الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

شباب يتخلون عن حلم «التخصص المهني» مقابل فرصة سريعة للعمل

شباب يتخلون عن حلم «التخصص المهني» مقابل فرصة سريعة للعمل
أفرز عدم التوازن بين الفرص الوظيفية في سوق العمل والمخرجات الجامعية من أصحاب التخصص، وجود فئة كبيرة من الشباب الذين يعملون في وظائف بعيدة تماماً عن شهاداتهم الجامعية مقابل فرصة سريعة للعمل، لتصبح تلك الشهادات مجرد وثائق أكاديمية لم يجد أصحابها سبيلاً لاستكمال مسيرتهم في المجال المهني الذي تمنوه، بعد أعوام من الدراسة في الجامعات.

وتوقع خبراء ومدربو موارد بشرية أن نسبة المواطنين الموظفين في غير تخصصاتهم تزيد على 50% من إجمالي المسجلين بقطاعات الأعمال في الدولة، عازين ذلك إلى 3 أسباب رئيسية هي تسارع التطورات التكنولوجية وثورة الذكاء الاصطناعي التي غيرت معادلة التوظيف بشكل جذري، وثانياً اشتراطات القبول الجامعي التي أجبرت الطلبة على دراسة أي تخصص متاح للحصول على شهادة تضمن لهم وظائف براتب جيد، وأخيراً تخوف بعض الشباب من خريجي الجامعات من عدم الحصول على وظيفة مناسبة، ما يجعلهم يقبلون بأول فرصة عمل متاحة أمامهم.

وأضافوا أن غياب الإرشاد الأكاديمي لطلبة الجامعات وعدم استحداث تخصصات تتناسب مع تسارع الأحداث التكنولوجية من أبرز الأسباب التي تصنع خللاً في التركيبة الوظيفية، وهذا ما كشفته أزمة «كورونا».


من جانبها، أكدت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية أن خطط التوطين تهدف إلى توفير فرص عمل تناسب التخصصات الدراسية، وكذلك متطلبات سوق العمل التي تحتم أحياناً توظيف مواطنين على مسميات بعيدة عن مجالاتهم الأكاديمية، مشيرة إلى جانب آخر وهو أن إيجاد وظائف للمواطنين ذات مهام قريبة من مؤهلاتهم العلمية يخلق لديهم تحدياً لتحقيق مستوى أكبر من التميز والنجاح في العمل.


تخصص غير مطلوب

وأفادت ميرة سلطان بأنها تحمل شهادة البكالوريوس في الشريعة والقانون إلا أنها اضطرت للعمل في خدمة المتعاملين بأحد البنوك بعد رحلة بحث استمرت لأكثر من 8 أعوام عن وظيفة تناسب كفاءتها الذاتية ومؤهلاتها الدراسية لكن دون جدوى، إذ كانت الجملة التي يرددها مسؤولو المؤسسات والشركات «هذا التخصص غير مطلوب في سوق العمل».



وتابعت: أكملت عامين في خدمة المتعاملين والتحقت بدورات تخصصية في هذا المجال الذي حصلت فيه على تقييم جيد من قبل المديرين إلا أن العمل في نفس التخصص الأكاديمي من أهم مقومات النجاح وتحقيق مؤشرات عالية في الإنتاجية، أما الموظف الذي يعمل في غير تخصصه الدراسي فيفقد الثقة بقدراته المهنية ويشعر بعدم الرضا، لا سيما إذا كان عمله لا يتعدى ما ينجزه أشخاص لا يحملون أي مؤهل دراسي، وهذا الأمر يقتل الإبداع والابتكار في مختلف المؤسسات.

مهارات ذاتية

وذكرت شافعة الكعبي أنها حاصلة على بكالوريوس في الإعلام مسار العلاقات العامة إلا أنها تعمل حالياً في إدارة الموارد البشرية بإحدى الجهات الحكومية وتمكنت خلال مدة عملها التي لا تتعدى 3 أعوام أن تثبت وجودها وتحقق مستوى عالياً في تقييم الأداء الوظيفي، بعد أن فشلت في الحصول على وظيفة في نفس مؤهلها الدراسي نظراً لتزايد أعداد الخريجين فيه ولقلة حاجة الجهات بالقطاعين الحكومي والخاص إليه، لذا توجهت للالتحاق في دورات بالموارد البشرية بمعاهد عدة بالدولة ما أهلها لتطوير مهاراتها في هذا المجال وضمن لها الحصول على وظيفة فيه.

