الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

التعليم في فكر زايد .. بوابة العبور إلى المستقبل

رسّخ المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، منذ تأسيس الاتحاد، فكرة الاستثمار في التعليم، ليكون بوابة العبور إلى مستقبل مستدام، وضمانة حقيقية لإحداث نهضة تنموية شاملة، والرهان الأمثل لبناء اقتصاد يعتمد على المعرفة.

ولأنه كان يرى أن رصيد أي أمة متقدمة هو أبناؤها المتعلمون، وأن تقدم الشعوب والأمم إنما يُقاس بمستوى التعليم وانتشاره، وضع العملية التعليمية على رأس اهتماماته منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم، وذلك من منطلق إيمانه بأن التعليم هو القاعدة التي تحقق الازدهار والتنمية والإبداع في مختلف المجالات، لذلك حرص على أن يضيء العلم بنوره جميع أركان الوطن، فأخذ في بناء المدارس، ووضع نظاماً تعليمياً يبني الشخصية الإماراتية المتمسكة بهويتها وإرثها الحضاري والمنفتحة على ثقافات العالم.

نقلة استثنائية


وتمكن الشيخ زايد بفكره المستنير ورؤيته الثاقبة خلال ثلاثة أعوام فقط من زيادة عدد المدارس الحكومية على مستوى الدولة بنسبة تجاوزت الـ 100في المئة، معلناً بذلك مسيرة التنوير في الإمارات من أروقة المدارس التي لم يتجاوز عددها في عام 1971 نحو 74 مدرسة منها 43 للذكور تضم 21770 طالباً و31 مدرسة للإناث تضم 11092 طالبة.


ولكن سرعان ما تبدل الحال ليصل عدد المدارس الحكومية في عام 1973 إلى 110 مدارس تضم 40 ألف طالب وطالبة، وفي عام 1974 ارتفع العدد ليصل إلى 155 مدرسة تضم 51 ألف طالب وطالبة، وكأن الشيخ زايد قد دخل في سباق مع الزمن ليحقق حلمه في بناء وطن قادر على الجلوس في المصاف الأولى للدول المتقدمة.

تصنيف عالمي للجامعات

لم يكتفِ الشيخ زايد «طيب الله ثراه» بذلك، بل حرص على تأسيس منظومة التعليم الجامعي التي بدأها بجامعة الإمارات العربية المتحدة التي أُنشئت بموجب القانون الاتحادي رقم (4) لسنة 1976، لتستقبل أول فوج من طلابها في عام 1977.

وتوالى بعد ذلك افتتاح الجامعات الحكومية والخاصة، إلى أن أصبح التعليم الجامعي بالإمارات مقصداً رئيساً من أغلب جنسيات العالم بعد إدراج عدد من جامعات الدولة ضمن أهم 100 جامعة على مستوى العالم وفق أحدث تصنيف عالمي للجامعات.

ولم يكن لتلك الإنجازات أن تتحقق إلا بالقاعدة القوية لقطاع التعليم التي أرسى لبِناتها الأولى الشيخ زايد «طيب الله ثراه» بتخطيط مدروس وتنفيذ فاعل بسواعد وطنية تحالفت على بناء منظومة متكافئة قوامها الحق والعدل والمساواة.

وانعكست تلك الإنجازات على عجلة الإنتاج بمختلف القطاعات التنموية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم زيادة قدرة الدولة التنافسية، فما نراه اليوم ويشهده العالم على أرض الإمارات من استشراف للمستقبل ونهضة رقمية وتقنيات نوعية تعتمد على الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات وقطاعات الدولة الحكومية والخاصة ما هو إلا حصاد لثمار الخير التي نثر بذورها زايد الخير.

مواجهة العقبات

وواجه الشيخ زايد عقبات متعددة إزاء إرسائه دعائم منظومة التعليم العام في الدولة، ولكنه سرعان ما تغلب عليها، إذ لم يدرك البعض في تلك الفترة قيمة التعليم ودوره في بناء الوطن الوليد، لذلك لم يهتموا بإرسال أبنائهم للمدارس، لكونهم بمنزلة أيادٍ عاملة قادرة على الإنتاج، وأمام ذلك قرر الشيخ زايد آنذاك التغلب على تلك العقبة عبر توفير الحل المناسب الذي يرضي جميع الأطراف، وذلك عن طريق دفع الحكومة الاتحادية منحة نقدية للعائلة عن كل ابن من أبنائها يلتحق بالتعليم بشكل نظامي، فضلاً عن تحمل الحكومة لجميع نفقاته من كتب وملابس مدرسية ووجبات يومية، ما دعا جميع العائلات، خصوصاً محدودي الدخل منهم لدفع أبنائهم لصفوف التعليم بشكل جاد ومنتظم.

