السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

أنور قرقاش: التنافسية الاقتصادية خيار رئيسي وضامن لمواصلة النموذج التنموي

أنور قرقاش: التنافسية الاقتصادية خيار رئيسي وضامن لمواصلة النموذج التنموي

جانب من المحاضرة الرمضانية الثانية لمجلس محمد بن زايد.

أكد الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، أن الحفاظ على التنافسية الاقتصادية خيار رئيسي وضامن مهم على صعيد البناء الداخلي لمواصلة النموذج التنموي، إذ تمكنت الإمارات من ترسيخ مكانها باعتبارها مركزاً متقدماً وبيئة اقتصادية واستثمارية بمعايير عالمية، موضحاً أن سعي الإمارات لرفع تنافسية المنطقة بشكل شمولي هو سعي لتعزيز مكانة وثقل المنطقة في النظام الدولي وتقليل للارتدادات السلبية التي قد تنشأ عن المعطيات الدولية الجارية حالياً.

وأوضح أن سياسة دولة الإمارات للتعامل مع الفرص والتحديات في العقود المقبلة تقوم أساساً على البناء الداخلي وتحصين الوطن من خلال وجود مؤسسة عسكرية كفُؤة ومهنية وتتمتع بقدرات احترافية وبناء علاقات وشراكات ذات مصداقية، والتركيز على التنمية الاقتصادية.

جاء ذلك خلال المحاضرة الرمضانية الثانية لمجلس محمد بن زايد في موسمه الجديد 2022، والتي عُقدت تحت عنوان «الأمن والاستقرار في عالمنا المتغير.. من منظور دولة الإمارات» واستضافها جامع الشيخ زايد في أبوظبي، وشهدها الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية.

تكييف السياسات مع التحولات

وأوضح الدكتور أنور قرقاش أنه من الضروري للإمارات، كونها دولة متوسطة الحجم وإحدى أكبر اقتصادات الشرق الأوسط أن تتابع هذه التغيرات في النظام الدولي، وأن تُكيف سياستها وتتكيف مع التحولات العالمية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التحدي الرئيسي يكمن في التوازن الدقيق بين المحافظة على القيم والثوابت بالتزامن مع الانفتاح على العالم والثورة التكنولوجية.

وقال: «تمكنت الإمارات من إرساء المعايير الاقتصادية والتنموية المتقدمة في المنطقة.. وكانت من أوائل الدول النفطية التي بدأت عملية تنويع مصادر الدخل والابتعاد عن نموذج الدولة الريعية.. وهي مستمرة في ريادتها والمشاريع الاستراتيجية النووية والفضائية دليل على ذلك فتعزيز ثقلها الاقتصادي في المرحلة المقبلة هو تعزيز لمكانتها وموقعها ودورها».

ولفت الدكتور أنور قرقاش إلى أن الإمارات تمكنت من بناء دولة راسخة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وتتمتع بحضور دولي مهم في القضايا الإقليمية والدولية، فالإمارات التي كان حجم اقتصادها عام 1975 نحو 15 مليار دولار وصل اليوم إلى قرابة 430 مليار دولار.

ثنائية الأمن والازدهار

وأشار إلى تحديات عدة يجب التعامل معها للحفاظ على الإنجازات، مبيناً أن سر نجاح الإمارات يكمن في قدرتها على قراءة التحديات جيداً، وتحويلها لفرص والتعامل معها بواقعية وعقلانية بعيداً عن الانغلاق والتموضع السلبي، مشيراً إلى أن الدولة واجهت الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها في 17 يناير 2022 بالقدرات الوطنية، واستلزم الأمر مراجعة طبيعة العلاقات والتحالفات وتحديد مصداقية هذه الارتباطات في ظل حقائق أن المنطقة صعبة وأصبحت أكثر تعقيداً في ظل ظواهر جديدة مثل انتشار المليشيات والتحولات في العتاد العسكري، مع تزايد خطر الصواريخ والمسيرات واستمرار الاحتقان والتصعيد الإقليمي.

وقال: «من هنا نعود للثنائية الضرورية للأمن والازدهار.. أن نحمي ونبني.. ضمن رؤية لا تتهاون في تقديم المصلحة الوطنية الإماراتية فوق كل اعتبار.. والأمن والاستقرار في منطقة مثل منطقتنا بما تحمله من أزمات وصراعات وارتباطات عالمية يمثل تحدياً رئيسياً، ولا بُد من قراءة التحولات والتغيرات في المشهد العالمي بدقة مع الأخذ بعين الاعتبار بأن المصلحة الوطنية هي الأولوية الرئيسية بغض النظر عن الظروف والحسابات المختلفة».

وأضاف «لا شك أن التغيير صفة أساسية في عالمنا، وهذا التغيير من الطبيعي أن يفرض نفسه على الأمن والاستقرار.. وهما الركيزة الرئيسية للتنمية ولا بُد لنا في دولة الإمارات من رصد حثيث ودقيق للتحولات الأساسية في النظام الدولي وانعكاساته على النظام الإقليمي والذي تمثله الدول الخليجية والعربية، إضافة لدول الجوار مثل إيران وتركيا وباكستان والهند».

