الثلاثاء - 07 مايو 2024
الثلاثاء - 07 مايو 2024

الإمارات تنقل تجربتها للفضاء مع مبادرات جديدة لمستقبل الـ50 المقبلة

الإمارات تنقل تجربتها للفضاء مع مبادرات جديدة لمستقبل الـ50 المقبلة
مشاريع فضائية طموحة وبرامج واعدة لبناء قدرات الكوادر الوطنية، وتمكين القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، تسعى من خلالها دولة الإمارات إلى تكرار ما حققته خلال الخمسين عاماً الأولى من إنجازات على الأرض، وتسجيل إنجازات مثيلة في الخمسين عاماً المقبلة، ولكن في الفضاء، بعدما تمكنت الدولة في السنوات الماضية من بناء قاعدة صلبة لانطلاق قطاعها الفضائي، الذي يعد الأكبر والأنشط والأكثر تطوراً بالمنطقة، إلى آفاق واعدة لا يحدها سقف.

وحلم الفضاء كان في البدء حلم زايد، الذي أراد للكفاءات والعقول الإماراتية أن تدخل مجال استكشاف الفضاء، وتسهم في تطوير علومه وتقنياته، وتعزيز اكتشافاته، وصولاً إلى ترك بصمة إماراتية وعربية مؤثرة في استكشاف أسرار الفضاء، وتحقيق مستقبل أفضل للإنسانية، وإثراء مسيرة المعرفة البشرية.

وفي الصورة الشهيرة لاستقبال المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيّب الله ثراه» عام 1976، وفد وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» عقب تنفيذ المهمة الفضائية «أبولو» التي وصلت للقمر، استشراف لمستقبل الإمارات المتميز في قطاع الفضاء، والذي توالت فصوله المشرقة تباعاً خلال السنوات القليلة الماضية، بإنجازات نوعية وقفزات اختصرت الزمن في مسيرة قطاع الفضاء بدولة الإمارات العربية المتحدة، لتؤسس لخمسين عاماً قادمة من الريادة في الفضاء، كما على الأرض.


مركز محمد بن راشد للفضاء


في نقلة نوعية بقطاع الصناعات الفضائية المتطورة، أسست حكومة دبي عام 2006 مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة «إياست»، بهدف دعم تأسيس قطاع الفضاء والتقنيات المتقدمة، وتعزيز أبحاث الفضاء، وسعت لتحقيق مجموعة من الأهداف تمثلت في التركيز على برامج نقل المعرفة، وإعداد الفرق الأولى من الخبراء والمهندسين الإماراتيين المتخصصين في العلوم المتقدمة والتكنولوجيا وعلوم الفضاء، وإطلاق المشاريع العلمية للدولة، حيث استمرت المؤسسة في عملها حتى أبريل 2015، حيث تم تأسيس مركز محمد بن راشد للفضاء بقرار من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، الذي نص على أن يتم دمج مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة مع مركز محمد بن راشد للفضاء، وبذلك يتولى مسؤولية دعم المشاريع التكنولوجية والبحث العلمي المتقدم بدولة الإمارات والمساهمة في دعم توجهات الحكومة لبناء اقتصاد مبني على المعرفة.

وحقق المركز العديد من الإنجازات، أهمها إطلاق القمرين الاصطناعيين «دبي سات 1» و«دبي سات 2» في 2009 و2013 على التوالي، كما نجح المركز بإطلاق «نايف 1»، كأول قمر اصطناعي نانومتري إماراتي إلى الفضاء الخارجي أوائل العام 2017.

وجاء مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ الذي بدأ كفكرة في الخلوة الحكومية عام 2013، ليصعد بالطموحات الفضائية العربية نحو الفضاء العميق، وصولاً إلى الكوكب الأحمر.

ويشرف مركز محمد بن راشد للفضاء على برنامج الإمارات الوطني للفضاء، كما تولى المركز تنفيذ مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، الذي بدأ بشكل عملي عام 2014 ويستمر حتى 2023.

