الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

أيام الألفة.. والحنين

أيام الألفة.. والحنين
بقلم: فاطمة فاضل أستاذة جامعية ـ سوريا

الألفة سلاح فتاك يقضي على الذكريات، وهي الدواء الذي تسقيك إياه الدنيا لتنسيك مرارة الفراق، إنك تألف حاضرك فتنسى ماضيك، وتألف ما أنت فيه فتنسى ما كنت عليه، ومع ذلك هناك بعض الأمور تتجذر داخل النفس لتصبح عصية على النسيان منيعة ضد الألفة.

أعترف بأنني ألفت منزلي المريح الواسع شبه الفارغ، غير أني لا أزال أحن لمنزل طالما اتسع لأحلامي وأمنياتي.. منزل ضاقت مساحته وانخفض عدد غرفه لكنه رحب بسكانه وعدد قاصديه.


ألفت غرفتي بنوافذها العريضة المطلة على الشارع وحمامها الملحق بها وانفرادي بكل ما فيها، إلا أني أشتاق تلك المساحة الصغيرة المسماة تجاوزاً غرفة.. أشتاق لأحبتي الذين تقاسموا معي جدرانها وتشاركوا معي إطلالتها الخجولة على شرفة المنزل، وعانوا معي اضطرارهم للمرور أمام الجميع للوصول إلى الحمام الوحيد في المنزل.


ألفت شرب المياه المعدنية الصحية غير أني لا أشعر بالارتواء الذي كانت تمنحني إياه مياه الحنفية القادمة من الفرات دون أن تخضع للتحليل والتمحيص.

ألفت أنواع الطعام الشهي الممتلئ بالقيمة الغذائية، ومع ذلك لا أجد له الطعم الذي كنت أجده لذلك الطبق المفتقر إلى مذاق الدسم الذي كانت تعده يدا أمي من اللاشيء.

ألفت طريق العمل الخالي الذي تتناثر الأشجار على جانبيه وتتراقص الأضواء فيه، ومع ذلك تجذبني الأشواق إلى الشارع الذي تتراكم الأوساخ في زواياه، وتغطي العتمة أجزاءه وتتزاحم الناس في جوانبه.

ألفت بلد الغربة بشمسه الحارقة، وجوّه الخانق وهوائه المشبع بالغبار والرطوبة، غير أن النفس تذوب من الحنين لبلد هواؤه نسمات جنان، وشمسه دفء وحنان، وعيشه سعادة الإنسان.