الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

من الهيلي للواحة.. العين مهد الحضارة والراعي الأصيل للتراث العالمي

تتميز مدينة العين بمواقعها الأثرية ومبانيها التاريخية وواحاتها التي أدرجت على لائحة التراث العالمي في منظمة اليونسكو، الأمر الذي يعكس عراقة المدينة وأصالتها التاريخية والمعاني الإنسانية الفريدة التي تتمتع بها.

وتشكل هذه المعالم بقيمتها الاستثنائية منصة مثالية لإبراز الهوية والقيم الإماراتية، حيث تقدم إنجازات الدولة الحضارية إلى العالم بوصفها ركناً رئيساً في تراث الدولة وتاريخها العريق.

وتعود تلك المعالم والمواقع الأثرية والتراثية التي دخلت ضمن قوائم التراث العالمي والتراث الثقافي غير المادي لليونسكو، إلى العصر البرونزي والحديدي، بحسب ما توصلت إليه الأبحاث وعمليات التنقيب عن الآثار.

وتشكل تلك المواقع وجهة الزوار الباحثين عن التاريخ والحضارة والراغبين في التعرف عن قرب على العادات والتقاليد الإماراتية والحرف الأصيلة، بما فيها السدو وإعداد القهوة العربية، إلى جانب الأنشطة التراثية بما فيها الرزفة والعيالة والعازي والتغرودة والصقارة، وجميعها اندرجت في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي.

مواقع هيلي



يقع أكبر مجمع أثري للعصر البرونزي في دولة الإمارات العربية في منطقة هيلي بمدينة العين، ويعود تاريخه إلى بداية الألف الثالثة قبل الميلاد واستمر حتى بداية الألف الثانية دون انقطاع.

وقد ضُمت بعض أجزاء هذا الموقع إلى حديقة آثار هيلي، التي تم تصميمها لتسليط الضوء على الآثار التاريخية وإتاحتها للزوار.

ويُعد مدفن هيلي الكبير من أكبر المدافن الجماعية في مجمع هيلي الأثري المبنية بأشكال دائرية من الحجر المنحوت، فيما يصل قطره إلى 12 متراً، يبدو أنه كان على ارتفاع أربعة أمتار عن سطح الأرض.

ويحتوي المدفن على أربع غرف داخلية كل واحدة منها مخصصة لدفن عدد محدد من الموتى.

كما تدل قبور جماعية أخرى تعود إلى نفس الفترة على دفن المئات من الموتى هناك من زمن بعيد.

وامتاز هذا المدفن بأن له مدخلين يحملان زخارف نافرة لأشكال حيوانية وآدمية جميلة وأبرزها حيوان المها «الوضيحي»، وهي من الحيوانات الأصلية في الجزيرة العربية، ويؤديان إلى غرفه الأربع التي استعملها الإنسان لدفن الموتى الذين زودهم بالهدايا والحاجيات الشخصية.

أقدم قرية



وتتضمن مواقع هيلي في العين أقدم نموذج معروف لقرية زراعية مزدهرة تعود إلى 3000 قبل الميلاد، وبناءً على الدراسات تمكن السكان من العيش في واحة الهيلي، وبنَوا العديد من المدافن والمباني، بما في ذلك المقبرة الكبرى، وفي فترة لاحقة، ازدهرت العديد من القرى خلال العصر الحديدي، حيث تم بناء العديد من المنازل وقريتين، بالإضافة إلى نظام الري بالأفلاج الذي تم تطويره.

وفي ستينيات القرن العشرين، تم اكتشاف برج من الطوب اللبن يعود إلى العصر البرونزي، بينما في سبعينيات القرن العشرين تم ترميم المقبرة الكبرى، كما تم في تلك الفترة افتتاح حديقة آثار الهيلي التي تعد من أهم المواقع الأثرية في منطقة هيلي.

ومن المواقع الترفيهية التي تقع بالقرب من مواقع هيلي الأثرية، حديقة ألعاب الهيلي التي تشكل المقصد الترفيهي المفضّل لدى العائلات منذ افتتاحها عام 1985، وتضم مناطق للتنزه والتزلج واللعب ومدرجاً للعروض، فيما تتراوح أسعار تذاكر الدخول والألعاب فيها بين 10 و60 درهماً.

بدع بنت سعود



تعد المدافن من أهم المعالم الأثرية في موقع بدع بنت سعود، حيث أقيمت هذه المدافن على قمم وسفوح هذا المرتفع، ويبلغ عددها أكثر من أربعين مدفناً حجرياً مبنية من الحجارة غير المتناسقة، نُقب منها أكثر من ثمانية عشر مدفناً تختلف في أشكالها وأحجامها وفتراتها الزمنية أيضاً.

