قيم عالية

كانت تشعر بالقهر والجَزع إزاء من يأخذ منها أيّ شيء تملكه، كما أنها لا ترى مبرراً يدفعها للعطاء، وبلغ حبها لنفسها مبلغاً يدعو للدهشة، فكأن حب نفسها فوق كل أنواع الحب الذي يعرفه الناس، وباءت كل المحاولات لإقناعها بقيمة الإيثار بفشل كبير، ولا تزال ترى التعبير الانفعالي، الذي يشير إلى أنها إنسانة تملّك منها حب نفسها حتى أنها لم تعد ترى في حبها غيرها.

يرى علماء النفس أن حب الذات أمر طبيعي للغاية، بل إن حب الذات هو الغريزة التي تعمل على بقاء الإنسان حيّاً، ولكن القضية التي تشغل علماء النفس أيضاً هي مقدار هذا الحب، وعلاقته بأشكال المحبة التي تربطنا بالآخرين.

إن العلاقات الطبيعية هي التي يُحدث فيها الإنسان توازناً بين حبه لذاته وحبه للآخرين، بل إن السَّعي الإنساني في ارتقائه بالنفس البشرية يصبو إلى قيمة عالية من القيم النبيلة، التي تحرص عليها المجتمعات الراقية وهي قيمة الإيثار.

والسؤال الحائر الذي شغل أذهان الناس قديماً وحديثاً هو: لماذا لا يستطيع البعض الوصول بالنفس إلى هذه القيمة الإنسانية العالية والمتمثلة في الإيثار؟

والإجابة تكمنُ في عدم تعليم الطفل هذه القيمة منذ الصغر، إضافة إلى الاستجابة المستمرة لرغباته المُلحّة، وإحاطته بمناخ مصطنع من الحب المبالغ فيه، والتَّدليل الزائد عن حد الاعتدال.

إن التوازن في الاستجابة لرغبات الطفل وتعليمه أن يضع الآخرين في اعتباره أمر لازم في التربية السوية، كما تقتضي تلك التربية تعويد الفرد مقاومة رغبات نفسه، وتحمل الحرمان الذي قد تفرضه مقتضيات الحياة الطبيعية.

يذكرني ذلك بمقولة الراحل الدكتور مصطفى محمود عندما سُئل يوماً عن حكمته التي يؤمن بها فقال: «أن تقاوم ما تحب، وتتحمَّل ما تكره».