ورأت أن المؤسسات تحرص على استقطاب الباحثين عن عمل ممن يمتلكون مهارات ذاتية مثل إجادة لغات مختلفة وفن التعامل مع الجمهور والمهارة في استخدام التقنيات الذكية، والقدرة على التعامل مع الظروف الطارئة في العمل، إلى جانب توافر العناصر الأساسية للوظيفة المتقدم لها.

انتظار 14 عاماً

وقالت المواطنة مريم بن شميل التي تحمل دبلوماً من كلية المجتمع بالشارقة «سجلتُ اسمي في قاعدة بيانات الباحثين عن عمل في الدوائر والهيئات الحكومية المعنية بإيجاد فرص وظيفية للمواطنين، وانتظرت لأكثر من 14 عاماً لكن دون جدوى، على الرغم من أني أكملت دراسة برنامج التجسير لدرجة البكالوريوس من جامعة الشارقة والتحقت بدورات متخصصة في السكرتارية ومهارات التعامل مع الجمهور وتقنية المعلومات، وكان الخيار المضمون والمتاح أمامي هو العمل في مهنة مشرفة مكتبة بإحدى المدارس الخاصة براتب لا يزيد على 8000 درهم، إذ كانت حجة الجهات الحكومية للرفض أن تخصصي غير مطلوب كما أن عمري تجاوز الـ46 عاماً».

وأردفت: «حين تخصصت بدراسة الإدارة كنت على يقين بأنه مجال واسع وسيتيح أمامي خيارات عدة في الحصول على وظيفة لكن الواقع فرض عليّ العمل في غير تخصصي براتب لا يتساوى مع درجتي العلمية، ومع متطلبات الحياة المعيشية».

التكنولوجيا المتسارعة

من جانبه، قال خبير ومدرب تنمية بشرية مروان الحاج إن التطورات التكنولوجية المتسارعة وثورة الذكاء الاصطناعي غيرت معادلة وآلية التوظيف في المؤسسات بشكل جذري، إذ أصبحت إدارات الموارد البشرية مطالبة باستقطاب أصحاب التخصصات التقنية والرقمية المطلوبة في سوق العمل حالياً، بسبب أزمة كورونا التي فرضت على المؤسسات العمل عن بعد، ما يعطي مؤشرات توقع بأن هذه التخصصات ستحل مكان الوظائف الإدارية التقليدية التي ستختفي مستقبلاً.

وأشار إلى أن الدوافع التي تجعل الشباب يعملون في غير تخصصاتهم الدراسية تتمثل في آلية واشتراطات القبول الجامعي التي تقلل من عدد الاختيارات المتاحة أمامهم ما يجبرهم على دراسة أي تخصص متاح للحصول على شهادة جامعية تؤهلهم لدرجة وظيفية تضمن لهم دخلاً جيداً، ليكتشفوا لاحقاً بأنها غير مطلوبة في سوق العمل فيضطرون للقبول بوظيفة تختلف عن تخصصاتهم الأكاديمية ما يقتل الإبداع والحماس لديهم.

وتابع «تفتح معظم الجامعات المجال أمام الطلبة للتسجيل العشوائي بتخصصات عدة دون أن تحدد أعداد الكراسي بكل مجال في ظل غياب خطط وسياسات التنسيق مع قطاعات سوق العمل من أجل إعداد الخريجين للعمل، لافتاً إلى ضرورة استشراف المستقبل للوظائف المطلوبة خلال الأعوام القادمة، والتي يجري على ضوئها طرح تخصصات دراسية دون غيرها».

وأوضح: «أن غياب التنسيق بين سوق العمل وإدارات الجامعات، أفرز عدم توازن بين أعداد الشواغر الوظيفية وأنواعها والباحثين عن عمل من خريجي الجامعات، ما أدى إلى وجود قوائم طويلة لانتظار الفرص الوظيفية وكذلك أشخاص يعملون في غير تخصصاتهم الدراسية، الأمر الذي يحرمهم من الحصول على التدرج الوظيفي وعلى ترقيات».

