الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

بلاغات الخط الساخن.. حماية للطفل لا تهديد للأهل

بلاغات الخط الساخن.. حماية للطفل لا تهديد للأهل
يلعب الخط الساخن لحماية الطفل دوراً مهماً في حماية الأبناء الصغار من كافة أشكال العنف والإساءة التي قد يتعرضون لها داخل المنزل أو خارجه، حيث تتعامل الجهات المختصة مع كافة البلاغات الواردة بجدية وأهمية، ثم التحقق من صحتها واتخاذ الإجراءات المناسبة حيالها، وذلك بإحالة هذه البلاغات إلى الجهات المعنية بعد تصنيفها إلى «بلاغ اجتماعي» أو «جنائي»، بموجب تقييم للحالة وفق عدد محدد من النقاط.

ويلجأ أطفال إلى تسجيل بلاغات عبر الخط الساخن حال تعرضهم لخطر، في مبادرة صحية تنم على وعيهم بكيفية حماية أنفسهم، لكن في الوقت نفسه هناك بعض الأبناء يستخدمون هذه الطريقة بشكل خاطئ بالإبلاغ والشكوى ضد أبويهم، اعتراضاً على قيام الوالدين بتنبيهات أو ممارسات تجاههم بقصد التربية وتقويم سلوكياتهم وتعديل مفاهيم مغلوطة لديهم، ما قد يوقع الأهل ضحية لتهور الأبناء وفهمهم الخاطئ بحقوقهم وواجباتهم وما قد يضرهم.

فيما جاء قانون «وديمة» ناظماً لأمور وحماية الطفل منذ ولادته حتى سن 18 عاماً، وأعطى ولي الأمر الحق في الرقابة وتأديب الطفل على ألا يتجاوز القانون ولا يصل للعنف، وفي الوقت ذاته محاسباً الوالدين حال التقصير في التنشئة السليمة للأبناء، كما منح القانون الطفل الحق في التعبير عن آرائه دون تجاوز الآداب العامة.



تصنيف بلاغات الأطفال وفق نقاط لتقييم الحالات

أكد رئيس جمعية الإمارات لحماية الطفل المستشار فيصل محمد الشمري، أن متابعة أي بلاغ يرد من الأطفال (الفئة تحت 18 عاماً) أمر ضروري، عدا عن المتابعة اللاحقة لحالة الطفل، والتثبت بعد تقييم الحالة وفقاً لعدد النقاط، فإذا كانت النقاط أقل من 75% تحال كبلاغ اجتماعي، أو بلاغ جنائي إذا كانت النقاط أكثر من 75%، وهذا يتبع لعملية التقييم التي طبقتها وزارة الداخلية وشرطة أبوظبي بناء على أفضل الممارسات المعنية، أما في حال كان البلاغ كاذباً فتحال الحالة كبلاغ اجتماعي، وهذا يحتاج أيضاً إلى دعم اجتماعي ونفسي للتأكد من أسباب محاولة الطفل لفت الانتباه وشد الأنظار إليه.

وأوضح أنه يجب ألا نستغرب إقدام بعض الأطفال على الاتصال بالرقم الساخن لتقديم بلاغ ضد الأهل، فهذا بالطبع أمر صحي أن يطلب الطفل المساعدة، وعادة عند التحقق من الأمر تكون هناك أسباب أخرى للبلاغ منها التفكك الأسري والضغوط النفسية والاجتماعية وتعرض الطفل إلى التنمر وغيرها.



الترابط الأسري

وأشار الشمري إلى وجود فجوة اتصال في العديد من الأسر بين الأبناء وأولياء الأمور، وذلك بسبب انشغال الوالدين وعدم قضائهما الوقت الكافي مع الأبناء، فضلاً عن ترك الأبناء مع الخادمات لتربيتهم، وذلك لأن عمل الخادمة يختلف عن المربية لما تتميز به الأخيرة من إمكانيات علمية ومهنية وتخصص بهذا المجال، علاوة على ضعف جانب التأهيل النفسي للأسرة قبل الإقدام على الزواج، وغيرها من العوامل التي أدت إلى زعزعة الروابط الأسرية وتوجه الطفل للشرطة للإبلاغ عن أسرته لحمايته.

