السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

شباب يروون قصة الثواني الـ10 الأخيرة قبل حوادث السرعة

شباب يروون قصة الثواني الـ10 الأخيرة قبل حوادث السرعة
10 ثوانٍ أو أقل، هي مدة درس قاسٍ قد يكون الأخير في حياة شاب قرر القيادة بتهور، أو بأفضل الأحوال كما يصفها أصحابه بتجربة «لا تنسى»، أما البعض الآخر فيطلقون عليه اسم «شريط الذكريات» لأنه يتراءى لهؤلاء المقدمين على الموت، وغالباً ما تكون فيه البطولة للأب أو الأم بملامح مشوشة غاضبة أو باكية، مع شعور راسخ بحتمية النهاية الممزوجة بالذنب، فمنهم من يمسكون بالمقود ويغلقون عيونهم إلى مصير مجهول، وآخرون يحاولون التمسك بالحياة بدعاء أو استنجاد.

شبان خاضوا التجربة وتحدثوا لـ«الرؤية» عن الثواني العشر الأخيرة قبل وقوع حادث السرعة بسبب تهورهم (ماذا تذكروا؟ وما الذي استدعوه وفكروا فيه خلال هذه اللحظات؟)، مؤكدين أن حافة الموت أقسى من الموت نفسه، لما تخلفه من ندوب جسدية وآثار نفسية يصعب على الإنسان تجاوزها، حين يدرك أنه كان مغيباً العقل وأسيراً لإدمان الأدرينالين الذي زرعه بفراغه وصحبه أصدقاء السوء وضيق تفكيره الذي كاد يكون سبباً في آلام الآخرين دون أن يشعر.

وأجمع هؤلاء أن إدمان الأدرينالين والشعور بالخوف والمغامرات الخطرة، يبدأ من تجربة واحدة، ويتسارع نحو التهور إن توفرت المسببات كالسيارات القوية أو إمكانية التزويد، أصدقاء السوء، الموسيقى الصاخبة وأخيراً النجاة كل مرة، والشعور بالانتصار والسيطرة، الأمر الذي يخلف آثاراً نفسية على الشخص ذاته ومن حوله إلى حين اللحظة الحاسمة التي يستبدل الندم فيها كل شعور وينتهي كل شيء.


أغلقت عينيَّ.. استسلمت


«ملك الطريق»، هكذا يرى الشاب (م.ح) نفسه، موضحاً أن هوس السرعة كان يلاحقه ليتجاوز المركبات الأخرى بسرعة رغم تلقيه مخالفات والتقاط الرادارات له مراراً وتكراراً، حتى تعرض لحادث مروع جعله طريح الفراش لشهر، وقال: «اللحظة التي غيرت حياتي.. كانت قبيل الاصطدام بثوانٍ.. حين فقدت السيطرة على المركبة لتهوري حين كنت متوجهاً لعملي في إمارة أخرى.. تجاوزت سرعة الـ160 كلم وقررت في لحظة تبديل مساري من اليمين لأقصى اليسار أثناء فرصة اعتقدتها سانحة وأني سأنجو منها.. لكن مع وصولي للمسار الأخير شاهدت مركبة مسرعة تكبر على المرآة شيئاً فشيئاً.. وأدركت أني على وشك الاصطدام».

وأضاف: «أغلقت عينيَّ.. استسلمت.. لأغيب بعدها لساعات في اللاوعي»، وتابع: «استيقظت في المستشفى.. لا أقوى على الحركة وذاكرتي مشوشة.. كأني فقدتها.. وعلمت من الأطباء أن ارتفاع الأدرينالين المفرط والحالة التي كنت أعيشها أثرت على الدماغ لحظة الحادث حيث المزيج من الخوف والصدمة.. لأبدأ بعد شهر من العلاج بتذكر الأحداث تباعاً.. لحظات الرعب.. دارت المركبة عدة مرات وسط الطريق، ومع ارتفاع السرعة قذفت إلى الناحية الأخرى من الطريق لترتطم بنخلة قسمت السيارة إلى نصفين».

وقال: «اقتنيت سيارة حديثة جعلتني لا أقاوم السرعات العالية حتى في ساعات النهار والطرقات المزدحمة.. ومنحتني شعور المغامرة كل يوم.. من لحظة جلوسي خلف المقود صباحاً وأنا متوجه إلى العمل.. صوت المحرك يحفزني لرفع صوت الموسيقى ثم قلة الصبر تدفعني لتجاوز المركبات الأخرى بسرعة خاطفة وأعزز ثقتي بنفسي أني سيد الطريق والمسيطر ولن يحدث لي أي مكروه.. ثم أنتظر نهاية الأسبوع بفارغ الصبر لأنطلق مع الأصدقاء على الطرقات السريعة والمفتوحة ونتسابق مع تفادي الرادارات الطرقية لتكون كل مرة ننجح فيها دافعاً للتجربة من جديد».

ولفت إلى أن الثواني الأخيرة كانت أقسى من الساعات ما بعد الاصطدام لأنها أثرت على روحه في الصميم.. ولم يتمكن بعدها من القيادة لمدة عامين متتاليين خاصة مع خضوعه للعلاج، وقال: «السرعة إدمان.. شعور بالتفوق وتنميل الأطراف.. والتحدي لتجاوز السيارات البطيئة والتنافس مع السيارات القوية على الطريق.. حيث تزداد نبضات القلب ويفقد العقل القدرة على التفكير بوضوح أو حساب عواقب الأمور»، وأردف بأن زيادة عدد الكاميرات ومضاعفة المخالفات ساهمت بلا شك في تطويق التهور.

