الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

أزمة إيفرغراند.. بين الحقيقة والجدل الإعلامي

أزمة إيفرغراند.. بين الحقيقة والجدل الإعلامي
عبدالله العولقي كاتب ـ السعودية

في عام 2008، تم إعلان إفلاس بنك ليمان براذرز الأمريكي، وعرفت القضية حينها بأزمة الرهن العقاري، وقد أحدثت الأزمة ضجة إعلامية دولية واسعة، باعتبارها أكبر عملية إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة بقيمة 600 مليار دولار، ووسمت بالكارثة الاقتصادية، نظراً لأن تداعياتها امتدت فضربت عدة أسواق خارج نطاق الولايات المتحدة.

في هذه الأيام، تتعرض الشركة الصينية العملاقة إيفرغراند العقارية لأزمة مشابهة للبنك الأمريكي، فقد بلغت ديونها أكثر من 300 مليار دولار، وهو أكبر دين لشركة تجارية في الصين، وأصبحت اليوم على شفا جرف الانهيار التام بسبب عجزها عن الالتزام والوفاء بديونها المستحقة.


الحزب الشيوعي الحاكم في بكين، مهتم كثيراً بقضايا ديون الشركات العملاقة، والتي تشكل خطراً متفاقماً على استقرار الاقتصاد الصيني، وقد بدأ حملاته ضد أعمال الملياردير الشهير جاك ما، صاحب شركة علي بابا المعروفة وعملاق التجارة الإلكترونية لتقنين مستوى قروضها البنكية، وهو الآن يحاول إنقاذ رجل الأعمال هوي كان يان، صاحب ومؤسس شركة إيفرغراند العقارية لجدولة ديونها المتراكمة وإنهاء أزمتها الإعلامية، وبالتالي فإن الحملة الحكومية ستستمر على باقي الشركات الصينية المثخنة بالديون حتى لا تتفاقم الأزمة وتخرج عن سيطرة البنك المركزي الصيني.


الأمر الآخر، فإن الاقتصاد الصيني يواجه تباطؤاً ملحوظاً في معدلات النمو نظراً لتداعيات جائحة كورونا الأخيرة، وقد تضيف أزمة شركة إيفرغراند إلى رصيده السلبي المزيد من التباطؤ والخسائر.

اعتبر بعض المحللين الاقتصاديين أن أزمة الشركة العقارية ككرة الثلج، بمعنى أن تبعاتها لا تقتصر على الداخل الصيني فحسب، بل إنها قد تتعدى إلى الخارج، حيث أن أثرها الاقتصادي المباشر سيؤثر حتماً على القطاعين العقاري والمصرفي في مختلف دول العالم، بما فيهم الولايات المتحدة نفسها، بالإضافة إلى تأثيراتها غير المباشرة على الأسواق والبورصات العالمية.

تعد شركة إيفرغراند إحدى أهم دعائم الاقتصاد الصيني، وقد أعلنت سابقاً أنها تتواجد في أكثر من 280 مدينة صينية، وتوفر بطريقة غير مباشرة حوالي 3.8 مليون وظيفة، ولديها نشاطات متنوعة خارج السياق العقاري، فهي تمتلك نادي غوانغشو الرياضي والذي حولته إلى نادٍ ناجح جداً، كما أنها تستثمر في بناء الحدائق الترفيهية الضخمة داخل الصين، ولديها استثمارات ضخمة في قطاعات أخرى كالسياحة والتأمين والصحة، وإذ تأتي مخاوف الحكومة فإنها تأتي من انهيار شركة بهذا الحجم قد يتسبب بآثار اقتصادية عنيفة داخل العملاق الصيني.

على الجانب الآخر، هناك محللون اقتصاديون لا يرون أن كل هذه الضجة الإعلامية حقيقية، باعتبار أن أصول الشركة الفعلية تفوق حجم ديونها، وأن هذه الأزمة ليست سوى أزمة إعلامية تثيرها الولايات المتحدة في ميدان معركتها التجارية مع الصين، ويقول المحلل الاقتصادي الشهير توم فودي: «وسائل الإعلام الغربية تحب المبالغة في أي مشكلة صغيرة تقع في الصين باعتبارها أزمة وجودية»، مشيراً إلى أن الصين لا تواجه اليوم أزمة اقتصادية فعلية كأزمة بنك ليمان براذرز في عام 2008.

ولهذا ستظل الأمور غامضة نوعاً ما، ومقبل الأيام سيبدي لنا حقيقة وأثر هذه «الأزمة الاقتصادية».

شاركوا بمقالاتكم المتميزة عبر: [email protected]