ونوه بأن بناء أسرة يشابه تماماً قيادة المركبة، إذ لا يمكن قيادة سيارة بلا رخصة، وكذلك لا يمكن الإقدام على الزواج دون تأهيل الطرفين وتعريفهم بمسؤولياتهم، كي لا يكون مصير الأسرة مجهولاً، مشيراً إلى أن الدولة تدعم الأسر بكافة الوسائل والطرق كتوفير التعليم والرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية للأسر.

وأشار إلى أن الثقافة العربية والإسلامية بيّنت حقوق الطفل منذ عهد الرسول «صلى الله عليه وسلم» والخلفاء الراشدين، ومن أهمها الحصول على التربية السليمة، لافتاً إلى ارتكاب بعض الأهالي أخطاء عند استعمال الأطفال للإنترنت وتعرض بعضهم للاستغلال، وهذا ينم على ضعف الرقابة الأسرية، لذا لا بد من تطوير مهارات الوالدين في الرقابة، وتحديد البرامج التي يتابعها الأطفال ومعرفة أصدقائهم، والحرص على التواصل الأسري لسد فجوة التواصل بين الآباء والأبناء.

التحقق من البلاغات يختبر «تربية الأبناء»

قالت نائبة رئيس جمعية الإمارات لحماية الطفل موزة الشومي إنه عند استقبال بلاغ من طفل يتم التحقق من الموضوع من المؤسسات المختصة، وفي حال كان البلاغ غير صحيح لا يعتبر بلاغاً كيدياً أوانتقامياً بل يكون نتاج تربية خاطئة وتتم توعيته، ويجب المتابعة ووضع خطة ليسير عليها الأهل ومتابعة سلوكيات ابنهم لتقويمها.

وأضافت: «نحن لا نتجاهل بلاغ أي طفل، والجهات المسؤولة عن الخطوط الساخنة لا تتجاهل أي بلاغ وإن كان يتجنى على الأهل، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار تصرفه وندرس ردود فعله، وليس بتجاهل أي بلاغ بل تتبعه وبعد التحري هناك اختصاصيون في حماية الطفل يحددون الحقيقة في الموضوع كمراكز الدعم الاجتماعي ومراكز حماية الطفل على مستوى الدولة».



وذكرت الشومي أن التبليغ عن الإساءة التي يتعرض لها الطفل فهمت بشكل خاطئ سواء من الابن أو الأهل، فحقوق الطفل لا تعني أن يعيش دون حسيب أو رقيب، بل من حقه الحصول على التربية والتوجيه، وولي الأمر يحاسب أمام القانون إذا قصر في هذا الجانب.

وأوضحت أنه وفق المادة 35 من قانون «وديمة»، أعطت دولة الإمارات ولي الأمر الحق في تأديب الطفل على ألا يتجاوز القانون ولا يصل للعنف، وقانون «وديمة» أشار إلى محاسبة ولي الأمر حال تقصيره في التربية وتسبب في انحراف للطفل، وبالتالي فالقانون لم يأتِ ضد تربية الطفل بل أكد على أهمية الرقابة في المادة 34 والمادة 35 من قانون «وديمة»، كما منح الطفل الحق في التعبير عن آرائه دون أن يتجاوز الآداب العامة، لذا فهو قانون متناسب مع التربية وتعليم الأبناء في الإمارات.

