الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الانتخاب الذكوري ووحدانية الجنس

الانتخاب الذكوري ووحدانية الجنس
ليث نالبانديان كاتب عراقي مقيم في فرنسا

أنتجت الخبرة البشرية عبر الزمان، معرفة إنسانية شاملة شكّلتها فلسفة التجريب المبنية على خبرة الحواس البشرية، لتشق الطريق نحو انتخاب الأجناس، ومن بين هذه الانتخابات، كان الانتخاب الذكوري الذي بسط هيمنته على مختلف نواحي الحياة فتسيّد جميع المسؤوليات وتفرد في إناطة المهام.

أفرز التكوين البشري الطبيعي للإنسان، صفات جسمانية فيزيائية وأخرى سلوكية وفكرية فرقت في الكيفيات الحياتية بين الجنسين البشريين (ذكوراً وإناثاً)، انتخبت على أساسها اعتلاء الذكورية قمة الهرم البشري، من دون شك كانت القوة أهم هذه الصفات، فحسب المنطق الذكوري لا يُمكن أن تتولى الإناث ذوات المقدرة الجسدية الضعيفة أي مسؤولية، إذ على المسؤول أن يتحلى بالقوة الجسمانية لينال الأهلية في تولي المناصب! بات معروفاً، أن ما زرعه الفكر البدائي منذ الوجود الأول، كان سبباً رئيسياً في «فطحلة» الطغيان الذكوري على هذه المعمورة، فقد أثر هذا الفكر بشكل كبير على الأعراف والتقاليد المجتمعية، إذ صيغت أطر فوارقية حقنها البشر في جسد الدين والأعراف.


ولم يقتصر الفكر الذكوري على ذكور الرجال فقط، فالنساء عممن الذكورية لتتأصل في فكرهن أيضاً، فتَرى النساء يُبِحن ويبررن للرجال ما لا يبحنه ويبررنه لأنفسهن، وتشمئز المرأة من ولادات الإناث وترقص فرحاً عندما يُبصر النور الذكور، وغيرها من الفوارق التي تُدافع عنها بالرغم من انتقاصها من قيمتها كامرأة.


هذا الفكر، مرَ في غرابيل زمنية عدة أفضت إلى تطوير ونضوج العقل البشري ليُلائم شيئاً فشيئاً خلاصة الهدف الأسمى من هذا الوجود، ألا وهو أن الخليقة البشرية ثنائية الجنس، واحدة في طبيعتها، في مبتغاها التكامل وليس التسيد والتسلق على ظهور الجنس الأضعف (بحسب منظوره).

وإن الإنسان، ذكراً كان أم أنثى، هو على قدم المساواة يساهم مع الجنس الآخر في بناء العالم وديمومة الحياة.. هذا النضوج الفكري، وإن جاء مُتأخراً جداً، لكنه تمخض عن قفزة فكرية كبيرة، ارتقت فيها بعض الشعوب إلى تغليب المنطق الإنساني على منطق العرف والتقاليد، فوُلدت الحقوق والواجبات الإنسانية العابرة للجنس البشري.

لقد كان لهذه الولادة أثر كبير في تطور بعض المجتمعات وتقدمها في العلوم والفلسفة والآداب وغيرها من مجالات الحياة المختلفة، لكن هذه الضفة المشرقة عاشت وما زالت في محمية فكرية نأت البقية الباقية من الشعوب عن الاقتداء بها والاستنارة بما وصلت إليه، فها هي المجتمعات المتحضرة التي شطبت الفوارق بين الجنسين، تتقدم بأيادٍ متشابكة رجالاً ونساء، فعلى الصعيد المهني، نرى المرأة تقود الحافلات والطائرات وتدخل المجال العسكري وتصل إلى سُدة حكم البلاد وتتولى كافة المسؤوليات التي اقتصرت فيما مضى على الرجال.

بالوصول إلى ضفتنا الشرقية العربية التي كانت وما زالت عرّابة المجتمعات الذكورية، ولعل نهج وأد البنات كان قمة للأصولية الذكورية التي مورست بين قبائل العرب قبل الإسلام، وصولاً إلى حال اليوم الذي لم يبرح مكانه التمييزي إلا ما ندر، فما زالت المجتمعات العربية تحكمها الأعراف وتُسيرها القشور التفسيرية للدين، وما زالت الثقافة الشرقية تنتقص من مواليد الإناث ولا تستسيغ انخراط النساء في العمل سوى الأعمال المنزلية وبعض الأعمال الخارجية بمجالات محددة، وهذه ليست نظرة سوداوية بحتة، إذ هنالك بوارق أمل تستحق الإشادة في كثير من البلدان العربية التي أخذت بيد نسائها إلى المكانة الحقيقية والطبيعية.

إن قرار المساواة بين الجنسين، يتطلب تكاتف العالم والإقدام بجرأة على الاعتراف بفداحة الماضي وأفعاله وتثقيف الأجيال القادمة بوحدانية الأجناس وروعة تكاملها مع بعضها دون انتقاص وتهميش.

شاركوا بمقالاتكم المتميزة عبر: [email protected]