الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

سكرتير البابا فرنسيس في حوار خاص لـ «الرؤيــــة»: البابا انبهر برؤيته محمد بن راشد ومحمد بن زايد يقدم كل منهما الآخر على نفسه

حوار ـ فادي فرنسيس

كان ظهوره لافتاً في الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، إلى الإمارات بداية الشهر الجاري، فهو المساعد الذي يثق البابا برأيه، والمترجم الذي ينقل الحديث بأمانة من العربية «لغته الأم» إلى الإيطالية «اللغة الرسمية للفاتيكان»، بين البابا وضيوفه الكبار.

وفضلاً عن ذلك، هو أحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في ترتيب مجريات الزيارة التاريخية، وشاركت في تنظيم الحدث غير المسبوق الذي استضافته الإمارات.. إنه الأب المصري المونسنيير يوأنس لحظي جيد، السكرتير الشخصي الثاني للبابا فرنسيس، الذي منحه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وسام زايد الثاني من الدرجة الأولى، وكرمه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تقديراً لجهوده في الترتيب للزيارة.


كشف الأب المصري في حواره مع «الرؤية» عن تقييم البابا لزيارته التاريخية إلى الإمارات ولقائه قادتها، ورموز الدين الإسلامي، وإعلان الإمارات إنشاء «بيت العائلة الإبراهيمية» في أبوظبي.


وتحدث عن انبهار البابا بتواضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتقديم كل منهما الآخر على نفسه في مواقف عديدة، وبعفوية وتلقائية تامة.

وروى كواليس إقامة الصديقين شيخ الأزهر مع بابا الفاتيكان في منزل واحد بالإمارات في حدث فريد شهدته الزيارة التاريخية.

وأكد الأب يوأنس، أن البابا عاد إلى الفاتيكان محملاً بالكثير من اللفتات الدالة، التي عبرت عن تسامح الإمارات، وأن فكرة إنشاء المسجد باسم الإمام الأكبر أحمد الطيب، والكنيسة التي حملت اسم القديس فرنسيس، تركت في نفس البابا أثراً طيباً للغاية،

وتالياً نص الحوار:

* رافقت البابا فرنسيس خطوة بخطوة طوال زيارته إلى الإمارات، وعدت معه على الطائرة إلى الفاتيكان، ما انطباعاته وتقييمه للزيارة ونتائجها؟

ــ لاحظت أن قداسته شعر بالسعادة حقاً، ولهذا أسباب منطقية، منها: الاستقبال الحافل والترحاب الحار الذي وجده في الإمارات، ليس من القادة والمسؤولين الحكوميين فقط، بل من أبناء الشعب الإماراتي، وسكان هذه الدولة التي تضم جنسيات عديدة تعيش في سلام.

ومن الأسباب التي أسعدت البابا وحظيت بتقديره أيضاً، توقيت الزيارة التي جاءت بالتزامن مع الذكرى المئوية الثامنة للقاء تاريخي آخر جمع القديس «فرنسيس الأسيزي»، أحد أبرز رموز الكنيسة الكاثوليكية والرجل الذي قرر البابا اختيار اسمه بعد تنصيبه، مع «الملك الكامل»، ملك مصر، في عام 1219، وهي الزيارة التي جاءت كنقطة تحول في ذروة الصراع وقتها، حيث بدأت بذور السلام والمحبة تتفوق على صيحات الحروب والكراهية، فكان البابا سعيداً جداً بزيارته إلى الإمارات في ذكرى زيارة القديس فرنسيس إلى مصر حاملاً رسالة السلام والمحبة لكل البشر، في دولة تسلك طريق التسامح والمحبة.

كما كانت «وثيقة الأخوة الإنسانية» وتوقيعها مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر مسألة غاية في الأهمية، فنحن نتحدث عن توثيق للمحبة، واختيار من أكبر قيادتين في العالم الإسلامي والمسيحي لخطاب السلام والسير في طريق التآخي بين البشر.

وبالتأكيد شعر البابا بالفرح لأنه التقى المؤمنين واحتفل معهم بالقداس الإلهي، في مشهد تاريخي مهيب تحيطه المحبة والسلام، فضلاً عن زيارة البابا لضريح الشيخ زايد واللقاء المثمر مع مجلس حكماء المسلمين.

