الجمعة - 10 مايو 2024
الجمعة - 10 مايو 2024

مطلقات يطالبن بنفقة الأبناء بعد الخلع نتيجة «كورونا»

مطلقات يطالبن بنفقة الأبناء بعد الخلع نتيجة «كورونا»
أفرزت تحديات «كورونا» المادية مشكلة تواجهها مطلقات حصلن على الخلع بعد تعذر الطلاق بالتراضي، وتنازلن عن حقوقهن المادية ونفقة أبنائهن من واقع قدرتهن المالية على التكفل بالنفقات من رواتبهن، ولكن بسبب الظروف الطارئة خلال الأزمة الصحية وتخفيض رواتبهن وفقدانهن العمل، اضطررن إلى التقدم بدعاوى ضد الآباء للنفقة على أبنائهم.

وأكد قانونيون أنه «في حال تنازلت الزوجة عن نفقة أبنائها من واقع قدرتها المادية مقابل حصولها على الخلع ومن ثم استجدت ظروف طارئة نتج عنها فقدانها لعملها مثل أزمة (كورونا)، فالقانون يمنحها الحق بمطالبة والد أبنائها بالنفقة عليهم بشرط مرور عام على التنازل، لأن النفقات حجتها وقتية وقابلة للتغيير بتحول الظروف المادية للأم التي كانت قائمة وقت التنازل».

ووفقاً للأرقام، زاد المعدل الشهري لدعاوى تغيير نفقة الأبناء في الشارقة عن 60 طلباً معظمها يختص بحالات خلع كانت نفقة الأبناء فيها ضمن قائمة التنازلات التي قدمتها الأمهات، وتصدر «كورونا» أسباب دعاوى تغيير النفقة.


تنازُل عن الحقوق


وقالت روضة حمدان إنها اكتشفت بعد زواج استمر أكثر من 11 عاماً ونتج عنه وجود طفلين أن زوجها بخيل على عائلته رغم دخله الشهري الكبير، ولا يوفر لأبنائه إلا المستوى الأدنى من المستلزمات الأساسية للحياة، ما دفعها إلى التوجه للمحكمة والتقدم بطلب طلاق للضرر إلا أنها تفاجأت برفض الطلب بحجة أن الأدلة التي قدمتها لم تثبت ضرراً أو لم تصنف وفق هذا الإطار.

وأضافت: «ولأنني أريد إنهاء الزواج لم يكن أمامي إلا التقدم بطلب الخلع والتنازل عن كافة حقوقي وأبنائي المادية مثل، المؤخر ونفقاتي المتراكمة، ونفقة الأولاد المتأخرة، واتفقنا أن يتنازل عن حضانة أولاده مدى الحياة، مقابل أن أتكفل بنفقاتهم من راتبي الشهري الذي أحصل عليه من عملي ولا ألزمه بشيء فوافق على هذه الشروط، إلا أني واجهت لاحقاً صعوبات عدة خلال أزمة كورونا نتج عنها تخفيض راتبي بنسبة 70% ما أثر على مستوى حياة أبنائي ودفعني للتقدم للمحكمة بطلب نفقة أبناء استناداً لتغير الظروف التي صدر في ظلها حكم النفقة ولأن نفقة الأبناء واجبة على الأب في حال تعذر صرف الأم عليهم، وما زلت أنتظر رد المحكمة».

أصعب الحلول

وأكدت ثناء عبدالرحمن أن الخلع من الأحكام التي أباحها الله للمرأة لإزالة الضرر عنها، إما بسبب سوء عشرة زوجها لها، أو لأنها لا تستطيع البقاء معه، ولا بد للزوجات أن ينظرن لهذا الخيار باعتباره آخر الحلول، إذا انسدت جميع الأبواب أمامهن، وكان في استمرارهن مع أزواجهن ضرر عليهن، لا يستطعن دفعه إلا بالخلع الذي يضطرهن للتنازل عن حقوق أبنائهن المادية في بعض الحالات، دون مراعاتهن للظروف التي قد تطرأ خلال مسيرة الحياة وتؤثر على مستوى المعيشة والدخل المادي.