ولتأكيد ذلك التوجه سارع الشيخ زايد بإصدار القانون الاتحادي رقم (11) لعام 1972بشأن إلزامية التعليم، الذي بموجبه يلتزم الوالدان أو الوصي القانوني بإرسال الأبناء إلى المدارس لتلقي العلم، وهو ما أسهم بشكل كبير في وضع العملية التعليمية في إطار ممنهج وفق لوائح وأنظمة إدارية وهيكل تنظيمي ساعد في تطويرها بشكل سريع ومنظم.

محو الأمية

وبشكل متوازٍ مع سعيه «طيب الله ثراه» للنهوض بالتعليم العام، أقرّ الشيخ زايد نظام محو الأمية لمنح من فاتهم قطار التعليم فرصة اللحاق بركابه، فبجانب التعليم النظامي في الصباح فتحت الدولة مراكز محو الأمية في المساء والتي انضم إليها الآلاف من الراغبين في تعويض ما فاتهم من ركب التعليم، ليلتحق العديد منهم بالجامعات في ما بعد.

ولم ينتهِ الأمر عند ذلك الحد، بل حرص الشيخ زايد على محاربة الأمية من خلال توجيهه بتأسيس إدارة خاصة بتعليم الكبار بوزارة التربية والتعليم، بهدف تخفيض معدلات الأمية بين أبناء الدولة.

واعتبرت الحكومة مرحلة محو الأمية مرحلة تأسيسية تمكن الحاصلين عليها من الالتحاق ببقية المراحل الدراسية ومن ثم الالتحاق بالدراسة الجامعية، ليصبح بذلك نظام محو الأمية جزءاً لا يتجزأ من تعليم الكبار بمفهومة الأوسع والأشمل.

في سياق متصل، أسهمت جهود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، آنذاك في القضاء تدريجياً على الأمية بين الإناث، عبر إنشائها للجمعيات النسائية التي استقطبت العديد من ربات البيوت ممن حرمن التعليم نتيجة زواجهن المبكر.

البعثات الخارجية

وسارع مؤسس الدولة إلى تنظيم البعثات العلمية لمختلف الدول على نفقة الدولة، حرصاً منه على استيراد المعرفة واستشراف المستقبل بفكر وطني مستنير لتحقيق نهضة شاملة، وهو ما تعيشه الإمارات حالياً على أرض الواقع.

واهتم «طيب الله ثراه» بالتوسع في برامج البعثات الدراسية الداخلية والخارجية على حد سواء لتمكين الشباب من تحقيق طموحاتهم وطموحات قيادتهم في الحصول على أعلى المراتب العلمية، ما أسهم في إعداد وتأهيل العديد من الأجيال القيادية التي تحملت مسؤولياتها في كافة المهام التي أوكلت إليها بشكل أبهر العالم.

تعليم المرأة

حرص الشيخ زايد «طيب الله ثراه» على منح المرأة حق التعليم والقضاء على أي فكر يقلل من شأنها ويحرمها اللحاق بقطار العلم، وانعكست جهوده في تعليم المرأة على واقعنا الحاضر بعدما صنفت الإمارات في عام 2016 الأولى عالمياً في مؤشر معدل التحاق المرأة بالتعليم العالي، وهو ما أسهم بشكل كبير في توسيع الدور المهني للمرأة لترتقي أعلى المناصب السيادية في السلم الوظيفي بالدولة.

وللتاريخ فقد بدأت مسيرة العمل النسائي بالإمارات في الثامن من فبراير عام 1973 بدعم سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، بعد إنشائها جمعية نهضة المرأة الظبيانية، التي تعد أول تجمع نسائي على أرض الدولة، وسرعان ما أسست الاتحاد النسائي العام بتاريخ 28 أغسطس عام 1975 ليمثل أول تنظيم شامل للمرأة في دولة الإمارات.