وينفذ المركز أيضاً «مشروع الإمارات لاستكشاف القمر - 2024»، الذي يعد أول مهمة إماراتية تستهدف الهبوط في منطقة لم تستكشفها أيٌّ من مهمات استكشاف القمر سابقاً بحلول 2024، ويتضمن المشروع تطوير مُستكشف إماراتي الصنع- يحمل اسم «راشد»، تيمناً بالمغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم باني نهضة دبي- يقوم بإجراء اختبارات علمية عدة تسهم في إحداث تطورات نوعية بمجالات العلوم والتكنولوجيا وتقنيات الاتصال والروبوتات، بما في ذلك اختبارات التربة القمرية، والخصائص الحرارية للهياكل السطحية، والغلاف الكهروضوئي القمري، وقياسات البلازما والإلكترونيات الضوئية، وجزيئات الغبار الموجودة فوق الجزء المضيء من سطح القمر.

وكالة الإمارات للفضاء

وجاء تأسيس وكالة الإمارات للفضاء بموجب مرسوم بقانون اتحادي بهدف تنظيم وتطوير قطاع الفضاء بالدولة، وإعداد وتأهيل الأجيال الإماراتية الشابة التي تتمتع بمهارات علمية ومهنية متميزة، ما يرسخ دعائم الاقتصاد الوطني المستدام والمتنوع والمبتكِر، ويساهم في تطوير الأبحاث والمبادرات التجارية وبرامج علوم الفضاء واستكشافه عبر إقامة الشراكات الاستراتيجية والبرامج البحثية.

ومنذ تأسيس وكالة الإمارات للفضاء عام 2014، شهد قطاع الفضاء الإماراتي تطورات متلاحقة، تنفيذاً لاستراتيجيات مدروسة، حيث تم في 2016 إطلاق السياسة الوطنية للفضاء والتي ترسم التوجّهات والغايات المراد تحقيقها في مجال الفضاء، وامتداداً على ذلك، في عام 2019 تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030 حتى تحديد الإطار العام لصناعة الفضاء في الإمارات والأنشطة التي سيتم العمل عليها خلال العقد القادم.

كما عملت الوكالة بصفتها هيئة اتحادية على تهيئة البنية التشريعية والتنظيمية الجاذبة للاستثمارات، وبما يدعم التطور في الأنشطة الفضائية ويوفر بيئة جاذبة لاستقطاب الشركات العالمية بمجال الفضاء، حيث تم عام 2019 إطلاق القانون الاتحادي في شأن تنظيم قطاع الفضاء، والذي يوضح القواعد والأحكام العامة لتنظيم وتصريح الأنشطة الفضائية وبما يتوافق مع السياسات الوطنية والقوانين الدولية التي تعد الدولة طرفاً فيها.

كما أطلقت وكالة الإمارات للفضاء خطة تعزيز الاستثمار الفضائي، بهدف تسهيل الاستثمارات في صناعة الفضاء بالدولة وبما يسهم في تحقيق مئوية الإمارات 2071 وخطة الثورة الصناعية الرابعة في تنويع واستدامة الاقتصاد، بالإضافة إلى تعزيز اقتصاد الدولة القائم على المعرفة والابتكار والتقنيات المتقدمة، وتشجيع ريادة الأعمال ورفع معدل تأسيس الشركات الصغيرة والمتوسطة.

وفي سياق ذلك، أطلقت الوكالة عدداً من المبادرات، هي الأولى من نوعها في المنطقة والعالم العربي والتي تركز على احتضان وتسريع تحويل الأفكار المبتكرة إلى مشاريع فضائية، حيث نتج عنها احتضان 6 أفكار، وتحويلها إلى شركات ناشئة وطنية وضمان ثلاث صفقات استثمارية من قبل الشركاء.

وتشرف وكالة الإمارات للفضاء على مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، إلى جانب عدد من المشاريع العلمية التي يتم تنفيذها بالتعاون والشراكة مع الجامعات ومراكز البحث والتطوير، بما في ذلك مشروع نوابغ الفضاء العرب الرامي إلى خلق جيل من الشباب العرب المؤهلين في قطاع الصناعات الفضائية المختلفة، كما أشرفت الوكالة على تأسيس المجموعة العربية للتعاون الفضائي، الذي يضم المؤسسات والجهات الفضائية أو العلمية من 14 دولة عربية، مكوناً نواة لانطلاق التعاون الفضائي العربي بالمنطقة.