آباء ضحايا تهور أطفالهم بالتبليغ الخاطئ عن الأهل

كشفت رئيسة قسم الدعم الاجتماعي في الإدارة العامة لحقوق الإنسان بشرطة دبي فاطمة الكندي، أن هناك فهماً خاطئاً للحقوق والواجبات يدفع الأبناء للتبليغ عن الأهل، وهنا تبرز أهمية الإدارة العامة لحقوق الإنسان بشرطة دبي التي تتولى تقريب وجهات النظر والتوعية بهذه الجوانب ومحاولة احتواء الطرفين، مضيفة أن هناك أبناء يتصرفون بقدر من التهور والتحامل تجاه آبائهم، ويسيئون فهم حقوقهم التي ينص عليها قانون الطفل، لافتة إلى أن جوهر المشكلة في غالبية الحالات، يكمن في اختيار الطريقة غير المناسبة للتواصل مع الابن.

وأضافت: هناك حالات يقع فيها الآباء ضحية لتهور أبنائهم بالإبلاغ عنهم عبر الخط الساخن لحماية الطفل، مشيرة إلى أن فتاة اتهمت والدها بأنه يتعامل معها بقسوة، وقدمت بلاغاً للشرطة تطلب فيه وضع حد لتصرفاته معها، وتابعت الكندي «الفتاة عادت مع والدها إلى المنزل، وتحصل منه على مصروفها واحتياجاتها ومع ذلك فهي لم تتنازل عن البلاغ الذي قدمته ضده، معتبرة أن التزاماته تجاهها جزء من حقها القانوني، وأنها ستحصل عليها بقوة القانون إذا رفض».



بلاغات خاطئة

وأفادت الكندي بأن إدارة حماية الطفل في شرطة دبي، فضلاً عن إدارات حماية الطفل في مراكز الشرطة، سجلت بلاغات عديدة من الأطفال كردة فعل على قيام الأهل بدورهم الطبيعي في التربية، ومن تلك الحالات مراهقة آسيوية تطاولت على والدها، وأفادت بأنه لا يوفر لها كل احتياجاتها، لأن القانون يلزمه بالإنفاق عليها بغض النظر عن سلوكياتها معه، ولفتت الكندي إلى أن الإدارة استدعت الفتاة إلى إدارة حماية حقوق الطفل لإفهامها أهمية طاعة الوالدين واحترامهما، وتوصلت مع الفتاة إلى اتفاق مفاده احترام والديها والتوقف عن تصرفاتها الطائشة.

وتابعت: في واقعة أخرى لجأت فتاة آسيوية (16 عاماً) للشرطة مدعية أن الأب يقوم بتعنيفها بشكل مستمر بلا سبب، بينما أكد الأبوان أنهما يلبيان كافة مطالبها ويوفران لها ولأختها الصغرى حياة كريمة، إلا أنها ترغب في العيش بحرية كاملة والتأخر خارج البيت وانتهاج تصرفات تعتبرها الأسرة خارجة عن عاداتها وتقاليدها، ما دفع الفتاة إلى تهديد أهلها بإبلاغ الشرطة عنهم مدعية أن القانون يحميها ويعطيها الحق في ذلك، مضيفة أن هناك بلاغاً ورد من طفل ضد والده رداً على منعه من قضاء وقت طويل أمام «البلاي ستيشن»، وبلاغاً آخر من طفلة منعها والدها من تصفح أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من البلاغات التي تنم على الفهم الخاطئ لدى الأطفال لقرارات والديهم خوفاً عليهم.

قسوة على الأبناء

وذكرت الكندي أن العديد من بلاغات العنف الواقعة على الأطفال قد ترد من أشخاص آخرين وليس الأطفال، ومنها حالة لزوج عربي تقدم بشكوى ضد زوجته من جنسيته ذاتها إثر اعتدائها المبرح على طفلهما الذي يبلغ من العمر عامين، بسبب استيقاظه لشرب الماء، تاركة آثار عنفها على جسده، كما ورد بلاغ من أب يشتكي زوجته بأنها تعرض أبناءها للخطر، كونها أقدمت على الخروج من المنزل مع أطفالها الثلاثة ولا يتجاوز الكبير فيهم 12 سنة إثر خلاف بين الزوج والزوجة، ومكثت في منزل صديقتها دون مراعاة مصلحة الأبناء في ظروف انتشار فيروس كورونا.

