الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«رسالتي بعد الأخيرة».. إليك

«رسالتي بعد الأخيرة».. إليك
مريم الشكيليه كاتبة - عُمان

أكتب إليك بعد رسالتي الأخيرة تلك.. بعد كلمة واحدة استطاعت أن تنفذ من فوهة قلمي، وارتطمت بأرضية الورق، ومفردة واحدة تمددت على طول الورقة.

كنت أقف بلا حراك، يتلبَّسُني شعور لم أستطع تفسيره، لعله ذاك الشعور الذي تقاسمناه معا ذات يوم في دهاليز قصائدنا.. أخاف أن يكون ذاك الشعور هو الخوف الذي شطرني إلى نصفين، وبعثرني في تربة جرداء.. الخوف الذي كان عصيّاً عن التفسير وبقي ملازماً لي.


أكتب إليك بعد رسالتي الأخيرة معللاً أسباب انسحابي الحبري من عواصم ترفة بالأبجديات الشاهقة، ومن مدن الكرنفالات الورقية التي تختبئ تحت أقنعة الأوقات المهمشة، لكن لا تَكْتُبني وأنت ترتشف مرارة فنجانك حتى لا تصلني مرارة كلماتك على الطرف السفلي من سطورك.. لا تكتبني بخريف قلم، وتساقط الورق كي لا يستفيق ذاك الخدر من كريات حبري ومحبرتي.


كنت أرتب موائد الحديث كما تترتب لعبة شطرنج تنتظر روادها لجولة الحياة والخسارات الباهظة.. كنت على شرفة الفنادق أستند إلى ذاك الحرف المتسلل من قنينة ضوء، وكنت أنت ضميراً مستتراً قابعاً في فراغات الخنادق الكتابية.

كنت تحتفي بلون الحياة الذي ما عاد يأتي بي، أجرُّ حقائبي، وأتسكع في المطارات باستعجال نبض، منذ أن فقد الصغار مباهج الألوان السبعة، وصوت المفرقعات الضوئية، ولحن المطر، وفقدنا نحن تناغم الكلمات المكتوبة .

أكتب إليك بعد كل هذا الحطام رسالتي بعد الأخيرة.. بعد كل هذه الهزات العاطفية كالاهتزازات الأرضية.. أكتب إليك برفاهية حرف يضاهيك في كل شيء.