الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

يا من أسموك ظلي

يا من أسموك ظلي
أسيل الرملاوي كاتبة صحفية ـ فلسطين

رأيته مُتعاظماً أمامي، أخافني لوهلة، لم أعتد عليه ضخماً بهذا الحجم ولم أشعر به يوماً كندٍّ يحاول مُنازلتي، ولا أذكر أنه قد سعى يوماً إلى لفت نظري.

كنت قد اعتدت على وجوده الدائم حتى كدت أنساه.. هل تراني قصّرت في حقه حتى ثار غضبه الصامت محوّلاً إياه إلى ماردٍ يطالبني بثلاث أمنيات بدلاً من طلبي منه إياها؟ أتراه ينتظر أن أُحيكَ له رداءً دخانياً؟ أم تراه جائعاً يبحثُ عن طبق من هراء يملأ به أحشاءه الفارغة؟


رفيقي، لم يتغيّر كثيراً، لا يزال شفافاً منذ الأزل، يُرى ما في داخله كقنديل البحر، لكنه متواضعٌ لا يعرف للأذية طريقاً، متغاضياً عن تمرّس الناس النّيلَ من كرامته بجعلِ جسده مداساً لأقدامهم.


رأيته يسجُد بجانبي، يقلّدني، رافعاً يديه إلى السماء.. ما الذي يجعله لا يفارقني أبداً؟ يظهر بوجهي فجأة وكأنه يأمرني بالتوقف قصراً، وأحياناً أتساءل: إلى أين قد ولّى دون إذني؟

توأمي، الذي لم يحدّثني يوماً، ولم يفارقني يوماً، ولم يسأم الالتصاق بي يوماً، طالما سألته:

ـ لمِ أنتَ هنا؟ من أين أتيت؟ وإلى أين ستذهب حين أغيّبُ إلى مثواي الأخير؟ وهل ستتخلى عنّي حين يتحلّلُ جسدي أم سترافقني بجسدٍ جديد يمكنني استعارته منك وقتما أشاء؟ أتُراك تنتظر لحظة مبادلة الأدوار لتصبح المسيطر على أفعالي، حين أُسلِّم عهدة قواي لبارئي؟ لا بد أن لك وظيفة ما خُلقت لأجلها.

لا تخف! لن أغير نظرتي تجاهك، ولن أستهزئ بك إن اكتشفت تفاهة مغزى عملك فارغ الأهداف، ولن أطلق عليك الأحكام إن اعترفت لي بالأسباب التي دفعتك طوعاً أو كرهاً لأداء واجباتك غير الواجبة.

مهما يكن، تأكد، يا من أسموكَ ظلّي، بأنني سأشهد لك أمام الخالق بأنك الموظّف الأكثر إخلاصاً لمهامك الأكثر غرابة على وجه البرية.