مستويات الرواتب

وقال مدرب دولي وخبير موارد بشرية كنعان حمد، إن نسبة الأشخاص الذين يعملون في غير تخصصاتهم الأكاديمية تزيد على 40% من إجمالي موظفي قطاعات الأعمال المختلفة سواء كانت حكومية أو خاصة لأن سوق العمل فرض مفاهيم جديدة جعلت العديد من الكفاءات يغيرون مسارهم ويلتحقون بوظائف لا تمت بصلة لنوع دراستهم، وتمكن عدد كبير منهم من تحقيق التفوق والنجاح، إلا أن التخصص العلمي ينظم عمل الموظف ويجعله يمتلك أدواته المهنية بصورة كبيرة، ويصل لمرحلة الكفاءة الوظيفية في وقت أسرع، كونه يملك رصيداً من المعلومات العلمية المناسبة للمواقف الطارئة التي يتعرض لها في بيئة العمل.

وتابع أن مجموع الدرجات العلمية التي يحصل عليها البعض بالثانوية العامة من الدوافع الرئيسية التي تحدد مسار التخصص الدراسي لبعض الأشخاص، لأن آباءهم يلزمونهم بدراسة تخصص الهندسة أو الطب بعد حصولهم على معدل عالٍ يؤهلهم لدراسة التخصصات العلمية، كنوع من الوجاهة والمباهاة أمام الأقارب والأصدقاء، علاوة على أن المستويات العالية للرواتب تلعب دوراً كبيراً في إغراء العديد من خريجي الجامعات بالالتحاق بمؤسسات لا تشترط أن يعمل الموظف في تخصصه، وتدفع له رواتب عالية بشرط إجادتهم للغات عدة وامتلاكهم مهارات التعامل مع التقنيات المتقدمة.

وأضاف «كذلك تخوف بعض الشباب من خريجي الجامعات من عدم الحصول على وظيفة مناسبة، يجعلهم يقبلون بأول فرصة عمل متاحة أمامهم بعد التخرج حتى لو لم تكن مطابقة لتخصصاتهم الأكاديمية، كذلك فإن أسواق العمل تتأثر بتسارع المتغيرات العامة التي تفرض تخصصات دون غيرها ما يغير مفاهيم الفرص الوظيفية لدى الطلبة وهم على مقاعد الدراسة ليجدوا أنفسهم بعد التخرج أمام تحدٍ كبير وهو إما القبول بالشواغر المتاحة أو البحث إلى أجل غير معلوم عن وظيفة تتناسب والتخصص العلمي».

مجرد وثيقة

من جانبه قال مستشار تنمية بشرية سعيد بالليث الطنيجي، إن نسبة الموظفين الذين يعملون في غير تخصصاتهم الدراسية تراوح بين 50 و60% من إجمالي المسجلين في الهياكل المهنية المختلفة بالدولة، عازياً الأسباب إلى فقدان المهن التخصصية والتوجه للوظائف باعتبارها مصدراً مضموناً للدخل، فأصبح الطالب يسعى عند دخوله للجامعة للحصول على شهادة فقط بغض النظر عن الشواغر الواقعية المتوافرة، لذا أضحت الشهادة مجرد وثيقة رسمية تضمن وظيفة بعيداً عن التخصص المهني.

وتابع «بعض التخصصات الجامعية تتطلب توافر اشتراطات محددة للقبول أهمها اجتياز اختبارات إجادة اللغة الإنجليزية مثل (الآيلس) و(التوفل) وغيرها، ما يدفع الطلبة لدراسة تخصصات أخرى بدون اشتراطات قبول، كما أن بعض الشواغر الوظيفية المعلن عنها تتطلب مهارات محددة إلى جانب التخصص الدراسي، وحين يخفق حامل الشهادة ذات التخصص المطلوب في الحصول على الوظيفة لافتقاده المهارات المطلوبة يضطر للبحث عن أي فرصة عمل متاحة أمامه حتى لو لم تكن مناسبة للشهادة التي يحملها».

وحول النتائج السلبية لهذه الظاهرة أكد الطنيجي: «حين يفرض الواقع على الشخص العمل في وظائف تختلف عما درسه وكان يطمح إلى الحصول عليه، فإنه يشعر بالندم تجاه قرار اختيار تخصصه الأكاديمي ويبدأ يفقد الثقة بنفسه ما يؤثر على إمكاناته الذاتية فيتحول من شخص مبدع وخلاّق إلى موظف يؤدي ما يطلب منه فقط، كما أن الواقع الجديد يفرض عليه البداية من الصفر وتعلم مهارات وظيفية جديدة عبر الالتحاق ببرامج تدريبية وورش تأهيلية ما يهدر وقته وطاقته».

