الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«ليس كل ما يكتب أدباً».. أغاني «ديلان» دليل

«ليس كل ما يكتب أدباً».. أغاني «ديلان» دليل
كريم السيد كاتب وإعلامي ــ العراق

مَن مِن متذوقي موسيقى الروك لا يعرف «بوب ديلان» وهو مغنٍّ وملحن وكاتب أغانٍ أمريكي، مولود في 1941، ويغني منذ الخمسينات إلى الآن.. هذا العام، وفي شهر يونيو، خلال أزمة كورونا أطلق ألبوماً جديداً بعد توقف دام ثماني سنوات، إذ للرجل ألبومات وتراث غنائي كبير ويعتبر اسماً مهماً بالنسبة للغناء الأمريكي.

ما جعلني أكتب هذه المقالة، هو حدث كان خلال سنوات التوقف الثماني، فقد صعق العالم كلّه خبر فوز ديلان بجائزة نوبل للآداب 2016.. آه والله، نوبل برأسها، بحبرها وأوراقها، رغم أنه بجوائز الموسيقى ما ترك جائزة صغيرة ولا كبيرة إلا نالها، لكن أحداً لم يخطر في باله أن ينال كاتب أغان جائزة أدب رفيعة، ولذلك كانت الصدمة كبيرة في أوساط الأدباء وجمهور القرّاء والصحافة حول العالم.


الجهة المانحة، وقتئذ، علّلت سبب فوزه بالجائزة كالآتي: «للتعبيرات الشعرية الجديدة في الأغنية الأمريكية التقليدية»، حتى أن الأمين العام للأكاديمية «سارا دانيوس» قالت: «بوب ديلان يكتب شعراً للأذن»، وأكدت أن أعضاء الأكاديمية عبروا عن «تماسك كبير» في إطار هذا الخيار، كما أن موسيقاه وأغانيه الشعبية لها تأثير بالغ لقضايا إنسانية واجتماعية حتى صار بعضها نشيداً لحركات الحقوق المدنية والاحتجاج.


مع هذا كانت الصدمة كبيرة، فتلك هي المرة الأولى التي يفوز فيها كاتب أغان بجائزة أدبية بهذه القيمة، فالعرب، بل كل العرب، لم يتحصلوا على هذه الجائزة في مجال الأدب سوى مرة واحدة بفوز نجيب محفوظ فيها عام 1988 بعد أن حفر لب المعاني وكتب روائع من قلب المجتمع المصري وتراثاً جديراً بنوبل، هذا مع أن علماء وسياسيين عرب قد حصلوا عليها قبل محفوظ وبعده في مجالات أخرى مختلفة، وهم: بيتر براين مدوَّر(بريطاني من أصل لبناني) حصل عليها في مجال الطب ـ مناصفة ـ عام 1960، ومحمد أنور السادات (الرئيس المصري الأسبق) حصل على جائزة السلام ـ مناصفة ـ عام 1978، وإلياس جيمس خوري (أمريكي من أصل لبناني) حاز عليها في مجال الكيمياء سنة 1990، وياسر عرفات (الرئيس الفلسطيني السابق)، حصل على جائزة السلام ـ مع آخرين ـ عام 1994، وأحمد زويل (عالم مصري) في الكيمياء عام 1999، ومحمد البرادعي (دبلوماسي وسياسي مصري) في السلام عام 2005، وتوكل كرمان (صحفية وسياسية يمنية) في السلام ـ مع أخريات ـ عام 2011.

وبالعودة إلى ديلان، فإننا نجده قد تعامل مع الجائزة ببرود، فهو لم يحضر حفل التتويج، ولم يتحدث عن فوزه بالجائزة أو يعبر عن شعوره، وعند الإلحاح وضغط الصحافة، وبعد سنة كاملة، بعث مقطعاً صوتياً وتصريحاً قال فيه «عندما منحت جائزة نوبل للآداب تساءلت: ما هو الرابط المحدد بين الأغاني والأدب؟.. تخيلوا أن أحداً يفوز بجائزة رفيعة يتحدث بهذا الشكل، بهذه البساطة، وهذه الطريقة، وهذا الاقتضاب.

هذا الحدث طرح لديَّ كثيراً من التساؤلات والتخيلات، منها: ماذا لو فاز مطرب أو كاتب أغان عربي بهذه الجائزة؟ كيف سيتقبل القراء والمحبون ذلك؟ وسنسأل: عن الموسيقى كقيمة أدبية، وعن التأثير والفاعلية التي تصنعها الأغنية، وعن القدرة على منافسة أجناس أدبية مثل الرواية والقصة والشعر والمسرح، وعن التراث الغنائي كشكل من أشكال التعبير الإنساني كما هو الأدب، وعن الأغاني البسيطة والخفيفة التي تتحول بمرور الزمن من غير قيمة وهابطة إلى ذاكرة، وعن الموسيقى التي تتطور إلى صوت لمرحلة أو حقبة؟ لأن كل شيء قابل لأن يكون جزءاً من هذا العالم المتغير دوماً.

لذلك، أعتقد أننا الآن نعيش عصراً مختلفاً تماماً، حالة من سرعة إيقاع الأشياء، بل وحتى في فهم الأشياء، والتلقّي صار أسرع، وكل هذا يرتبط بالمكان والمزاج العام للإنسان، حيث ينتظر أقصر الجمل لمعان أسرع، حتى الكلام تغيّر، وقد صار أكثر بساطة وسهولة، بما في ذلك اللهجات، والأغاني.. ولهذا فازت أغاني ديلان بنوبل للآداب.