وقالت: «مررت بتجربة زواج لم يكتب لها الاستمرار وتقدمت بطلب الخلع واضطررت في سبيل الحصول عليه للتنازل عن حقوق أبنائي المادية لأنه أصعب الحلول المتاحة أمامي، وحين طالبت بها لاحقاً لاحظت تأخر الإجراءات وتعطلها».

دفع الضرر

وذكرت رحيمة علي أن تقدم الزوجة بطلب الخلع والتنازل عن حقوقها المادية في سبيل الحصول عليه ليس لأنها تطمح للحرية أو الاستقلال المادي أو التطلع لتأسيس أسرة جديدة، ففي بعض الحالات يكون الخلع الوسيلة المتاحة التي تلجأ إليها الزوجات لدفع الضرر الواقع عليهن من قبل الأزواج ولا يتمكنّ من إثباته للحصول على الطلاق وما يتبعه من حقوق مادية لهن ولأبنائهن، فدوافع الضرر التي تقدمها بعض الزوجات للمحكمة للحصول على الخلع تكون واقعية وتتمثل في أمور جوهرية مثل عدم توفير الزوج أساسيات الحياة الضرورية مع قدرته على ذلك أو قد يكون سيئ الخلق أو متقلب المزاج وعصبياً معظم الوقت.

وتابعت: «وفي حال تعنت الأزواج في منح المرأة الطلاق فإنها تلجأ للخلع وتضطر في سبيل ذلك للتنازل عن حقوقها كمؤخر الصداق ونفقة أبنائها من واقع قدرتها على الصرف عليهم سواء من راتبها أو من أصول عقارية تملكها، ولأن قدرة الأم على التكفل بنفقة أبنائها تكون مؤقتة كونها قد تتعرض لأي خسارة مالية أو فقدان لوظيفتها في ظل أي ظرف طارئ لذا على المحكمة أن تقدر هذا الأمر وأن تؤمن النفقة للأبناء عبر تطبيق بند بقانون الأحوال الشخصية يُلزم الأب بالنفقة على أبنائه حتى لو كانت الزوجة تنازلت عن ذلك».

رفض الخلع

من جانبه، قال المحامي سيف الشامسي: «على الرغم من أن معظم الأزواج يرفضون الخلع لأنهم يعتبرونه انتقاصاً من قيمة الرجل في المجتمع، وانتصاراً للزوجة التي حققت ما تسعى إليه، لكنه أمر مباح بالطبع وهو الحل الأخير عند وصول كل المفاوضات لطريق مسدود، لا سيما في حال كان الضرر الواقع على الزوجة حسياً ونفسياً ولم تتمكن من إثباته، وعند رفض الزوج الطلاق بالتراضي، ما يدفعها للجوء إلى الخلع والتنازل عن حقوقها ونفقة أبنائهما».

وأوضح أنه في حال تنازلت الزوجة عن نفقة أبنائها من واقع قدرتها المادية مقابل حصولها على الخلع ومن ثم استجدت ظروف مفاجئة مثل فقدانها لعملها لأي سبب، فيُسمح لها بمطالبة والد أبنائها بالنفقة عليهم وفقاً للقانون الذي ينص على أن كل ما يتعلق بالنفقات بصفة عامة حجيته وقتية وقابلة للتغيير أي أنه بتحول الظروف المادية للأم التي كانت قائمة وقت تنازلها عن نفقة الأبناء وتحملها لها فالمحكمة تُلزم الأب بنفقة الأبناء ابتداء من تاريخ مطالبتها بها دون أن يغير ذلك شيء من أمر الحضانة.

إسقاط النفقة

وذكر الباحث القانوني والمحامي خالد المازمي: «الأصل في النفقة أن تكون على الأب في جميع الحالات سواء في الطلاق أو الخلع، بحسب المادة 78 من قانون الأحوال الشخصية التي تنص: (نفقة الولد الصغير الذي لا مال له على أبيه، حتى تتزوج الفتاة ويصل الفتى إلى الحد الذي يتكسب فيه أمثاله)، فيما تنص المادة 110 من ذات القانون على أنه يصح في مسمى بدل الخلع ما تصح تسميته في المهر، ولا يصح التراضي على إسقاط نفقة الأولاد أو حضانتهم، وإذا لم يصح البدل وقع الخلع واستحق الزوج المهر، وفي حال كان الرفض من جانب الزوج تعنتاً، وخيف ألّا يقيما حدود الله، حكم القاضي بالمخالعة مقابل بدل مناسب»، أي أن الخلع هو اتفاق بين الزوجين على طلاق رضائي بموافقة الزوج وذلك بتعويض تدفعه له الزوجة حتى يطلقها تعويضاً لما دفعه لها سابقاً والخسائر التي تكبدها.