أما أحدث المدافن التي تم التنقيب فيها فتعود إلى بداية الألف الأول قبل الميلاد، حيث كشف عن أربعة مدافن تعود إلى تلك الفترة الزمنية، أحدها مستطيل الشكل طوله 8 متر وعرضه 6 متر.

إطلالة طبيعية



يعتبر مرتفع جرن بنت سعود الصخري الذي يصل طوله إلى 40 متراً، واحداً من أبرز معالم المنطقة، حيث يتميز بإطلالته على المناظر الطبيعية المحيطة، كما يضم المعلم أنظمة الري بالأفلاج ومباني نادرة من الطوب اللبن تعود إلى العصر الحديدي.

فيما يشتمل مبنى الفلج على قاعة واسعة يبلغ طولها 10 أمتار وعرضها 13متراً ذلك إلى جانب الآثار الأخرى، التي كانت في الأغلب عبارة عن استراحة على طريق القوافل الممتد من مدينة العين إلى شمال الإمارات.

بستان النخيل



تعتبر واحة العين أكبر واحات مدينة العين، وقد أدرجت على لائحة قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2011، وقد تم افتتاحها رسمياً للجمهور في 2016 لتستقبل مختلف الزوّار لاكتشاف المركز البيئي التعليمي والتجول بين مجموعة واسعة من الممرّات المُظلَّلة التي تتراصف فيها 147 ألف نخلة، ومساحات شاسعة ينمو فيها قرابة 100 نوع من النباتات بالإضافة إلى عدد من المزارع المنتجة.

تضم واحة العين مرافق متنوعة وهي المركز البيئي، وحديقة الواحة، والواحة المصغرة، ومعرض الفلج.

المركز البيئي هو مبنى صديق للبيئة يقدم تجربة فريدة ويعمل كآلة زمن تنقلنا من الحاضر إلى الماضي، وذلك من خلال شاشات تفاعلية وأنشطة تثقيفية.

تنقسم حديقة الواحة إلى ثلاث طبقات مختلفة تعرض كل واحدة منها النباتات الموجودة في مزارع الواحات التقليدية.

وتعكس الواحة ما كانت عليه الزراعة في الإمارات منذ آلاف السنين، فيما تمتد على مساحة 1200 هكتار وسط مدينة العين، ما يجعلها أكبر واحات العين من حيث المساحة، ويعتني المزارعون في الواحة بنحو 100 نوع من النخيل.

قلعة السلطان



وتضم واحة العين الحصن الشرقي المعروف أيضاً باسم «قلعة السلطان» عند الحافة الشرقية لواحة العين، وأنظمة أفلاج متطورة، علماً بأن تلك القلعة شيدها المغفور له بإذن الله الشيخ سلطان بن زايد الكبير في عام 1907، وسط مدينة العين.

ويستطيع زوار الواحة ممارسة العديد من الأنشطة بما فيها الرياضية أو الاسترخاء والاستجمام بالأجواء الطبيعية الساحرة، وكذلك زيارة المركز البيئي الذي يروي للزوار قصة نشأة واحة العين.

ويتميز المركز بتصميمه الفريد على هيئة سعف النخيل المتشابك، أو حضور أحد المعارض التجارية التي تعقد بالمنطقة.

مدافن حفيت



تؤرخ حضارة حفيت لبداية العصر البرونزي في دولة الإمارات، حيث أظهرت عمليات التنقيب عن الآثار التي قامت بها البعثة الدنماركية منذ عام 1959، أن الإنسان قد استوطن منطقة العين منذ نهاية الألف الرابع قبل الميلاد. ويُستدل على ذلك بالبقايا الأثرية التي تم العثور عليها في منطقة جبل حفيت كالفخار والأدوات الحجرية والتي تعود إلى العصر البرونزي المبكر، وقد بلغ عمرها اليوم نحو خمسة آلاف سنة.

وتقدم المدافن أدلة رائعة عن البراعة والمهارات الحرفية للأسلاف الأوائل لسكان العين، وكما أشار بعض المؤرخين إلى أن حضارة حفيت في العين هي جزء من حضارة ماجان القديمة في المنطقة.

ويدل هذا الانتشار الحضاري الواسع على أهمية منطقة العين منذ ذلك التاريخ، وتم التنقيب في العشرات من هذه المدافن التي تبين بأنها تشبه بعضها البعض خلال فترة تجاوزت خمسة عقود من الزمن.

أنشطة تراثية

وأثناء زيارة تلك المعالم الأثرية في العين يمكن مشاهدة عروض حية للأنشطة التراثية الثقافية غير المادية المندرجة في قائمة اليونسكو، ومن بينها فن التغرودة والعازي والعيالة والرزفة، التعرف على المجلس الإماراتي، والصقارة وطرق إعداد القهوة العربية، والسدو.