وأكد أن الإمارات تعمل وتتحرك ضمن دائرة النظام الإقليمي الشرق أوسطي، وهو من ضمن أكثر الأنظمة الإقليمية اضطراباً، وجميع المؤشرات تشير إلى أن النظام الشرق أوسطي سيستمر في مثل هذا الاضطراب، وقال: «بالتالي فإن إدارة مصالحنا الوطنية تتطلب الحكمة وتغليب الدبلوماسية، كما تتطلب العمل على المشترك على حساب جوانب الاختلاف.. أي أن ندعو إلى أجندة ازدهار للمنطقة كما ندعو إلى أجندة أمن واستقرار».

التكتل والعمل الجماعي

وأوضح أنه لا بُد من إدراك أهمية التكتل والعمل الجماعي، سواء الكتلة الخليجية أو العربية، فالواقع السياسي الدولي يؤكد أن التحرك الجماعي هو الأقدر على التأثير الإيجابي وتقليل الآثار السلبية ولا بد من إدارة الأمور بحكمة وعقلانية مع الدول التي لديها سياسات ووجهات نظر مختلفة، بالبناء على المشتركات وتقويتها، دون التركيز على نقاط الاختلاف باعتبارها حاجزاً يمنع الحوار والتعاون في النقاط المتفق عليها.

وقال: «نحن نرى إيران جارة لذلك نسعى إلى بناء أفضل العلاقات معها.. كما نرى تركيا شريكاً في بحثنا المشترك عن الازدهار.. ومستمرون في دعم آفاق الاتفاق الإبراهيمي.. ولن تكون الإمارات طرفاً أو شريكاً في الإضرار بأيٍّ من جيرانها، وأخص بالذكر إيران؛ حيث سنلجأ دائماً إلى الدبلوماسية والحوار والتعاون الاقتصادي».

وفي ظل التغيرات التي تطرأ على النظام الدولي، أكد قرقاش أنه لا بد من ترسيخ مفاهيم تساهم في استقرار النظام الإقليمي وعلى رأسها احترام سيادة الدول والرفض المطلق لاستخدام القوة في العلاقات الإقليمية، ورفض دور المليشيات المسلحة خارج إطار الدولة الوطنية والتعاون الإقليمي لتعزيز الاستقرار والازدهار المشترك، وبناء منصات إقليمية لتعزيز الحوار والتعاون الإقليمي الاقتصادي والاستثماري المتعدد الأطراف.

الأزمة الأوكرانية

وعن الأزمة الأوكرانية، بيّن قرقاش أنه من المهم الدعوة لوقف إطلاق النار والوصول لحل سياسي سريع لتفادي المزيد من التداعيات الجسيمة، مضيفاً أن هذه الأزمة لن تكون الأخيرة في نظام دولي تعوّد على الأزمات العنيفة وغير العنيفة، مع استمرار التعايش مع أزمة الجائحة الصحية.

وأوضح أن التغيير هو القاعدة في النظام الدولي بسبب حدث سياسي أو اختراق علمي أو تحول اقتصادي، وهذه التحولات مترابطة وينتج عنها تحولات أوسع في طبيعة وكينونة النظام الدولي مثل التحولات حالياً في مرحلة المخاض العالمي نحو نظام متعدد الأقطاب، بعيداً عن حالة التفرد والزعامة الأحادية لهذا النظام، ومنها أن الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي ظاهرة تاريخية حديثة نسبياً، تمر اليوم في حالة أشبه ما تكون بالاختبار، في ظل بروز قوة أخرى طامحة لمنافسة الزعامة الأمريكية، شق كبير منها اقتصادية وعلمية.

نظام أقل «غربية»

ولفت إلى الصعود الصيني، إذ تمثل الصين اليوم قوة صاعدة وهي عملاق اقتصادي من الصعب كبح جماحه، وترى الصين أنها أصبحت مهيأة ولديها من القدرات والإمكانات ما يؤهلها لأن تكون قطباً عالمياً ومنافساً لمبدأ الهيمنة الأمريكية، خاصة لامتلاكها أدوات العصر بقوة الاقتصاد والتفوق التكنولوجي، وبرغم أن التوجه السياسي الصيني في النظام الدولي ليس واضحاً بشكل كامل، إلا أن الثقل الاقتصادي والعلمي يشير إلى الدور الصيني المتنامي في العالم.

وأوضح أن النظام الدولي أصبح أقل «غربياً» مما كان عليه في العقود الماضية، وقال: «لا يخفى عليكم أن النظام الدولي خلال القرنين الماضيين كان نظاماً غربياً صرفاً.. أما اليوم فعالمنا أصبح أقل «غربياً» بفعل العديد من التطورات السياسية والاقتصادية والعلمية من حركات التحرر الوطني إلى نهضة آسيا الاقتصادية إلى ثورة الطاقة».

ونوه لمحاولة عديد من السياسيين الغربيين لتأطير العالم المعاصر أيديولوجياً باعتباره ثنائياً ومنقسماً بين أنظمة ديموقراطية وأخرى استبدادية، موضحاً أن هذه المقاربة مرفوضة غير مقبولة وما يصلح لدولة ما، ليس بالضرورة أن يصلح لدولة أخرى، فلكل دولة أُطرها وثقافتها وإمكاناتها وقدراتها ولا يخفى أن محاولة فرض هذه الرؤية خلال فترة ما عُرف بالربيع العربي كانت كارثية على العرب وأوطانهم وجاءت التجربة ممزقة للدولة الوطنية أو هزيلة لا يعتد بها.