دراسات مستفيضة

من جانبه ذكر خبير واستشاري موارد بشرية هشام محمد علي، أن ربط التخصصات الجامعية لتتلاءم مع متطلبات سوق العمل الفعلية، عبر منظومة متكاملة مكونة من جامعات وكليات الدولة من جهة ووزارة الموارد البشرية والتوطين والجهات المعنية بالتوظيف من جهة أخرى تستطيع تحديد عدد وأنواع الوظائف الفعلية المتوافرة خلال عام، وعليه تحديد مسار الجامعات فيما يتعلق بالتخصصات الدراسية المطروحة لديها تجنباً للعشوائية وإغراق سوق العمل بمجالات علمية غير مطلوبة.

وقال: «لا يوجد تشبع في أي من التخصصات العلمية إلا أن عدم التنسيق بين الجامعات والمؤسسات الحكومية أوجد فجوة بين مستوى العرض وحجم الطلب، فالتخصصات المطروحة لا بد أن تخضع لدراسات مستفيضة لاحتياجات سوق العمل على المدى الطويل، ووظائف المستقبل، بما يضمن مواصلة استيعاب السوق للخريجين الجدد، لافتاً إلى أن غياب الإرشاد الأكاديمي لطلبة الجامعات وعدم استحداث تخصصات تتناسب مع تسارع الأحداث التكنولوجية من أبرز الأسباب التي تواجه الشباب المواطنين وتصنع خللاً في التركيبة الوظيفية، إذ كشفت أزمة كورونا والعمل عن بعد تكدس أعداد من الموظفين في إدارات دون غيرها».

سد العجز

وأشارت دائرة الموارد البشرية بالشارقة إلى أن التوافق بين مخرجات التعليم، ومتطلبات سوق العمل، من أهم التحديات التي تواجه الدائرة في عمليات التوظيف أو التوطين، لأن مخرجات التعليم تتركز في تخصصات محددة مثل الإدارية والمحاسبية والخدمية التي تحرص الجهات الحكومية على استقطابها، في حين تقل التخصصات الفنية والتكنولوجيا التي يحتاج إليها سوق العمل، ما دفع الدائرة إلى تنفيذ برامج توجيهية لتعريف طلبة المدارس في المرحلة الثانوية بمجالات سوق العمل، والجامعات والكليات الفنية والتخصصية التي يمكن أن يلتحقوا بها لسد العجز في التخصصات المطلوبة لسوق العمل.

وأكدت الدائرة أن التوظيف يتم بناءً على متطلبات واحتياجات الجهات الحكومية والخاصة من المؤهلات العلمية التي يعتبر مطابقتها للشواغر الوظيفية المطروحة من الشروط الرئيسية للتعيين، أما في حال زيادة أعداد التخصصات غير المطلوبة في سوق العمل فيتم تأهيل أصحابها من خلال منحهم درجة الدبلوم حتى يتم استيعابهم في وظائف أخرى، ومنحهم رواتب خلال فترة التأهيل، الأمر الذي يضمن خلق توازن في سوق العمل، بحيث تكون أعداد الباحثين عن عمل تتناسب مع حجم الشواغر المطروحة من قبل المؤسسات والهيئات.

خطط التوطين

من جانبها أكدت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية أن إيجاد وظائف للمواطنين ذات مهام قريبة من مؤهلاتهم العلمية يخلق لديهم تحدياً لتحقيق مستوى أكبر من التميز والنجاح في العمل، فيما تهدف خطط التوطين إلى توفير فرص عمل تناسب التخصصات الدراسية، وكذلك متطلبات سوق العمل التي تحتم أحياناً توظيف مواطنين على مسميات بعيدة عن مجالاتهم الأكاديمية.

وأشارت إلى أن التعيين يعتمد بالدرجة الأولى على المستوى العلمي الذي يحدد الدرجة الوظيفية، وكذلك على أعداد سنوات الخبرة المهنية في مجال التخصص المطلوب، أما دوافع المؤسسات التي تعين أشخاصاً على غير تخصصاتهم الدراسية فتتمثل في الكفاءة والمهارات التي تعتبر ميزان مفاضلة بين المتقدمين لنفس الوظيفة، ويمكن تأهيل هؤلاء الأشخاص عبر دورات وبرامج متخصصة لشغل الشاغر المطروح بمهنية عالية، وتحفيزه لاحقاً حتى يستمر عطاؤه بكفاءة وتميز.