السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

جو - برمائية على أصولها

جو - برمائية على أصولها

Screen Shot 2019-10-19 at 8.13.15 PM

بقلم: د. فضيلة ملهاق

انطلق صحوان بسيارته، يخترق صمت الأحياء، ويراقب بنظرات قلقة صور المرشحين المتناثرة بعشوائية على الحيطان والأبواب، والشجر، والحجر، وحتى أكياس القمامة.. كان صباح المدينة لا يزال غير واضح الملامح، انشغل بالتفكير في اختفاء نعسان المفاجئ، خشي أن ينسحب في عز الحملة الانتخابية، بعد أن عرف كيف يستقطبه إلى تجمع (اللا - نعم)، ويزكيه لمكتب التجمع بـ3 ميزات: يستأنس الذباب بمسالمته، غاب الطموح يوم مولده، لا ينعكس حتى على صفحة المرآة.

رفض نعسان، واسمه الحقيقي نعيم، أن يكمل دراسته الجامعية اختصاراً للشقاء والتعب، وفضل أن يعمل حارساً ليلياً متعاقداً، في مصنع قريب من بيته، يعمل ليلة، ويستريح يومين، يمضيهما مستلقياً على سريره، يتابع البرامج التلفزيونية، لذلك لقبوه نعسان، وتوخى فيه صحوان أن يكون أنسب مرشح لرئاسة المدينة، وراح ينفث في رأسه فكرة أنه مخلص البشرية من غيلان القمع والفساد، وأشار عليه أن يستلهم أفكاره من أي برنامج يروق له، حتى ولو كانت كوميديا صامتة، ناصحاً:


ــ «السياسة مخلوق جو - برمائي، يتنفس في أي وسط، ويأخذ مبرراته من أي موقف، ما عليك سوى أن تستغل لغط التصفيقات، وخواء الهتافات».


فعلت المصطلحات الكبيرة الرنانة فيه فعلتها، وباشر العمل السياسي بخطاب مشهود:

ــ « تقاس الحضارة بدرجة تعايش الفرد مع باقي المخلوقات، مهما كانت إفرازاتها، ما من مخلوق إلا وله جانب يمكن استغلاله، وليكن لنا مثل في الذباب والنحل، الأول يستطعم عفننا، والآخر نستطعم عسله، فنعيش بينهما على تصريف أمور العفن وأمور العسل».

علق أحد الحاضرين:

إنها رؤية!

تهاطلت الهتافات، وشحنته بفكرة البطل، وتكثفت بعدها خطاباته ونشاطاته، لكن بعد فترة قل انجذابه إلى ما يقوم به، وأصبح يلوم نفسه، قائلاً:

ــ هل كنت أتحاشى الانشغال بصنائع العباد لأنغطس في إفرازات الحشرات؟! اللعنة عليك يا نعسان! كيف أفلحوا في انتزاع متعة النعاس منك؟! أصبح النوم لا يأتيك إلا مكرهاً، مجرجراً بقرص منوم، بعد أن كان يأتيك حاضناً مشتاقاً!»

مرت 3 أيام بحالها ولم يظهر، ولا رد على المكالمات، فزع صحوان، وبحث عنه في كل مكان، لم يكد يصدق أن كلمه أخيراً، يكركر لسانه، بادره مراهناً:

- أنت في السرير!

- في سرير الشرطة.

- ما الخطب؟!

ــ أديت واجبي.. لقد غفوت أمام دار الشرطة!

ـــ ألم أنصحك بأن تتخلى عن عادة أخذ أقراص النوم قبل الوصول إلى البيت؟!

كانت خيوط الفجر في بداية الانتشار، التفت صحوان يميناً وشمالاً، انطلت نظراته بصور المترشحين التي توزع عليها خليط من العسل والعفن!.. أحس بدماغه يسقط أمامه ويستنجد بقطع غيار العقل، بادره مجرد أن وصل إليه، باهتياج:

- كيف تخرب الإعلانات بتلك الطريقة النتنة؟! هل تدرك عواقب ما فعلت؟ لولا أن بقاءك في السجن يضر بسمعة التجمع لكنا تركناك تعتصر حتى ينفر الدم من جلدك، وترتشف سوائلك القميئة حتى أثناء نومك.

جمد نعسان كالتمثال ثم قال بنبرة متراخية:

- التزمت بمبادئ التجمع، عملت على تحقيق التعايش البراغماتي بين العفن والعسل، وبعدها جمعت أصحاب الصور وعرضت عليهم مساعدتي لأجل إيجاد حل لتنظيفها، أليست هذه هي الجوبرمائية؟!

طفحت نظرات صحوان بالرغبة في أن يقذف به خارج الغلاف الجوي، وانطلقت محاريث شتائمه، ثم كز أسنانه وأمره بصرامة:

- ابتلع لسانك مع هذه الحبوب التي وصفها لك طبيب التجمع! نم ما استطعت، ودعنا نصحو لعفنك!.. فعلاً، نومك هو أفضل ميزاتك!