الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

مدرسة «الروابي للبنات».. التَّحدِّي والوتد

مدرسة «الروابي للبنات».. التَّحدِّي والوتد
«أعرف نفسك بنفسك».. مقُولة «سقراط» الشهيرة، قفزت إليّ، وأنا أتابع مسلسلاً أردنيّا حديثاً على نتفليكس، وجعلتني أفكر وأتساءل: هل يحكم على المجتمعات أيضاً من خلال مستودعاتها السكانية؟، وهل الأعمال الدرامية شديدة الالتصاق بالميدان الإنساني لشخوصها، أم أن للمؤلف، وللمخرج رؤيتهما التي يسّوقان لها، والتي قد تحيد عن صميم الواقع، أو توجه المخيلة إلى مضمار يقتنص منها وعيها أنَّى فرّ؟!

مسلسل «مدرسة الروابي للبنات»، حلقاته ستّ، غير كافٍ بالقياس إلى المشكلات والأزمات الصادمة التي ينبشها في مجتمع أردنيّ لا يختلف عن غيره من المجتمعات العربية في أطُر قوامها التقاليد الصارمة، ورغم أن الشخصيات قُدّمت في مجسّم غربيّ الواجهة، والممارسة، لكنه يكرس التناقض الورِم الذي غدا سمة للمجتمعات العربية في انفتاحها على عولمة تخوض في ركابها رغم أنفها، وهي ما تفتأ تردد:

ــ «ماذا سيقول الناس عنا؟!».


نظرة المجتمع، أو ماذا سيتحدث المجتمع عنا حين نشذّ عنه، يجعلنا نتيقظ للكثير من العلن المبطن بخفاء مرير، غير أن المسلسل ينطلق من فكرة جديدة كليّاً على مجتمعاتنا، نشعر بها تسري سريان النّار في الهشيم، وتجرف أبناءنا نحو مجتمع هو مرآة، وظل للمجتمعات الغربية، وليته كان في الفكر والمعرفة، والانفتاح المجدي الذي نأمله، بل إنه في أسوأ ما يمكن أن ينهش أوصالنا.. التنمر!


متى عرفنا كمجتمعات عربية، ذاك التنمّر الذي يقلبنا نموراً، وذئاباً في شرع الغاب، نعم، نسترجع ممارسات عدوانية بعض الشيء أيام الدراسة، ضد رفاق، وأولاد حيّ، تستدعي معها مؤلفي القلوب من كبارنا، ومواعظ الأهل، وحكمة الجدات، لكننا لا نتذكر مرة أنه أدى إلى القتل في انتقام ليس أقبح، ولا أفظع منه، ومعه نحن مضطرون إلى التوقيع بأنه واقع.

المسلسل الذي يستفزّ المتابع منذ أول مَشاهدة يستوقف في كثير من القضايا التي يغوص فيها مجتمع، لن أنسبه إلى الأردن فقط، بل هو في كل مكان، بيئته مدرسة عريقة، بناتها يتسلسلن من آباء ذوي سلطة، وإدارة تحرص على المنصب والجوائز، وإن كان ذلك على حساب سمعة فتياتها، انفتاح في الطالبات في المظهر، لا تخفى الإشارة أن المدرسة تنوّع في هيئتها التعليمية ما بين الملتزمة، والسافرة المحترمة، والعاملة الفقيرة، المديرة تنتمي إلى مجتمع مخملي يغور في التسطح والزيف، أما العنصران الأساسيان محور الصراع المتنمر فهما طالبتان متباينتان في السلوك، إحداهما قيادية نرجسيَّة، خصمها فتاة هادئة تنتمي إلى عائلة تتبدَّى متفاهمة، لكن الخلفية المصدّرة لهما واحدة: إهمال أسريّ باختلافه!

أكثر من جانب يستدرّ الكتابة والنقاش، سلبيّة الأهل في معالجة مشاكل بناتهم المراهقات، الثقة المعدومة بينهم، رعب من المجتمع يتفوق على الخوف على بناتهم، الحمق، والجهل، العنف ضد الأنثى، تطاول الرجل على جسد الأنثى بلا مقاصصة، رعب الأنثى من الإبلاغ عنه، المتحرش الذي لا يفرق بين محتشمة ومتبرجة، القانون العاجز عن إجراء تحقيق شفاف، ليُختم المسلسل بالنجدة تأتي من العقل التقليدي، وتمثله المدرّسة المحجبة التي تتجرأ على تحطيم قيود تسويف تمارسه مديرة بلا ضمير تجاه طالباتها، والكثير، كل ذلك كان التنمر منبثقاً له، والموسيقى الشبابية العصرية مسرحاً مؤرخاً له.

بعد هذا كلّه نتساءل: هل استطاعت الجهة المتبنية للعمل الدرامي أن تقدم عملاً يزلزل الأكوام من المتراكمات، والأوابد في المجتمع الأردني خاصة، والعربي عامة؟، وهل هي حقاً أسهمت بغرز وتدٍ يتحدى للتغيير، أم أنها أشرعت الباب على مصراعيه لتنمّر خامد ينتظر الصفارة ليتنفسه بارتياح، أم أنه التمسيد بأسنان مشط لعالم إنساني يجردنا من خصوصية نتكمش بها؟!