الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«أرحام للإيجار» على الإنترنت

«أرحام للإيجار» على الإنترنت
انتشرت في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات تسويقية باللغة العربية للعديد من الشركات الأجنبية المتخصصة فيما يسمى بتكنولوجيا المساعدة على الإنجاب تستهدف أغلب دول المنطقة بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة تروج بشكل مباشر لعمليات تأجير الأرحام التي حسمها الفقهاء مبكراً.

وتسعى تلك الشركات التي تعلن عن نفسها بأنها وكيل لمنشآت طبية خارج الدولة، جاهدة للوصول إلى الفئات المجتمعية ممن حرموا الإنجاب، معلنة عن تسهيل جميع الإجراءات اللازمة كالاستشارات القانونية وتوفير الأم البديلة والفحوصات الطبية كافة لإجراء هذه العمليات بعدة دول أوروبية بأسعار تنافسية.

كما تعهدت الشركات ذاتها بتوفير أماكن لإقامة الزوجين والأم البديلة في مرحلة الاتفاق لحين إجراء العملية، فضلاً عن تحرير الوثائق الخاصة بالطفل داخل مكاتب تسجيل الأحوال المدنية بالدولة التي تجرى فيها العملية.


هذه الإعلانات المنتشرة بشكل ملحوظ مؤخراً تضع جميع الجهات المعنية أمام مسؤولية كبيرة تحتم عليها التحذير من تداعيات تلك العمليات قبل انتشارها، لذلك حرصت «الرؤية» على مناقشة القضية مع مختلف الأطراف المعنية داخل الدولة للوقوف على تداعياتها وتأكيد موقف المشرّع منها بعدما باتت تستهدف الأسر العربية رغم تعارضها مع المعتقدات الدينية والثوابت المجتمعية.


مخالفة القانون

حذرت وزارة الصحة ووقاية المجتمع من إقدام أي منشأة طبية داخل الدولة على إجراء مثل هذه العمليات المخالفة للشرع والقانون وذلك تفادياً لعدم وقوعها تحت طائلة المساءلة.

وأفادت بأن المادة رقم 10 من القانون الاتحادي رقم 11 لسنة 2008 الخاص بترخيص مراكز الإخصاب تمنع أي منشأة طبية بالإمارات من إجراء ما يسمى بعمليات تأجير الأرحام.

وذكرت أن القانون ذاته يمنع القيام بعمليات التلقيح الخارجي بين حيوان منوي مأخوذ من الزوج وبويضة مأخوذة من الزوجة ومن ثم زرع البويضة الملقحة في رحم امرأة متطوعة بحملها.

ولفتت إلى أن القانون يمنع إجراء مراكز الإخصاب أو أي منشأة طبية لعمليات التلقيح الخارجي، مؤكدة أنه في حال ثبوت إجراء مثل هذه العمليات داخل الدولة فإن الوزارة لها الحق في توقيع عدة جزاءات إدارية على المنشأة وفقاً للقانون الاتحادي رقم (4) لسنة 2015.

الإنذار ثم الإغلاق

وأوضحت وزارة الصحة أن تلك الجزاءات تتدرج من الإنذار إلى الإغلاق المؤقت للمنشأة كلياً أو جزئياً وذلك لمدة لا تزيد عن 6 أشهر، ثم الإغلاق النهائي للمنشأة كلياً في حال تكرار المخالفة.

وبينت أنها تتولى إبلاغ النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات المناسبة بحق الكوادر الطبية المخالفة، علماً بأن العقوبة التي ينص عليها القانون الاتحادي رقم (11) لسنة 2008 هي الحبس لمدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 200 ألف درهم ولا تزيد على 500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.

فيسبوك

وبحسب فيسبوك، فإنها تُحدث بشكل مستمر سياساتها لمواكبة التغييرات التي تحدث عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم، مؤكدة أنها تتشارك بانتظام مع خبراء خارجيين لتحديث سياساتها، وأن قواعدها تنطبق على كل من يستخدم فيسبوك وإنستغرام، ولأن الأعراف الثقافية حول أشياء مثل النشاط الجنسي والصداقات وأدوار المرأة في المجتمع يمكن أن تختلف اختلافًا كبيراً من منطقة لأخرى حول العالم، فإن هذه المحادثات مع خبراء عالميين تساعد المنصة في فهم كيف يتجلى الإيذاء والمخاطر بشكل مختلف في أماكن مختلفة.