ونوهت بضرورة الانتباه إلى أن الفتى أو الفتاة في مرحلة الانتقال من الطفولة إلى المراهقة يمر بتغيرات فسيولوجية ونفسية كثيرة بمرحلة اكتشاف النفس، لذا يجب أن يتفهم الأبوان ذلك إذا أخطأ الابن، ويجب استيعابه ومصادقته واحتواؤه، مع العلم أن الاستجابة لأي بلاغ يرد من الأطفال ضرورة ومتابعته واجب لا بد منه، وأن الحالات التي تعاملت الإدارة معها تكللت بالنجاح.

قانون «وديمة» يحمي الطفل ويكفل الحق في تأديبه

أكد المستشار القانوني مراد عطعوط أن قانون الطفل «وديمة» نص على حق الوالدين في تربية الطفل وفق الأعراف النافذة بالدولة، على ألا يصل الوالدان إلى العنف في التعامل مع الطفل أو الإهمال أو النبذ الذي يؤثر نفسياً على سلامته، كما أن قانون «وديمة» نظم أمور وحماية الطفل منذ ولادته حتى 18 عاماً، من حيث وجوده في إطار أسرة ليحظى بحياة كريمة وتقديم الرعاية الصحية والعلمية.

وأضاف: أجاز القانون لاختصاصي حماية الطفل صفة الضابط القضائي ومنحه الحق في متابعة أي حالة تصل إليه والتحقق منها، كما أجاز لكل من يعلم عن طفل يتعرض للعنف الأسري تبليغ الجهات المختصة التي تتولى حماية هذا الطفل من سوء المعاملة وليس فقط الخطر على حياته، كما يلزم القائم على رعاية الطفل باتباع أسلوب تربية صحيح، وفي حال وجود خطر على الطفل فيتم إبعاده عن هذا الخطر بتدابير عديدة نص عليها القانون.



استغلال الأبناء

وقال المستشار القانوني أحمد عبدالشافي لا بد من الانتباه إلى أن هناك بعض الخلافات الأسرية بين الأب والأم يقوم فيها أحد الطرفين بتحريض الطفل لتقديم بلاغات ضد الطرف الآخر، وأصبح الطفل وسيلة للعناد بين الزوجين، لا سيما إذا كان بينهما تنازع قضائي على حضانة الأبناء، ومن الأمثلة والد طفل حرض ابنه على الاعتداء على والدته وبعدها اتصل الابن بالشرطة وتقدم ببلاغ ضدها يتهمها بتعنيفه، وذلك بسبب نزاع على الحضانة بين الأب وأم الطفل، مضيفاً أنه تم التعامل مباشرة مع البلاغ، وتتابع الأم الإجراءات القانونية لتثبت براءتها.

وأوضح عبدالشافي أن الأمر أصبح سلاحاً أو أداة يستغل فيها أحد الطرفين الطفل في تنفيذ مآربه، حيث ينساق الطفل عاطفياً لتلبية رغبات أحد الأطراف، وهذا يتبع التربية التي تلقاها من الوالدين.



وأضاف أن القوانين تحمي الطفل بدنياً من التعرض للعنف ومن التشرد والإهمال في التربية، وأن السلطات تتعامل مع البلاغات الواردة من الأطفال بكل جدية، ويتم التحرك فوراً لتلبية البلاغ والتحقيق فيه، وفي حالة التأكد من جدية البلاغ المقدم من الطفل ووجود عنف يتم تحريك البلاغ جنائياً ضد المعتدي، مؤكداً أن الجهات المسؤولة عن حماية الطفل تفرق دائماً بين البلاغ الصحيح والكاذب الناتج عن دلال الطفل وعدم تقبله لقيام الأهل بتقويم سلوكه.