السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

«عجوز النَّورس».. والقدر

«عجوز النَّورس».. والقدر
حميد الزعابي بوناصر كاتب ـ الإمارات

قادتني رجلاي خلال ممارسة رياضة المشي نحو مرفأ الصيد ـ الذي يبدو في عيني جميلاً ـ لأجد رجلاً يجلس على كرسي وبيده عكاز.. رأيته يحدق في طيور النورس التي تحط على لسان اليابسة تارة، وتحلق تارة أخرى، وتلهو في ماء البحر بين الفينة والأخرى.

الرجل لا يرفع نظره عنه أو يشيح بوجهه عنها، حتى بدا لي وكأنها عادت به من خلال حركاتها وتحركاتها إلى عنفوان شبابه ومجده، حين كان يحط ويرحل إلى أي مكان شاء، وفي أي زمان أراد.. لا يعجزه أو يمنعه شيء.


ما إن اقتربت منه، وهو مستغرق في جلسته، حتى تبين لي وجه بكل وضوح، وعرفته، فقلت في نفسي:


ـ إنه هو، ذلك الرجل الذي كان ما إن تطأ قدماه أرض الممشى حتى تسمع حركته من بعد أمتار ليفسح له كل من يسير أمامه الطريق وهو يسير بأقصى سرعة، قاصداً في مشيه، وكأنه يريد أن يحلق من فوق الأرض أثناء دفع يديه إلى الخلف وإلى الأمام.

ما إن دنوت منه، ووقفت على مسافة قصيرة منه حتى سألته، بعد أن حييته قائلاً:

ــ ما الأسباب التي أدّت بك إلى هذه الحال؟

رد قائلاً، وهو صامد في جلسته:

ــ القدر.

وقفت أمام كلمة القدر طويلاً، وكأنني أسمعها لأول مرة، ثم عدت إلى سابق معرفتي بها، وقلت في نفسي:

- فعلاً، إنه القدر، الذي لا نعلم ماذا يبيِّت لنا من خير أو شر، فقد يكون ما نحسبه خيراً وهو شر، أو ما نحسبه شرّاً هو خير.

إن الخير والشر كلاهما قدر من الله، لا نعلم أيّهما فيه خير لنا أو شر، فنحن نجهل ما يحمل لنا القدر من مصير، لا يعلمه إلا الله.