الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الليل.. وبهجة السُّكون الأسود

الليل.. وبهجة السُّكون الأسود
للّيل مكانة خاصة عند الشعراء، حتى إن قصائدهم تكاد لا تخلو من ذكره وتصويرِ جماله وسوادِه، وما فيهِ من هدوءٍ وسكينة.

فالليل عند الشاعر ـ غالباً ـ هو الوقت المُناسب للتعبير عن خلجات نفسه، والأديب في الليل يقف على شرفته يتأمل أحوال الناس، ويسجل خواطره تاركاً للهواء متعته الخاصة بأن يداعب وجهه ويقبّل وجنتيه، والمفكر يقف وينظر من نافذته يتأمل أحوال أمته، يتألم لما أصابها تاركاً خلفه آلاف الأوراق، مُعْتقِداً أن الكلمات ستغير الحال إلى الأفضل.

والليل يخاطبه كل الناس وليس الشعراء فقط، لذلك قلت له:


ــ أيها الليل، لي في حديثك أسئلة تَمْلَؤُني كما يملؤك الظلام، فهل لي أن أجد لها عندك جواباً؟


نظر إليّ، وقال:

ــ اسأل ما بدَا لك.

قلت سائلاً، وطامعاً:

ــ ماذا تخبئ في جوفك؟ وماذا تواري تحت عباءتك؟ ولِمَ نحبك وأنت رمز الخوف؟ ولِمَ نهمس لك وأنت عواء الذئاب؟ وكيف تلم في حضنك كل هذه الأرجاء؟ خذني معك إلى حيث أعرف قرارك، وأرى ماذا تصنع بكل حديثنا الذي يسكن القلوب في الظلام.

قال الليل:

ــ أنا روضة فكر، وبحر عميق تسبح فيه بنات الأفكار فيشفى العقل من سقمهِ وتعبهِ، أنا آية الله التي تحمل بين طيّاتها بلسم الشفاء للقلوب المجروحة، ففي الليل يتخلص الجسد من طينته، فتتجلى الروح في ثوب الحكمة.

علّقت قائلاً:

ــ نعم، عندما تأتينا، تُغطِّينا بعتمتك الحنونة ويطغى علينا السكون، ويخلو كل فرد بنفسه بعيداً، حيث يسافر إلى أبعد بقعة في الكون، ويعتبر نفسه نديمك، ويحدثك ويحكي لك حكايته، تزوره أطياف وخيالات وأفكار، ويجدك لحظتها صديقاً حميماً.

الليل يغنّى أنشودة محبة للنفس الإنسانية، فتعود إلينا بالصفاء كل يوم، ففي الليل سكون، وفي السكون راحة، وفي الليل نفحات النسيم، وهمسات البشر، وفي الليل احتفال المخلوقات ببهجة السكون الأسود.