الأربعاء - 15 مايو 2024
الأربعاء - 15 مايو 2024

الجزائر.. وحروب الجيل الرَّابع

الجزائر.. وحروب الجيل الرَّابع
لكي نفهم ما يحدث هذه الأيام في الجزائر دعُوني أذكِّركم بأمر كي أبدِّد شكوككم قليلاً حول التركيز على التَّزامن واختيار وقت صناعة الأزمة: فكل ما حدث يُرْجِعُنا إلى تحقيق قامت به وزارة البريد السَّابقة حول أزمة السيولة لتتفاجأ بشيء غريب، وهو قرار مجموعة كبيرة من المواطنين بسحب أموال كبيرة، في ظرف أسبوع في وقت متزامن وكان قبل عيد الأضحى، ليجعل الجميع يتخبَّط، في أزمة سيولة طويلة، فالجميع يحتاج إلى الأموال لشراء الأضحية.

في هذه الحرب المتواصلة، المستمرة، التي يتمُّ فيها انشاء أزمات متسلسلة متنوعة وتغذِّيها الإشاعات، لا تدوم سوى شهر كأقصى حدٍّ، وكلما قربت الجزائر من حلِّ أزمة أولى، تنطلق ثانية، وهكذا إلى أن يمل الجميع من مسؤولين وشعب وينال منهما التعب والإرهاق واليأس والإحباط، ثم ينتهي بهما الأمر إلى أن يلقي كل واحد منهما اللوم على الآخر، أو تكون النتيجة النهائية، هي الشعب يسخر من الحكومة غير المتمكنة، وبالتالي يتمنَّى رجوع العهد البائد، والمسؤولون يلقون باللوم على الشعب غير الواعي.

إنها حرب حقيقية، تظهر في مجموعة معارك، فمثلاً عند انتهاء حرائق خنشلة مباشرة، كانت خطة الجميع هي توفير وسائل إطفاء الحرائق، منها الطائرات التي بدأت الدولة استعدادها لشرائها، لكن متى تصل؟


وقبل انطفاء آخر حريق في خنشلة، دخلنا في أزمة الأوكسجين، وبعدها مباشرة دخلنا في هذه الأزمة الجديدة، التي هي أعتى وأكبر وأشدُّ.


هكذا هي إذن حرب ـ تبدو طويلة المدى ـ تظهر في معركة، لا تدوم سوى أسبوع أو أسبوعين ثم تنتقل بنا قوى الشّر إلى معركة أخرى جديدة، يتم فيها إنهاكنا ـ سلطة وشعباً ـ لأجل إسقاط الدولة الجزائرية، إذْ إنه حين اعتقد الجميع أن الأزمة الأولى انتهت، جاءتنا الثانية، والثالثة، والرابعة، حتى لا نرتاح أبداً.

هذه حرب استنزاف، وهي تحتاج لموارد كبيرة، ومعرفة، وحسابات دقيقة، وتحتاج لوعي بماهيَّة هذه الأزمات، وإدراك من وراءها أو على الأقل البحث عنه، أو الحذر منه، ولذلك على الجميع التجنُّد، وإلا ستلتهمنا هذه الحرب فرادى وجماعات.

لا يمكن أن تتهم الدولة بالقيام بهذه الأعمال ضد الشعب ـ على ما يقوم بها البعض من تشويش مقصود أو غير مقصود، فغالباً عمليّات «false flag العلم الخاطئ»، هي عمليات داخلية تقوم بها بعض الدول لكن يمكن التحكم فيها، وتتوقف متى ما حققت غايتها، وهي غالباً من نفس النوع، ويلقى اللوم فيها على عدو مصطنع يدفع ثمن ذلك، لكننا هنا نرى الدولة تحاول مواجهة الأزمات الكثيرة المتنوعة والمتعبة والمتواصلة بكثير من الصعوبة، في ظل إمكانات محدودة، وتراكمات عشريتين من تبديد الأموال، ما يعني أن أغبى الأغبياء لا يمكن أن يفعل هذا بنفسه، لأنه إن قام بذلك لا يجني سوى اللوم، وتوجّه إليه أصابع الاتهام.

كل هذا يدفعنا إلى الحديث عن ما أصبح يعرف بــ«حروب الجيل الرابع» التي تجعل من العدو ومعه الشعب، وحتى المسؤولين ـ إن لم يتمكنوا من رؤية ما يحدث ــ خلطة طبيعية أو مزيجاً من الخونة والأغبياء المشككين، ما سيعقد من العملية، ويُصعّب من المواجهة.

لا شك أن الشعب اليوم عاجز عن رؤية الحرب، وعاجز أيضاً عن تحديد العدو، الذي يحسن التخفي.. الشعب يعتقد أن دولته تتآمر عليه، أو أنها عاجزة عن توفير الحلول لتلك الكوارث الطبيعيّة، لذلك سيصبح عائقاً في وجه الدولة للمواجهة والفوز بالحرب.

لكن المتوقع، والمأمول، وعند كثيرين أمر يقيني: أن الجزائر ستنتصر اليوم مثلما انتصرت بالأمس، وسنخرج منها أقوى، فمشاهد التكافل والإخاء والتضامن قضت على أشكال العنصريَّة، التي كان يُغذّيها بعض الأطراف بين فئات الشعب، والمؤكد أن السحر سينقلب على السَّاحر.