الأربعاء - 15 مايو 2024
الأربعاء - 15 مايو 2024

سيناريو كورونا.. في دراسات الاتصال والإعلام

سيناريو كورونا.. في دراسات الاتصال والإعلام
ظلَّ علماء الاتصال والإعلام لفترة طويلة يعتقدون أن التحولات التي تطرأ على عمليَّات الاتصال، وعلى عادات وأنماط استخدام الوسائل مرتبطة بعاملين رئيسيين، هما: تطور تكنولوجيات الاتصال والإعلام، وحركية المجتمعات، وضمنها الجماهير.

فالفريق الأول يرى: أن التكنولوجيا هي بعد رئيس في تطور الممارسة والاستخدام، وأن ثورة تكنولوجيات الاتصال ليست وليدة نهاية القرن الماضي أو مطلع هذا القرن، بل الأمر يعود إلى حدود عام 1440 عندما اكتشف «غوتنبرغ» Johannes Gutenberg (1398-1468)، المبادئ الأولى للطباعة، وهو اكتشاف بسيط في استخدامه، عظيم في مغزاه.

كما يذهب أنصار هذا الفريق إلى اعتبار اكتشاف الطِّباعة نقطة فارقة في تطور الاتصال الإنساني، فيؤرخون بهذا الحدث لتطور الوسائل والرسائل، ويشيرون إلى مرحلة ما قبل الطباعة والمتمثلة في استخدام الإشارات والرموز في الاتصال، ثم مرحلة استخدام اللغة، وأخيراً مرحلة الكتابة أو النسخ، وقد استغرقت ملايين السنين، لتدخل البشرية بعدها مرحلة المطبعة والطباعة، واستمرت لأكثر من 3 قرون، تميزت بازدهار الكلمة المطبوعة وازدهار النشر، ومنه النشر الصحفي.


ثم جاءت مرحلة ما بعد الطباعة، التي بدأت بثورة وسائل الاتصال الجماهيري في نهاية القرن التاسع عشر، مع اكتشاف المبادئ الأولى للسينما (1895) والراديو (1895)، والتلفزيون (1886)، والتلغراف (1876)، والهاتف (1895).


ثم مرحلة «ثورة تكنولوجيات الاتصال والمعلومات»، التي نعيش تفاصيلها إلى يومنا هذا، ومن أهم سماتها التفاعلية، والفورية، وسرعة استقبال وإرسال الرسائل، فضلاً عن اندماج الوسائط أو ما يعبر عنه بالملتيميديا- Multimedia، ويطلقون عليها أيضاً مرحلة «الاتصال الإنساني» أو «مرحلة الاتصال التفاعلي».

يعتقد أنصار هذه النظرية أن تطور وسائل الاتصال الإعلام وتطور استخداماتها يدور في فلك ما يطلقون عليه «الحتمية التكنولوجية» ومن روادها عالم الاتصال الكندي «مارشال مكلوهان» Marshall McLuhan (1911-1980) وتلاميذه، وقد تنبأ هؤلاء في الستينات من القرن الماضي بنهاية الصحافة، واعتبروا أن التكنولوجيا هي العامل الأساسي والوحيد، الذي يتحكم في تطور وسائل ورسائل الاتصال، وفي تطور الممارسات والاستخدامات.

أما الفريق الثاني، فيرى أن تطور الممارسة الاتصالية والإعلامية مرتبط بحركية المجتمعات البشرية، وما تشهده من تحولات من جيل الى جيل، في الحركة أو في الاستقرار، وفي طرائق العيش وكسب الرزق، وفي حركيتها المرتبطة بالفعل الإنساني عموماً، من تعاون يتجلى في عمليات البناء والإنجاز، أو تصادم يبدو في النزاعات والحروب التي شهدتها البشرية على مرّ العصور، فقد ساعدت الحرب العالمية الأولى والثانية على تطور وازدهار الراديو، وأسهمت في انتشار الدعاية.

وأدت الحرب الباردة لاحقاً إلى تطور استخدام الأقمار الصناعية في مجال التجسس والسيطرة على الفضاء، وهو ما يؤيد فكرة أنّ العديد من وسائل الاتصال الحديثة كالأقمار صناعية وأجهزة الإرسال الإذاعي والتلفزي والإنترنيت والحواسيب، نشأت في المخابر العسكرية، قبل أن تستخدم في الأغراض المدنية، ومنها ميادين الاتصال والإعلام.

لم يتنبأ الفرقاء من علماء الاتصال طوال قرنين من البحث والتنظير بسيناريوهات أخرى لدراسة الوسائل والرسائل والاستخدامات، رغم تناولهم موضوعات اتصالات الأزمة إلا أنها اقتصرت على الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية والثقافية، وغاب البحث في تأثير الأوبئة على عمل وسائل الاتصال والإعلام إلى غاية ظهور «كورونا» في عام 2019، إذ أحدثت تأثيرات كبيرة، وتغيرات عميقة على عمل واستخدامات وسائل الاتصال والإعلام، وعلى فرضيات وتعميمات النظريات الإعلامية والاتصالية التي ظلت سائدة طيلة القرن الماضي وبداية هذا القرن.

لقد كشفت «جائحة كورونا» عن تصدع كبير في نظريات الاتصال والإعلام السابقة، ومنها على الخصوص نظرية «الأجندة»، ونظرية «الاستخدامات الإشباعات»، كما كشفت عن حتميَّات جديدة في مجال تطور وسائل الاتصال والإعلام واستخداماتها، منها «حتمية الأوبئة والكوارث الكبرى».

خلاصة القول: إننا نعيش عصر «كورونا» بكل تجلياته ونتائجه وتأثيراته على مختلف جوانب العمليات الاتصالية والإعلامية، وهو سيناريو يجب على مختبرات ومراكز البحث العلمي أن تتصدى له بالبحث، وبالإجابة على مختلف إشكالياته وأسئلته، الآن، وخلال السنوات المقبلة.