الثلاثاء - 21 مايو 2024
الثلاثاء - 21 مايو 2024

«أسلحة عصرية» لتعنيف المرأة خارج عباءة اللفظي والجسدي

يتبع رجال أساليب عدة للضغط على المرأة نفسياً وهو ما يمكن تصنيفه بـ«العنف العاطفي» الذي قد يصعب في بعض الأحيان إثباته من قبل النساء قانونياً، أو استخدامه كحجة قوية للتدليل على سوء المعاملة.

ورغم النقلة الكبيرة التي تعيشها المجتمعات العربية اليوم في نيل المرأة لحقوقها على جميع الأصعدة، فرضت تطورات العصر الذي نعيشه اليوم أسلوب حياة لا بد من التعايش معه ـ حسب ما تقوله نساء ـ الأمر الذي قد لا يروق لعقول ذكورية بدأت تستخدم أساليب عصرية أيضاً للتضييق على النساء سواء كن زوجات أو أخوات، مثل منعهن من التصرف برواتبهن لو كن عاملات، وكذلك عدم السماح لهن بفتح الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي أو متابعتها بأي شكل، أو الاستهزاء بمراكزهن الوظيفية أو العلمية أو فرض شكل محدد من أشكال الحياة الاجتماعية الضيقة.

وروت نساء لـ«لرؤية» قصصهن مع هذا النوع من العنف، ليتبين أنها لا تختلف كثيراً من بلد عربي إلى آخر، إذ تتكرر في إطارها، وإن كانت تختلف في التفاصيل، كما تبين أن الرجال انتهجوا سبلاً عدة في العنف غير الملموس تجنباً للوقوع تحت طائلة المساءلة القانونية.

وأكد اختصاصيو علم اجتماع ونفس وقانون أن الأمر يرتبط بالدرجة الأولى بعملية التربية والتوعية ضد أساليب «العنف العاطفي والنفسي»، مؤكدين أنه رغم تعدد صور العنف الواقع على النساء، إلا أن القوانين وضعت اعتبارات ونصوصاً صريحة لحمايتهن من كافة أشكال الإساءة الواقعة عليهن سواء كانت معنوية تتعلق بالإساءة اللفظية مثل السب أو القذف أو حرمانهن من استخدام الهاتف النقال أو التواصل عبر التطبيقات الذكية مع أقربائهن وأهلهن، أو مادية تهدف لحرمانهن من حقوقهن المالية أو الأصول المملوكة لهن.

«هيباتيا الثانية»

«اضطررت للعيش باسم مستعار على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك؛ خشية التعرض للعقاب من والدتي»، هكذا بدأت الشابة «منار. ع» حديثها، مؤكدة أنه يصعب على والدتها غير المتعلمة فهم أن مواقع التواصل الاجتماعي شيء طبيعي، وليست فعلاً شائناً كما يشاع.

وأضافت: اخترت اسم «هيباتيا الثانية» تيمناً بفيلسوفة قتلها الناس قبل قرون عديدة لاتهامها بممارسة السحر، فقط لأنها كانت تتفوه بأفكار غريبة عن المجتمع. وتابعت: «لا تستطيع الفتاة العشرينية مشاركة صورها عبر حسابها بالموقع الأزرق حتى لا يخبر أحد والدتها، فتتعرض للتوبيخ».

أقارب.. «أبراج مراقبة»

وتتشابه رواية منار مع قصة «رحمة.ع»، والتي تهشم هاتفهاً حينما رأى أخوها صورة شاركتها في خانة «الاستوري» عبر موقع «واتساب».

وحاولت الفتاة التي تدرس في كلية الآداب أن تشرح لأخيها أنه لا أحد يستطيع مشاهدة قصتها إلا الأشخاص الذين تسجِّل أرقامهم على هاتفها، لكنه لم يكن بحالة تسمح لها بالمناقشة والحوار.

وأضافت أن والدها وبَّخ شقيقها، واشترى لها هاتفاً جديداً، لكنها لجأت لحظر شقيقها ومن تشك بأنه سيخبره بما تشاركه عبر حساباتها، قائلة: «الأقارب على منصات التواصل يشبهون أبراج المراقبة، لهذا نلجأ للهروب منهم عبر خاصية الحظر، ولست وحدي من تفعل ذلك، أعرف صديقات أخريات يفعلن الشيء ذاته».