وشدد على أنه «لا يحق للأم التنازل عن حقوق المحضونين مقابل حصولها على الخلع، فالقاعدة الثابتة في الشرع والقانون أن نفقة الأبناء لا تسقط عن الآباء، وفي حال تنازلت الأم عنها وهي قادرة على النفقة عليهم ومن ثم تعرضت لظروف طارئة أثرت على دخلها المادي، فيجوز لها أن تتقدم بدعوى بالمحكمة المختصة للمطالبة بنفقتهم، أما قيمة النفقة فيقدرها القاضي بحسب إجمالي دخل الأب بغض النظر عن التزاماته المالية وديونه».

اتفاق شخصي

ووفقاً للمحامي والمستشار القانوني جاسم مصبح فإن جميع قضايا الخلع الموكل بها كانت في الأعوام الأولى من الزواج وإنها تستند على ضرر حقيقي وقع على الزوجة من زوجها بغض النظر عن نوع وأشكال هذا الضرر، كما أصبح عمل الزوجة وصرفها على الأسرة في بعض الحالات هو السبب الرئيسي لطلبها الخلع مع التنازل عن نفقات أبنائها في ظل تعنت الزوج منحها حقها بالطلاق، ويكون التنازل بالتفاهم مع الزوج وفقاً لاتفاق خارجي وشخصي لم يقره القانون أو يعترف به، ما يسهل عليها الحصول على نفقة أبنائها في حال مطالبتها بها في أي وقت، لأن نفقة الأبناء واجبة على الأب حتى ولو كان معسراً، ولا يحق له المطالبة بالحضانة لأن موافقته على بقاء حضانتهم لدى الأم مقابل تنازلها عن النفقة دليل قاطع على أنه ليس مؤهلاً لتحمل مسؤوليتهم وليس الأحق بحضانتهم».

وأوضح: «حدد القانون ضابط النفقة، وسبب وجوبها، في المادة 63 من قانون الأحوال الشخصية التي تنص على أن النفقة تشمل الطعام والكسوة والمسكن والتطبيب والخدمة للزوجة إن كانت ممن تخدم في أهلها وما تقتضيه العشرة الزوجية بالمعروف، يراعي في تقدير النفقة سعة المنفق وحال المنفق عليه والوضع الاقتصادي زماناً ومكاناً، على ألّا تقل عن حد الكفاية، وهو ما يضمن مستوى معيشة تتوافر فيه الأساسيات فقط».

ظروف طارئة

من جانبها، أكدت الجهات ذات الاختصاص بإمارة الشارقة أن المعدل الشهري لدعاوى تغيير نفقة الأبناء زاد على 60 طلباً معظمها يختص بحالات خلع كانت نفقة الأبناء فيها ضمن قائمة التنازلات التي قدمتها الأمهات مقابل موافقة الأزواج على الخلع لتعنتهم في الطلاق بالتراضي، أما دوافع التقدم بالطلبات اللاحقة لتغير النفقة فتعود إلى وجود ظروف طارئة نتج عنها فقدان الأمهات لعملهن أو تأثر مصدر الدخل الذي كن يعتمدن عليه، ويتصدر «كورونا» هذه الظروف التي تعزز موقف الأم في التقدم بدعوى نفقة لأبنائها حتى لو تنازلت عنها سابقاً.

ولفتت إلى أن هذه الطلبات طبقت عليها بنود القانون التي تضمن حصول الأبناء على نفقة من آبائهم وفقاً لقيمة دخولهم ومستوى المعيشة المناسب، ولا تختلف حالات الخلع عن الطلاق فوجوب النفقة تكون على الأب في كل الأحوال ومن صدر لها حكم بالنفقة يجوز بعد ذلك طلب زيادتها، كما يجوز للصادر ضده الحكم بالنفقة طلب إنقاصها، بشرط تغير الظروف التي صدر في ظلها حكم النفقة ومرور عام على صدور الحكم السابق قبل التقدم بدعوى جديدة.