الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

لحظات غارقة في الذاتية

لحظات غارقة في الذاتية
نبيل عرابي كاتب ـ لبنان

كم يحلو، ليس من حين لآخر، بل دائماً، الحديث عن الكتابة وشؤونها وشجونها، وعن دورها في حياة المجتمعات والشعوب والأمم عبر التاريخ إلى أن تقوم الساعة، وبلا أدنى شك فإن أهم أدوات الكتابة هي اللغة.

فاللغة كائن حي، تحتاج لتصبح طيّعة في يد كاتب ما إلى تغذية مستمرة، لذلك نراها وعند كل الكتّاب تبدأ طرية العود ثم تنمو وتكبر مع الأيام إلى أن يشتد عودها.


ومع ذلك فإن اللغة تظل محافظة على جوهرها عند الكاتب لتميّزه عن غيره، أي إن الاختلاف في لغة القص أو لغة الشعر عند كاتب ما ليس انقلاباً جذريّاً في تكوين مفردته، وإنما في إيجاد ذلك الكاتب مفردة ما معبّرة أكثر عما يريد قوله ليكون لها وقع مؤثر أكثر عند القارئ.


وقد يمر الكاتب في كثير من الأحيان بلحظات مُغرقة في الذاتيّة، فمثلاً، هناك حادثة ما في أطراف الذاكرة تبرز فجأة أثناء الكتابة لها علاقة بالموضوع الذي يكتبه فيسجلها، معتقداً أن القارئ يستطيع الربط بين الموضوع والفكرة الطارئة، لكن في الحقيقة تظل هذه الفكرة خاصة بالكاتب، حيث الاستغراق في الذاتيّة، ولا يستطيع الوصول إلى معناها الحقيقي إلا من عاش تجربة مشابهة.

وذاكرة الكاتب عزيزة عليه عموماً، لذلك ورغم قناعته أحياناً بأن ما يكتبه قد لا يصل إلى كثيرين، لكنه يصر على الإبقاء على المقطع الذاتي لعلاقته الوثيقة به.

غير أن الكاتب حين يشعر أن عليه تقديم تنازلات على مستوى اللغة والشكل، يقع في تناقض حاد بين رغبتين: أن يكون مقروءاً من الجميع من جهة، وما يريد أن يصل إليه في أدبه من جهة أخرى.. وما أصعب الاختيار هنا!