لا «واي فاي»

وفي قصة أخرى، تقول «ل. ع»: عندما يعود والدي من عمله إلى المنزل منزعجاً، بسبب أمر لا دخل لنا فيه، يمنعنا أنا وأختي الكبيرة؛ من استعمال هاتفَيْنا الشخصيين، ويطفئ جهاز الْوَايْ فَايْ. كاشفة عن جانب من معاناتها بسبب والدها، الذي يُعرِّضها وأختها إلى هذا النوع الجديد من التعنيف العاطفي.

ولم يتوقف تسلط الوالد عند هذا الحد، فتقول: منعني من إنشاء حساب على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وسمح باستخدام حساب على واتساب فقط، مع مراقبته بشكل مستمر، ليرى إن كنت أتواصل عبره مع الشباب.

مبدأ التكافؤ

وذكرت (س.ح) وهي زوجة وأم لأربعة أطفال أن بعض الرجال الحاصلين على مستويات تعليمية أو مناصب مهنية أعلى من زوجاتهم يمارسون التنمر عليهن عبر الاستهزاء بهن ومعاملتهن بتعالٍ وفوقية، وتكرار هذا السلوك يخلق شرخاً في العلاقة الزوجية، ويحولها إلى سجال من العنف لا ينتهي بين الطرفين، لذا فإن توافر مبدأ التكافؤ بين الزوجين في المستويين الاجتماعي والمعيشي وكذلك التعليمي أضحى أحد العناصر الرئيسية لنجاح هذه المنظومة.

فرض الذات

وسردت (غ.أ) تجربة العنف التي تعرضت لها قائلة: «بعد نحو 8 أشهر من ارتباطي اكتشفت أن زوجي يعاني من عقدة «فرض الذات» التي تحتم عليه التدخل في كل أمور حياتي ومنها الاستيلاء على بطاقة الصراف الآلي الخاصة بحسابي في البنك، إذ يرفض أن أتصرف بكامل الراتب الشهري الخاص بي ويعطيني جزءاً فقط، بحجة أنني مسرفة ولا أجيد التدبير، مشيرة إلى أن هذا التصرف يزعجها كثيراً ويجعلها لا تشعر بقيمتها كما يفقدها الثقة بنفسها، لا سيما أنها تشغل منصباً إدارياً في مكان عملها.

اختراق حساب

في السياق نفسه، قالت (ش.ح): «عانيت طويلاً من تسلط زوجي الذي يحدد لي أوقات زيارة أهلي وصديقاتي، وهو من يحدد لي أيضاً أماكن الترفيه التي يجب أن أرتادها»، لافتة إلى أنه اعترف لها بأنه اخترق حسابها على «إنستغرام» ليكتشف الأشخاص الذين تتواصل معهم على الرسائل المباشرة.

مراقبة مستمرة

وذكرت المستشارة النفسية والأسرية الدكتورة هيام أبو مشعل أن العنف الواقع على الزوجات من قبل أزواجهن اتخذ أشكالاً مختلفة الآن، إذ تحول من جسدي متمثل في الضرب بمختلف صوره إلى نفسي وعاطفي ظهر بأشكال عدة مثل مراقبة الزوج المستمرة للهاتف النقال الخاص بزوجته دون علمها وباستخدام تقنيات حديثة عبر تطبيقات وبرامج ذكية تخترق حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بها لمعرفة الأشخاص الذين تتواصل معهم والحسابات التي تضيفها لقائمة المتابعة لديها، وأحياناً يتعمد بعض الأزواج حرمان زوجاتهم من تناول الطعام إلا وفق كميات وأنوع محددة بهدف تجنب زيادة أوزانهن وإصابتهن بالسمنة، الأمر الذي يجعلهن يشعرن بانتهاك حرياتهن بسبب التدخل المستمر في أدق تفاصيل حياتهن.

الحلقة الأقوى

وأكد المستشار الأسري يحيى سالم أن تعدد أشكال العنف أو إساءة المعاملة الموجهة للزوجات وأبرزها العنف الاقتصادي المتمثل في حرمان المرأة من حقوقها المادية بالإضافة للعنف اللفظي وهو توجيه ألفاظ وجمل جارحة لها تقلل من قدرها وتحط من كرامتها وكذلك العنف الجسدي الذي يعتبر أكثر أشكال العنف شيوعاً، وهو الاعتداء عليها بالضرب أو بأي فعل يؤثر على سلامة جسدها، إلى جانب الشكل الأخير من هذه النماذج وهو العنف النفسي أو العاطفي الذي احترفه الأزواج أخيراً باعتبارهم الحلقة الأقوى في المؤسسات الزوجية والمتمثل في حرمان الزوجات من متابعة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا النوع من الإساءة لا يتضمن أي أدلة ملموسة وواضحة يمكن أن تثبت على مرتكبها قيامه بأي جنحة في حال تقدمت الزوجات ببلاغات ضد أزواجهن لدى الجهات الأمنية.

