السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

حقل ألغام

حقل ألغام
لم تكن قمّة الثبات التي عليه من فراغ، بل هي نتيجة معارك عديدة خاضها بينه وبين نفسه، لا يراها ولا يشعر بها أحد غيره، فقد انحنى ظهره ولم ينحنِ أمام أيامه.

ها هي روحه تضج بالأنين الذي كان في الأصل صراخاً، كم كانت قاسيةً الحياة عليه، ومع ذلك فقد علّمته دروساً قهرية دفع ثمنها من كيانه وراحة باله.

قد كان يقابل الصدمات بصمت تام هو ابن للصبر.. أرهقه الكتمان ورغم المواقف الصعبة التي كانت تستدرجه للبكاء، فقد كان الله دائماً يَجبُره ويعيد له توازنه بلحظات فرح لم تكن في حسبانه، فتساعده على أن يتجاوز مصاعب الحياة، ويحتفظ بجزء منه لا يستطيع أن يقرأه أحد في الزحام.


لقد كان هو الوحيد الذي يرى ما يؤلم قلبه، وما يرهق روحه ويرى ثقل السنين الذي شتته بالذكريات والحزن والفقد، كما يرى صدى المعاناة الرابض في أعماقه.


لقد علمته اللحظات الفارقة الكثير، وكشفت له من الأخطاء ما لم يكن يراه، وأدرك بعد حين كم كان متسرعاً في اختياراته، التي أدت إلى استنزاف مشاعره، بل وعيش حياة لا تشبه بتاتاً.. حياة لا تليق به، فتَاه في اغتراب وحدته.

حاول أن يقرأ شفرة المجهول لعله يستلهم الأسرار ويخرج من سجن الظلمة وعمق الخيبة ويتنفس الحياة، أخذته صرخات الرؤيا وضجيج الروح، وزحام النفس، وعثرات العمر المكدود، ومرارات الفقد إلى أبعد مما كان.

صار يحمل همومه أينما ذهب، وفي إحدى المرَّات، وصل به الأمر إلى حدّ الاختناق، فلم يعد يعلم في أيّ اتجاه يسير، فجأة فقد اتزانه وسقط على الأرض، وعندما هَمَّ بالنهوض وجد نفسه في صحراء اغترابه، أمام لافتة مكتوب عليها «حقل ألغام».