خذلت والدي.. حييت أم مت

وذكر الشاب الثلاثيني «حمد. ح» أن حادثاً كاد يودي بحياته وحياة شقيقه منذ سنوات حيث كانت نقطة النهاية للقيادة السريعة والمغامرة على الطريق المفتوح، إذ انقلبت بهما المركبة التي أخذاها خلسة من أبيهما في ساعات الفجر الأولى، كما اعتادا سابقاً والطواف بها بين الأزقة معتقدين أنهم بعيدون عن الأعين، وقال: «كان الأمر أشبه بمغامرة.. كررناها عدة مرات.. دون خطأ.. ويومها قررنا التباهي أمام الأصدقاء لتنقلب السعادة تعاسة بنا وعلينا!».



وشرح الشاب كيف ضغط على دواسة الوقود وراقب عداد السرعة ما جعله يواري نظره عن الطريق ليقترب من عمود إنارة ويفقد السيطرة لتنقلب فيه، موضحاً أنه كان واعياً في الثواني العشر الأخيرة واعتقد أنها النهاية ولا فائدة من الندم، ليفتح عينيه بعد دقائق وقد أخرجوه من المركبة.

وأردف: «قبل هذه اللحظات كنت أريد إثبات نفسي.. واكتساب احترام الآخرين لي.. لكني اخترت أسوأ الأساليب التي جعلتني على شفا حفرة من أن أفقد كل شيء.. وكنت فعلاً وصلت إلى النهاية.. فكان تفكيري لحظتها أني إن مت.. فقد خذلت والدي.. وإن لم أمت.. خذلته أيضاً.. لذا أغمضت عينيَّ واستسلمت»، وأضاف: «للأسف.. أحياناً نحتاج إلى موقف يهزنا من الداخل ويكسر فينا التحدي والعناد.. لنرى حقيقة من نكون.. وأننا لا نعيش لأنفسنا فقط».

تراءت لي والدتي خائفة ولائمة

شريط الذكريات، هو ما واجهه الشاب الإماراتي (ع. ق) لحظات ما قبل الاصطدام بسبب فقدان السيطرة على المركبة التي كانت مزودة أثناء توجهه إلى العين عام 2010، متجاوزاً 200 كلم في الساعة في لحظة مع وقع الأغاني المرتفعة والثقة المفرطة في النفس حتى لحظة انفجار الإطار وتدهور المركبة وارتطامها بحاجز المنصف ليغيب وقريبه في المركبة عن الوعي ويعجزا بعدها عن قيادة مركبة لأكثر عن 5 سنوات مع إصابات بليغة.

وقال: «الحماسة والتحدي انقلبا خوفاً وهلاكاً حتمياً، وتراءت لي والدتي خائفة ولائمة في اللحظات الأخيرة، وقال: «لحظات كأنها ساعات.. السيارة تتمايل ويتقاذفها الطريق والعقل مشوش وغير قادر على التفكير إلا في النهايات الوخيمة بشتى الحالات»، وأضاف: «موقفنا كان صعباً إذ حذرتنا خالتي من استخدام المركبة المزودة على الطريق السريع».

وأضاف: «تولدت لدي كراهية وحنق تجاه المتهورين على الطريق.. مشاعر السرعة وارتفاع الأدرينالين في العروق والإحساس بنشوة الانتصار بعد تجاوز مركبة أو تزايد السرعات لها لذة حقيقية ورهبة تحبس الأنفاس كأنك في أفعوانية.. لكن لحظة الاصطدام تجعلك تخسر كل شيء»، موضحاً أن تهور الشباب بسبب عدم اهتمام الأهل الكافي بهم ما يولد لديهم الشعور بالفراغ وقلة المسؤولية.



تغير مساري.. فتغيرت حياتي

«التأخر هو السبب»، هذه كانت حجة الشاب الثلاثيني (م. ش) في التهور على الطرقات، ليستمتع بخليط مشاعر القلق والخوف والسرعة ويصبح انتباهه مشدوداً إلى حين وصوله لوجهته ليتنفس الصعداء ويعتريه شعور بالرضا والسعادة لأنه أتم المغامرة بنجاح، إلى حين خانته اللحظة عام 2017 ليصبح أسير شرائح من حديد زرعت في ركبته ورحلة علاجية طويلة.

وأوضح أنه اعتاد كسر الملل أثناء الرحلات القصيرة على الطريق حين يخرج متأخراً ويحاول الوصول على الموعد المقرر، كتحدٍ يتجدد كل مرة بتفاصيل مختلفة، ليشعر لحظة الوصول بالسعادة لتمكنه من تقليص الوقت، مع طاقة كبيرة تمكنه من أداء للعمل بنشاط، إلا أنه لحظة تغييره للمسار بسرعة تشتت انتباهه ليصدم مركبة بجواره كانت في البقعة العمياء.. وقبل لحظة الاصطدام بجزء من الثانية اتسعت حدقتاه مع إدراكه أن الاصطدام حتمي وبرودة الأطراف تتسلسل إلى الدماغ ليسيطر عليه الشعور بالخوف والخجل من والدته التي كانت صورتها آخر ما تراءى في مخيلته وهو يشهد توجه المركبة إلى سور حديدي، وقال: «للأسف العشر ثوانٍ الأخيرة قبيل الاصطدام هي التي تجعل المتهور يدرك فداحة ما يقترف.. وكثير من الشباب لا يتعظون قبلها ويعتقدون أنهم بعيدون عنها.. حتى يفقدوا كل شيء في لحظة واحدة.. وللأسف فالفقد ليس مادياً أو جسمياً فقط بل معنوياً أيضاً».