لتلك الأسباب جميعها كان قداسته سعيداً للغاية في رحلة العودة، وأكثر ما أسعده أن كل هذه الخطوات الكبرى والأحداث الرائعة جرت في جو يسوده المحبة والتفاهم والاحترام المتبادل.

* كنت شاهداً على حدث تاريخي فريد، حيث أقام شيخ الأزهر مع بابا الفاتيكان في منزل واحد، كيف كان الحوار بينهما، وكيف قضيا ذلك اليوم؟

ــ نعم إنه حدث تاريخي فريد، فللمرة الأولى في التاريخ يقيم بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر الشريف في البيت ذاته، والمدهش الجميل في هذه الخطوة أن الإقامة في ذات البيت كانت رائعة حقاً، فالرجلان تجمعهما محبة حقيقية، وكان هذا ظاهراً في تصرفاتهما واحترام كل منهما للآخر.

ويمكنني أن أصف يوم الإقامة المشتركة بأنه كان يوماً تاريخياً، أقام فيه صديقان يتبادلان الاحترام الكبير والمحبة الخالصة في منزل واحد، فعندما تكون النفوس عظيمة وصافية يصبح كل شيء سهلاً وجميلاً أيضاً.

* أعلنت الإمارات في نهاية الزيارة عن إنشاء مسجد الإمام أحمد الطيب وكنيسة القديس فرنسيس.. كيف ترى هذه الخطوة؟

ـ أراها خطوة تاريخية، وبناء المسجد والكنيسة يدل على رغبة صادقة لدولة الإمارات العربية المتحدة في تخليد ذكرى توقيع الوثيقة، حيث سيكون الحدث الأهم في تاريخ المنطقة، والأهم في العالم كله هذا العام، كما أعتقد أن فكرة تشييد جامع وكنيسة تجسد روح وقلب الوثيقة: الإيمان بالله يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم، يجعلنا أكثر إنسانية وأكثر تقبلا للآخر.

* كنت ملازماً للبابا في لقاءاته مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد خلال الزيارة.. كيف قرأت التفاهم بين البابا وقيادات الإمارات؟

ــ كان التفاهم تاماً وسلساً للغاية، فنحن نتحدث عن نفوس كريمة وقلوب صافية اجتمعت من أجل هدف واحد هو المحبة والسلام في بلد اختار أن يكون بلد التسامح.

وقد أثارت شخصيتا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إعجاب قداسة البابا فرنسيس بشدة، لأنه لمس فيهما عمق الفكر، وصلابة الإرادة، ووضوح الرؤية، فضلاً عن تمسكهما بالجذور الطيبة، وانفتاحهما على المستقبل في الوقت نفسه.

* ما أبرز المواقف التي أثارت إعجاب البابا خلال الزيارة التاريخية؟

ــ مواقف كثيرة أثارت إعجاب قداسته، لكن الملمح الأبرز منها كان التواضع والمحبة، فالبابا تأثر كثيراً بتواضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورأى كيف أن كلاً منهما يقدم الآخر على نفسه في مواقف عديدة، وبعفوية وتلقائية تامة، كانت هذه المواقف مبهرة بحق، وأثرت في البابا بشدة، فحين ترى اثنين من كبار القادة يفضل كل منهما الآخر على نفسه، سيثير الأمر انتباهك، لأن مثل هكذا تصرفات لا تصدر إلا من نفوس يملؤها الخير، وقلوب يسكنها التواضع.

* ما انطباعك عن مبادرة دولة الإمارات في عام التسامح؟

ــ مبادرة رائدة أتمنَّى تعميمها في جميع الدول، فمن دون التسامح مع الذات ومع الآخرين لا يمكن التقدم إلى الأمام بخطى ثابتة، والتسامح هو تعبير عن الرغبة الحقيقية في شفاء الجراح ومعالجة الصعوبات، وبناء الغد على أسس راسخة ومتينة.

