الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

قبل احتمال الحب

قبل احتمال الحب

PSX_20200212_121404 قبل احتمال الحب

بقلم: نوال يتيم كاتبة وشاعرة ـ الإمارات

الحب والموت متلازمان، وعلى صلة وثيقة، وكل منهما حضور دائم ومتجدد، أو لنقل بأن الحب هو الموت بعينه، يأتي من تلقاء نفسه من دون تحضير «كفعل لا إرادي»..

نفسياً لا يشقى المرء إلا لأنه لا يعي كيف يموت، ما يعني أنَّهُ لا يَعي كيف يحب، ولأننا نجهل حقيقة الاثنين (الحب والموت) ترانا نستخلصهما في التعريف، نشير إليهما هناك في الأفق البعيد، وأحياناً، نظراً لقصر إدراكنا، نعرّفهما من وجهة نظر ضيقة جداً، والأقرب للصواب، ربما، لو نقول: «سنحاول أن نكون محبين».


بما معناه، أننا سنتدرب على الحب، وبالتالي نربطه بالزمن، وعلى نحو خاطئ اعتدنا أن نرمز للكلمة على أنها الشيء المشار إليه دائماً، فيما هي مجرد رمز، وليست الشيء عينه، ونكرر ذلك في علاقاتنا وفي كُتبنا وفي أحاديثنا، فنستعمل كلمة الحب على أنها الحب ذاته، لكن هو لا علاقة له بالزمن، ولا بالكلمة.


إن جمال الحب لا يكمن في الأسلوب الذي اعتدنا التعبير به عنه، بل في التخلي عن الكلمة والوصف والصورة المختزلة في الذهن، ما يعني أنك متحرر من المعرفة، والأدق متحرر من قيود اعتقادك بأنك تعرف، متحرر من شبكة الفكر، وبالتالي من الزمن.

الحب هو الموت بعينه، لماذا؟ لأن في الموت إنهاء لسلطة الزمن، وبالتالي لحركة الفكر، وأن تكون متحرراً من سلطة الزمن، فهذا يشير إلى أنك في حالة حضور دائم، تعيش في الحاضر، لا في الماضي ولا في المستقبل، فكل زمنك هو الآن.. ماضيك كان الآن، وحاضرك هو الآن، ومستقبلك سيصبح الآن أيضاً، ولنكون أدق في تحديد الزمن، فإن «تلك الآن» بحد ذاتها ليست سوى القيمة الزمنية المكونة من «آن، الآن، وآن» النون أيضاً.

الزمن لا يمكن حصره ولا تقييده ولا تشكيله في رزنامة، لو أدركت ذلك لتيقَّنت بأن ذهنك فارغ تماماً من الصور، ولم يعد الماضي يُمرِّر نفسه عبر الحاضر، لأن الزمن متوقف تماماً.. أتخيّلت الأمر إذن؟

حسناً.. أنت إذن ترى وتسمع وتراقب دون استحضار الأفكار القبلية، والصور التي سبق وأن شكلتها في الماضي، دون أن يكون هنالك رقيب يترجم، يعني أن الزمن قد توقف، كما يعني أنك تحب ولا يمكن أن يُولد في عمقك غير الحب..

البعض يقول إن الحب يأتي مع الزمن، أو كما يُشاع في أعرافنا بأن «الحب يأتي بالعِشرة»، وقد يقال أنه يصقل ويتم التدرب عليه.. فهل يمكن أن نتدرب على الموت؟ وهل يأتي الموت تدريجياً؟

الحب يأتي فورة، ويأخذ سياقاً آخر، فقط، كل آنٍ، ولا يعني ذلك انتفاؤه إذا تغير بين ما كان عليه في آنه الأولى وما أصبح عليه في آنه الثانية.. أليس الموت انتقالاً، فقط، من عالم إلى آخر، وليس فناء وعدماً؟

إذن عندما يحضر الموت لا يبقى سوى الحب، وعندما يحضر الحب، يحضر الموت كوجه آخر لحياة غير التي اعتدناها قبله فقط.

لذلك ما يحدث الآن «مع حفظ الاستثناءات» ليس حباً، بل هو عمليَّة إنقاذ لأنفسنا، بالبحث عن شخص يسمع كل شذوذنا وعقدنا ونقصنا ومتاعبنا وغضبنا ورغباتنا الفاضحة، ولا يطلق أحكاماً، ولا يبني تصورات، ولا ينظر إلى تشوهاتنا النفسية، بسبب القصص التي يلتقي فيها البطل بحبيبته صدفة، ثم يتخلى عن العالم لأجلها، وتَحرق الدنيا لتكون معه.

نحن بحاجة إلى طبيب نفسي لا يرحل إلا حين نشعر أننا لم نعد بحاجة إليه.. حينها سنعرف حقاً كيف نحب.