تربية خاطئة

وقال أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة الدكتور جمال فرويز، إن تسلط ذكور العائلة على الفتيات يعود إلى التربية الخاطئة التي تميز بين الجنسين، لافتاً إلى أن الأذى النفسي الذي يسببه الذكور ربما يكون مفهوماً في سياق التربية الخاطئة، ولكن تسلط الأمهات هو الشيء الغريب.

وتابع أن التربية تلعب دوراً كبيراً في التوعية بين الأجيال، وهو الأمر الذي يستوجب طرحه عبر وسائل الإعلام، وأن يوضع في الاعتبار كجزء أساسي في العملية التعليمية.

مُهْتَزُو الشخصيات

وذكر الأستاذ الجامعي المغربي في تخصص علم الاجتماع، علي الشعباني «أن تجليات هذا النوع الجديد من العنف المنزلي متعددة في بعض الدول العربية»، ومن بينها، «الحرمان من مشاهدة برامج معينة، أو المنع من استعمال الهاتف، أو سحب البطاقات البنكية منهن، أو منعهن من الخروج من البيت».

وفسَّر الشعباني ممارسة رجال لهذا النوع من العنف المنزلي على زوجاتهم، وبناتهم، وأخواتهم، بكونهم «أصحاب شخصيات مهتزة، وضعيفي الإدراك، ويعانون من عقد نفسية»، مؤكداً «أن تعريض النساء إلى هذا النوع من العنف المنزلي، يعد أشد من تعنيفهن جسدياً، لأنه يُحوِّلهن، إلى سجينات داخل بيوتهن، ويتسبب لهن في اختلالات نفسية؛ من بينها الاكتئاب، والإحباط، والفشل».

وفي ما يخص سبل التخلص من هذه الظاهرة، أوضح الشعباني «أن الحل يَكمُن في تربية الأطفال المغاربة، منذ الصغر، على قيم تقدير واحترام الإنسان، وفي تطعيم البرامج التعليمية المغربية بهذه القيم، لإنتاج جيل من الرجال المغاربة ينبذون تلك الممارسات».

ذمة مالية مستقلة

من جانبه، قال الباحث القانوني والمحامي خالد المازمي أن القانون منح الزوجة كافة حقوقها المادية والمعنوية ولا يحق لأي شخص مهما كانت صلة قرابته أو علاقته بها أن ينتهك هذه الحقوق، لأن أسس بناء علاقة زوجية مستقرة تتركز في استنادها بشكل رئيسي إلى الثقة والتحاور بين الطرفين، وتفهم احتياجات بعضهما، مع حسن العشرة، والاهتمام المتبادل، والمرونة في التعامل، من دون جنوح أي طرف تجاه تصيد أخطاء الآخر.

وأوضح أنه رغم تعدد صور العنف الواقع على الزوجات، إلا أن القوانين وضعت اعتبارات ونصوصاً صريحة لحمايتهن من كافة أشكال الإساءة الواقعة عليهن، سواء كانت معنوية تتعلق بالإساءة اللفظية مثل السب أو القذف أو حرمانهن من استخدام الهاتف النقال أو التواصل عبر التطبيقات الذكية مع أقربائهن وأهلهن، أو مادية تهدف لحرمانهن من حقوقهن المالية أو الأصول المملوكة لهن، إذ إن لكل من الزوجين ذمة مالية مستقلة، فإذا شارك أحدهما الآخر في تنمية مال أو بناء مسكن ونحوه كان له الرجوع في الآخر بنصيبه فيه عند الطلاق أو الوفاة.

تقدير القاضي

من جانبه، أوضح المحامي سيف الشامسي أنه في حال تقدمت الزوجة ببلاغ يتعلق بعنف يقع عليها من زوجها مهما كان شكله ونوعه فإن القضاء ينظر في نصوص القانون الذي سيطبق، أما القرار الذي تتخذه المحكمة فيكون وفق الأدلة المشروعة التي قدمها الطرف الشاكي، وفي حال كانت النصوص القانونية تسمح للقاضي بالتدخل بتقديره الشخصي في العقوبة، أو بما يطرح عليه من أدلة ومستندات، فسيستخدم هذه السلطة، بما يتناسب مع الواقعة المعروضة عليه، ومع مصلحة الطرفين المتقاضين أمامه.

ولفت إلى أن بعض الأزواج يوظفون مواد القانون لمصالحهم ويصنفونها وسيلة دفاعية تبرر لهم مزاولة العنف ضد زوجاتهم كطريقة للتأديب.