وقد تأثرت للغاية بكلمة للقائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، التي قال فيها: «التسامح واجب، إن كان أعظم العظماء، الخالق عز وجل، يسامح، فلماذا ونحن البشر المخلوقون لا نسامح؟».

وأعتقد أنه ما من كلام أبلغ، وأعمق من هذه الكلمات الحكيمة، لذا فمبادرة الإمارات بتكريس هذا العام للتسامح ليست إلا الثمرة لبذرة التسامح التي زرعها طيب الذكر الشيخ زايد، ورواها شعب طيب، فأثمرت مبادرة رائعة، وسيذكر التاريخ دائماً أنه في عام التسامح وعلى أرض الإمارات، قد تم ما يمكن أن نطلق عليه معجزة التصالح بين الإسلام والمسيحية، وتم العناق الذي نتمنَّى أن يعالج جراح الماضي.

* ماذا يمثل لك منحك «وسام زايد الثاني» من الدرجة الأولى؟

ــ يمثل تشريفاً كبيراً وتقديراً وتأكيداً أن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ومن حوله، يمتلكون قلوباً وعقولاً ونفوساً نبيلة وكريمة.

فوجئت بهذا التكريم ولكن بالتأكيد وجود مثل هذه النفوس الكريمة في الإمارات لم يكن مفاجأة، فهي دائماً نفوس تقدر وتشجع كل مبادرة من أجل الخير والتقارب بين البشر، وفي الحقيقة لقد لامس وجداني منحي الوسام وتكريمي من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وسأظل مديناً للإمارات العربية المتحدة دائماً بهذه اللفتة الكريمة.

وهنا أحب أن أشير، إلى أني لا أعتبر هذا تكريماً لشخصي فقط، لكنه تكريم لكل الجنود المخلصين الذين عملوا بإخلاص وتفان لإتمام هذه الزيارة التاريخية، ولا يمكن أن أنسى هنا أخي وصديقي المستشار السابق لشيخ الأزهر محمد عبد السلام، والذي عمل ليلاً ونهاراً على نص وثيقة الإخوة والإنسانية، وشارك بكل جهده في الإعداد لهذه الزيارة التاريخية، فله أهدي أيضاً هذا التكريم.

* كيف ترى مبادرة «بيت العائلة الإبراهيمية»؟

ــ خطوة جادة وصائبة تماماً، تؤكد الإرادة الحقيقية لدولة الإمارات العربية المتحدة في رعاية الوثيقة التاريخية التي ولدت على أرضها.

* من سيمثل الفاتيكان في «بيت العائلة الإبراهيمية»؟

ــ لم يتقرر بعد من سيمثل للفاتيكان، ولكن أعتقد أن الأمر سيكون من اختصاص مجلس الحوار بين الأديان، فهو المسؤول عن مثل هذه الملفات.

* أنت عربي مصري تعمل في قلب الفاتيكان، هلّا ألقيت الضوء على دورك، خاصة أنك مقرب من البابا فرنسيس بحكم عملك واطلاعك؟

ـ أنا هنا أقوم بواجبي.. أقوم بخدمة قداسة البابا كسكرتير شخصي، وفِي الوقت عينه أتولى مسؤولية قسم اللغة العربية في أمانة دولة حاضرة الفاتيكان، وهو القسم الذي يتولى ترجمة جميع الأحاديث والخطب والكتابات التي يتفوه بها أو يكتبها قداسة البابا، ونشرها على موقع الفاتيكان ليتمكن الناطقون بالعربية من الاستفادة منها.

* بعد الزيارة التاريخية، ما رسالتك لشعب الإمارات؟

ــ لكوني مصري من أبناء الوطن العربي، أشعر بالفخر في دولة الإمارات التي وصف البابا شعبها بأنه يعيش الحاضر وعيونه على المستقبل، كما أشعر بالفخر لأن الإمارات قدمت إلى العالم رسالة تسامح وانفتاح وتحضر، واستطاعت أن تنظم هذه الزيارة بجدية وحرفية وإتقان تعكس أصالة الإمارات وشعبها المضياف. لذا رسالتي لهم: شكراً، وحفظكم الله، شعباً وقيادة، ورمزاً ناجحاً للتعايش والإخوة.