حرام شرعاً

من جهته، أكد كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد أن مسألة تأجير الأرحام من المسائل التي انقطع فيها النزاع بين العلماء من أهل السنة والجماعة بإجماعهم على تحريمها.

وأوضح أن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي أصدر في دورته الثامنة عام 1405 الموافق عام 1985 فتوى بتحريم ما يكون فيه زراعة ماء رجل في رحم امرأة لا تحل له بجميع صوره؛ من كونه تطوعاً أو بأجرة متزوجة أو غير متزوجة، لما في ذلك من المحاذير الشرعية الكثيرة.

وأفاد بأن من بين تلك المحاذير وضع ماء رجل أجنبي في رحم امرأة أجنبية ليس بينهما رابطة الزوجية، ومنها نسبة الأمومة بين صاحبة البويضة وصاحبة الرحم، وما ينشأ عن ذلك من أحكام الإرث والمحرمية وغيرها.

أمراض ثلاثية

وذكرت رئيسة قسم جراحة النساء والولادة بكلية الطب جامعة الإمارات الدكتورة شمساء العور أن النتائج المترتبة على الحالة الصحية للطفل المولود من رحم مستأجر وخيمة.

وأوضحت أن الأطفال عموماً يتأثرون عادة بأمراض وراثية من طرفين وهما الأب والأم بينما الطفل المولود من رحم مستأجر يتأثر بأمراض وراثية من ثلاثة أطراف وهما الأب والأم البديلة والبيولوجية، نتيجة تخلّق الجينات للجنين وهو بالرحم.

وأفادت بأن ثلاثية الأمراض الوراثية تشكل خطورة بالغة على حياة الطفل مستقبلاً، وهو ما تم رصده في بعض الأطفال المولودين من أرحام مستأجرة بأغلب الدول التي ترعى تلك العمليات.

وأفادت العور بأن علم التخلق والكيمياء الدقيقة أثبتا أنه يتم نقل الخلايا بين الجنين والأم من خلال المشيمة، إضافة إلى نقل كل من الأجسام المضادة والعناصر الغذائية بين الجنين والأم الحاضنة.

كما أثبتت الدراسات الجينية أن البيئة الهرمونية في الرحم تلعب دوراً حاسماً في العديد من جوانب التطور، وبالأخص أداء الجهاز المناعي، مستوى الالتهاب في جسم الأم، مما قد يكون له عواقب طويلة المدى على الطفل وتكوينه الجيني.

مشاكل اجتماعية

وحول المشاكل الاجتماعية التي تسببها عمليات تأجير الأرحام، أكد أستاذ علم الاجتماع التطبيقي بجامعة الشارقة الدكتور أحمد فلاح العموش أن تلك العمليات من المسائل التي يرفضها العقل قبل الشرع، خصوصاً وأنها تتسبب في مشاكل اجتماعية ونفسية متعددة للطفل في المستقبل لا يمكن حصرها.

وأوضح أن من أبرز تلك المشاكل عملية الصراع النفسي التي يعاني منها الطفل عاماً بعد عام والتي تصل به لدرجة العدوانية، التي يمكن أن تدفعه لارتكاب جرائم تصل لحد القتل.

وقال: يظل ذلك الابن المشترك في حيرة من أمره فيما يتعلق بمسألة الولاء، فهل سيكون لمن ساهمت في حمله ببويضتها ومالها فقط أم للتي حملته في بطنها وشعر بها وشعرت به على مدار شهور الحمل التي تحملت آلامها لحظة بلحظة.

وأضاف: في هذه الحالة يصاب العديد من هؤلاء الأبناء بحالة اكتئاب شديدة تفقدهم توازنهم النفسي والعصبي، وهو ما سجلته بعض مراكز الطب النفسي في الولايات المتحدة نتيجة ذلك الصراع الذي يعاني منه ضحايا تلك التجارب العلمية التي لا تستهدف سوى الربح.

وأردف العموش بأن أغلب مثل هذه الحالات لا ينتهي الصراع فيها عند الابن المشترك فقط بل يمتد للأمهات اللاتي يتصارعن أيضاً على كسب ولاء أبنائهم المشتركين.