الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

نور الحَجر

نور الحَجر
شيخ محمد سعيدي مهندس مدني ـ اليمن

أعزل لمدة ساعات طوال في بيت ضاقت علي جدرانه رغم اتساعه.. حالي بين صمت وثرثرة، قمة نشاط أو قاع كسل.. قلب متأمل وصدر حرج.

وبينما أتحايل على الوقت طائفاً في المنزل؛ تخللني شعور غريب، دفعني لأقرب مرآة لكي أواجه نفسي واسألها: هل تغير شيء في ظاهر شكلي؟ وهل أنا على ما يرام؟


أجابتني المرآة: كالعادة هي حالك كما تركتني ولكن اسأل قلبك، ربما ستجد لديه الإجابة الشافية.


بالفعل، اختليت بذاتي وبدأت أسألها وتعجبت من حالها وتغيرها، فكانت لها نظرة وموقف آخر مع ملازمة دار صاحبها، فباتت راضية بالبسيط ومتفائلة بالقليل وصابرة على الكثير.. عجبت لما أصابها من دون علمي ولا سابق إذني، لكني أيقنت أنها تذوقت ثمرة وعي الحجر المنزلي.

منذ أن ودعت أبداننا طقوسها العملية اليومية مرغمة، وانعزلت أيضاً ذواتنا عن طيف الأفكار المشتتة التي كانت تتخللها وتزعجها، وجد شخصي أفضل وقت للتأمل والقبول بفرصة أخرى للعيش، إذ من بداية الدعوة للالتزام بالمنزل، عاهدت نفسي ألا أخرج إلا للضرورة القصوى وفي نفس الوقت، أن أكرس وقتي للأمر النافع.

ومع مرور الأيام، تشابه لدي الحجر المنزلي مع عبادة الاعتكاف، مفرقاً بينهما بمبدأ حرية الاختيار والإيمان بالنتيجة، فصدقاً؛ الانقطاع عن أي أمر يظهر قيمته، فبعد أيام قليلة من الحجر المنزلي اصطفت أولويات الأمور بذاتها وعادت فطرة الأيام، فصحت الأفكار واتضحت المسائل.. عندها خاطبت نفسي وقلت لها: متيقن أن كورونا سيرحل وقد أوقد لدينا نور الوعي، وأفهمنا عبادة الشكر، وأصبحنا أقوى من قبل ننظر للحياة نظرة أمل وحب، نعيش كل تفاصيلها بفرحة.

للنشر والمساهمة في قسم الساحة: [email protected]