرلمانية والمشاحنات الهامشية، وأصبح البرلمان حلبة للضرب المتبادل والشتم بين البرلمانيين وتحت أنظار أنصار رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة.


كل ذلك جعل من تونس الخضراء مجرد مساحة جغرافية جرداء من كل شيء جميل، وفقد الفرد التونسي الأمل حتى في الحياة، وهو يتابع التسيب في كل الميادين وعدم وجود حكومة تتكفل بانشغالاته اليومية، مع الغياب التام للانسجام بين المؤسسات الدستورية، خاصة النفور الواقع بين المؤسسة التشريعية برئاسة حركة النهضة ومؤسسة رئاسة الجمهورية، هي الوضعية التي دفعت بالرئيس سعيّد الحقوقي الدستوري إلى البحث عن أي «قشة» يتمسك بها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من دولة تونس السائرة في طريق الانهيار والتفكك.


ووجد المخرج في المادة 80 من الدستور التونسي، حيث اختار الرئيس مضطرّاً وليس مخيّراً خدمة للأمن القومي التونسي الداخلي، تجميد عمل الحكومة والبرلمان وهو موقف قانوني دستوري للضرورة الملحة، وفي نفس الوقت شجاع ومسؤول.

من المؤكد أن المستقبل فيه الكثير من الإجراءات والأفعال وردود الأفعال، وسترتفع أصوات المنتفعين المتربِّصين للتنديد بموقف الرئيس قيس سعيَّد، ومن المؤكد ستحاول حركة النهضة الاستثمار في مفهوم الشرعية والمشروعية، وقد تذهب إلى أبعد من ذلك أسوة بصديقها (سراج ليبيا سابقاً)، والاستنجاد بالحليف الاستراتيجي والموجودة قاعدته العسكرية الضخمة على بعد 25 كم من الحدود التونسية الليبية.

ومن المحتمل أن يتطور الأمر إلى أكثر من ذلك كأن تدخل النهضة في مواجهة مباشرة مع رئيس الجمهورية والدولة مستعيدة أسلوبها في تسعينيات القرن الماضي، مع إسناد مادي وبشري من طرف الحليف المذكور آنفاً، وهي فرصة لهذا الحليف للتخلص من الجماعات التي يستعملها في ليبيا، والتي أصبحت مرفوضة دولياً، وبذلك يتم إدخال تونس في مستنقع العنف والإرهاب، وهو المنعرج المحتمل، وهذا سيحمل الجزائر ـ الجارة الأقرب ـ أعباء جديدة على حدودها الْشرقية.

هذه قراءة أولية لما يجري هذه الأيام في تونس، وهي قراءة تؤكد «السقوط الشاقولي الحر» لحركة النهضة، وثبوت فشلها الذريع، لأنها اعتمدت في تسيير على فكر الجماعة، وليس على فكر الدَّولة، والنهاية أصبحت معروفة، ولكن غير المعروف حتى الآن هو مدى مسايرة حركة النهضة للأوضاع المستجدة ومدى تقبلها الصدمة سلباً أو إيجاباً، وفي حال عدم التعامل بحكمة، فإن الثمن سيكون غالياً بالنسبة لها، ثم بالنسبة لتونس ككل، ولكل المنطقة الملتهبة أصلاً.