رقصات متناغمة



يعتبر فن العيالة أكثر فنون الأداء الشعبية انتشاراً في الإمارات، ويجسد قيم وتراث الإمارات، ويشمل على رقصات متناغمة يؤديها مجموعة من الرجال يدعون «الجويلة» أو «اليوّيلة» باللهجة الإماراتية يحملون عِصي الخيزران أو السيوف أو البنادق على إيقاع الطبول وينشدون أبياتاً معظمها من روائع الشعر النبطي التي تحكي عن الشجاعة والفروسيّة، وعادة ما تعقد عروض العيالة في حفلات الزفاف والمناسبات الوطنيّة والاحتفالات الأخرى.

وتعكس العيالة الإرث الثقافي الغني لدولة الإمارات وروح المروءة والشهامة التي تميّز الحياة البدوية، كما تعزز قيم الكرامة والشرف، كما أصبح ذلك الفن رمزاً لهوية الدولة ووحدتها كونه يجسد القيم التراثية الأصيلة للثقافة الإماراتية.

وانتشرت العيالة الساحلية عند الجماعات الحضرية، وتضمنت الآلات الموسيقية، بينما انتشرت العيالة البرّية بين سكان المناطق الصحراوية، ولكنها لم تنتشر في القرى الصغيرة.

شعر الفخر



ومن الفنون الشعبية المندرجة في «قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل في منظمة اليونسكو، والتي يمكن لزوار المواقع التراثية التعرف عليها، فن العازي أو المعروف بـ«شعر الفخر».

وظهر فن العازي منذ مئات السنين في ساحات المعارك وعند الاحتفالات بالنصر، ولكن يُلقى حالياً في الاحتفالات والمناسبات الوطنية في الإمارات، ويؤدي ذلك الفن مجموعة من الرجال الذين يقودهم شاعر يمتلك صوتاً جهورياً مع مجموعته التي تردّد معه.

ويحمل أفراد الفرقة بنادق رمزية، ويصطفُّون خلف الشاعر الذي يحمل هو أيضاً سيفاً رمزياً، كما يضفي أسلوب النداء والجواب المستخدم في إلقاء شعر العازي إحساساً بالوحدة والتضامن، بينما ترمز الأسلحة الرمزيّة إلى الشجاعة.

جوهر الحياة البدوية



أما فن التغرودة فقد أدرج في عام 2012 ضمن القائمة التمثيليّة للتراث الثقافي غير المادي للبشرية التابعة لليونسكو، ويعد أحد أنواع الشعر التقليدي الذي يلقي الضوء على جوهر الحياة البدوية ذات الصلة بالهجن والتنقل في الصحراء، فيما تعود أصوله إلى البيئة الصحراوية، والمناطق الجبلية، والقرى الريفية.

ويعتبر التغرودة أحد أنماط الشعر المرتجل الذي يشدو به ركاب الإبل والخيل والرعاة، ولكنه أصبح منتشراً في أنحاء الدولة خلال العصر الحالي، ويتسم فن التغرودة بالإيجاز والبساطة فهو لا يحتوي على أوزان شعرية صعبة، ويسهم في توثيق التاريخ الاجتماعي والثقافي للمنطقة.

ويقدِّم فن التغرودة رؤية متعمّقة التعريف المقيمين والسائحين وأبناء الدولة لتعرفهم التاريخ والتراث الثقافي للإمارات ويمنحهم إلقاء نظرة مقربةً على نمط الحياة التقليدية الذي كان سائداً في الدولة قديماً.

حرف نسائية



تقدم العديد من المواقع الأثرية عروضاً حية لحرفة نسائية تعرف بـ«السدو» والتي تحتل مكانة خاصة في المجتمع الإماراتي، حيث تمكنت الإمارات من إدراجها في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صونٍ عاجل، خلال عام 2011.

ويعتبر السدو من الحرف التي يشتهر بها أهل البادية في المناطق الشحيحة للموارد الطبيعية في شبه الجزيرة العربية، ويستخدم في حياكة ذلك النسيج البدوي التقليدي كل من وبر الإبل وشعر الماعز وصوف الأغنام، ويصنع منه البطّانيات والسجاد والوسائد والخيام وزينة رِحال الإبل.

بيت الشعر



وأثناء زيارة العديد من المواقع التراثية والأثرية في الإمارات، سيطلع الزوار على «بيت الشعر» وهي عبارة عن الخيمة البدوية التقليدية التي تتميز بطولها ولونها الأسود، فيما تصمم عادة من شعر الماعز باستخدام «السدو».

كذلك يمكن للزوار الاستمتاع بمشاهدة عروض الصقارة التي عرفت في المنطقة العربية منذ 4 آلاف عام، ومارسها البدو في الصحراء باعتبارها أحد أشكال الصيد المهمة، ولكن تغيرت مع الزمن، فأصبحت من أهم الرياضات التقليدية في الدولة، كما ترتبط رياضة الصيد بالصقور بالقيم النبيلة والشجاعة والفخر والمجد.