الاثنين - 20 مايو 2024
الاثنين - 20 مايو 2024

حرائق الجزائر.. «نظرية الصَّدمة» و«إنهاك الدولة»

حرائق الجزائر.. «نظرية الصَّدمة» و«إنهاك الدولة»
منذ أيام في الجزائر، كانت هناك نشرات جويَّة عاجلة، تحت عناوين كبيرة، تحذر من موجة حر غير متوقعة، وتهيب بالمواطنين عدم التعرض لها، وقد أتت مصحوبة برياح ساخنة، لتنطلق موجة من الحرائق المتزامنة في نقاط متعددة، وكأن السماء أمطرت ناراً في مشهد يثير كثيراً من التساؤلات، لكن ما دخل كل هذه المعطيات التي قدمت لها هنا «موجة حر، رياح، تزامن.. الخ»، بعنوان المقال؟

دعونا نواصل.. لقد كان الجزائريون منهمكين، ومتعبين مع موجة جديدة من كورونا.. موجة انهكت كل العاملين في القطاع الصحي والمرضى والشعب، الذي كان يقوم بجمع ما يمكن جمعه لمواجهة أزمة وطنية كبيرة لتجهيز المستشفيات بمحطات خاصة، حتى نتخلص من كابوس انتظار شاحنات الأوكسجين وانقطاعه عن المرضى.. كانت مشاهد رائعة للتضامن والتكافل مثلتها كل فئات الشعب والجيش.

وقبيل انتهاء هذه المعركة التي تجند لها الجميع، بدأت هذه الحرائق المتزامنة، لا مجال للراحة فهكذا ستستمر الأمور، فهذا النوع من الأزمات أو الحروب لا يرى بالعين المجرد.. لا تُرى أدواته وأسلحته، بل تُرى آثاره فقط، التي سيعجز كثيرون عن ربطها بحرب خفية بسبب الهلع والدخان والتشويش.. إنها «نظرية الصدمة»، أي إدخالنا في صدمات نفسية مترافقة مع تحريف للمعلومة، حتى لا نعرف بعدها من صديقنا ومن عدونا، وهكذا واجهنا حرباً أهلكت الحرث والنسل وتركت آثاراً وضحايا في الأرواح والعقول.


إذن الجزائر تواجه حروب «إنهاك الدولة»، وهذه هي حروب الجيل الرابع، ومع أنها أمامنا، لكن هل نستطيع رؤيتها؟


إن استغلال الرياح والحرارة والوقت المتزامن لانطلاقها عبر أماكن متعددة في وقت واحد، والاختفاء بعد العملية، جميعها تنبئ بأننا أمام مرتزقة ومليشيات محترفة، أو أمام تكنلوجيا رهيبة سمعنا عنها مثل سلاح «هارب HAARP».

الحرائق عادة تنطلق من مكان ما في ولاية ما لتنتقل وفق ظروف ملائمة، جفاف وحرارة رياح، ثم تنتقل وتتوسع إلى ولايات أخرى إذا لم يتم إخمادها، لكن هذه الحرائق مختلفة تماماً، حيث ذهبت إلى أبعد من المتوقع، وتمكّنت من عزل شباب «الخدمة الوطنية» (الخدمة العسكرية).. شباب بعمر الزهور، ليست لهم خبرة في هذه الحرب الماكرة وسط الغابات والأحراش، حيث لم يتوقعوها ففاجأتهم، ليجدوا أنفسهم محاصرين وسط النيران، وهذا يشير إلى ماهية العدو الجبان دائماً، لأنه يهاجم الضعفاء.

إن استغلال الظروف الطبيعية المناخية (التضاريس مثلاً)، والاختفاء بعد الجريمة، يشيران أيضاً إلى أن العدو محترف ومدرب ويعرف المنطقة جيداً، كما يشير إلى التحضير والترتيب المحكم للأمر، لتكون هذه العملية عن سبق الإصرار والترصد، ما يعني وجود خلايا نائمة تستيقظ متى ما تطلب الأمر ذلك تلبية للأوامر، ثم تعود لتتموه وتتموقع وسط الشعب، وتختفي وسط الزحام والارتباك.

وهنا يطرح أهم سؤال: كيف سنواجه هذه المليشيات المختفية، ونحن لا نزال غرقى في العنصرية والضحك والتشفي، وكتابة جملة «هذه هي الجزائر الجديدة»؟

ويتبع ذلك بسؤال آخر، إجابته ربما تكون أهم من سابقه: ما العمل وهناك احتمال بوجود كثير من المتواطئين داخل أجهزة الدولة.. متواطؤون لا يريدون للجزائر المضي قدماً ويحنون للعهد البائد ومستعمر الأمس؟

الإجابة عن السؤالين السابقين ليست جاهزة في الوقت الحاضرة، يمكن استنباطها من أحداث سبقت هذه الحرائق، وذلك موضوع يتطلب مزيداً من الشرح، سأتناول في مقال مقبل آخر يكون أكثر تفصيلاً.