وتتابع الوكالة شراكتها وتعاونها مع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في الدولة لتحفيز الطلبة والطالبات على الانخراط في دراسة علوم الفضاء، حيث يتم تحقيق ذلك عبر برنامج الابتعاث والرعاية الدراسية والمسابقات العلمية، واكتشاف واستقطاب الطلبة الموهوبين، وفي تطعيم المناهج التعليمية واستحداث الدرجات العلمية، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ما يساهم في توفير الكوادر المؤهلة القادرة على قيادة القطاع إلى المزيد من النمو المستدام في المستقبل.

البرنامج الوطني للفضاء

وجاء إطلاق البرنامج الوطني للفضاء في أبريل 2017 من قِبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لإعداد رواد فضاء إماراتيين، والوصول بمسبار الأمل إلى كوكب المريخ في عام 2021 عام الخمسين، فوضع خطة لمئة عام.

برنامج الإمارات لرواد الفضاء

وتم في عام 2017 إطلاق برنامج الإمارات لرواد الفضاء، البرنامج المتخصص الأول من نوعه عربياً لتأهيل رواد فضاء إماراتيين، وترسيخ مكانة دولة الإمارات كشريك عالمي في رحلات الفضاء المأهولة، وإرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية، وهو ما تحقق بانطلاق رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري في 25 سبتمبر 2019 إلى الفضاء الخارجي، ليكون أول إماراتي وثالث عربي يصل إلى الفضاء، وأول عربي يبلغ محطة الفضاء الدولية.

كما ضم البرنامج في أبريل 2021 الدفعة الثانية من برنامج الإمارات لرواد الفضاء، لتشكل مع الدفعة الأولى منه فريقاً إماراتياً رباعياً يضم نورا المطروشي، ومحمد الملا، وسلطان النيادي، وهزاع المنصوري.

المجموعة العربية للتعاون الفضائي

وفي مارس 2019، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مبادرة «المجموعة العربية للتعاون الفضائي»، التي تتخذ من العاصمة الإماراتية أبوظبي مقراً لها، وتضم في عضويتها لدى تأسيسها 14 دولة هي: المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وسلطنة عُمان، والكويت، والأردن، ومصر، والمغرب، والعراق، وتونس، والجزائر، والسودان، وموريتانيا.

وصول مسبار الأمل إلى المريخ

وفي فبراير 2021 وبالتزامن مع عام اليوبيل الذهبي لتأسيس اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، تمكنت الدولة بنجاح، شهد له العالم، من حفر اسمها في سجل الإنجازات التاريخية كخامس دولة في العالم تصل إلى مدار كوكب المريخ عبر مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، الذي جاء تتويجاً لسنوات من الجهود المتواصلة في بناء قطاع فضائي متطور ونقل المعرفة إلى الكوادر الإماراتية، وتهيئة البيئة التشريعية والتنظيمية والاستثمارية اللازمة لضمان النمو المستدام لهذا القطاع الواعد.

برنامج نوابغ الفضاء العرب

وفي يوليو 2020، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إطلاق برنامج «نوابغ الفضاء العرب» الأول من نوعه عربياً، والذي يهدف لتدريب وتأهيل نخبة من المواهب والعقول العربية الفذة في علوم الفضاء والتكنولوجيا المتقدمة المرتبطة به، وتمكينهم بالمهارات والقدرات التي تمكنهم من قيادة مختلف قطاعات استكشاف الفضاء وعلومه وصناعاته.

استكشاف كوكب الزهرة

وجاء الإعلان مؤخراً في 5 أكتوبر 2021 عن إطلاق مشروع الإمارات لاستكشاف كوكب الزهرة وحزام الكويكبات، الرابع عالمياً لاستكشاف كوكب الزهرة وحزام الكويكبات، ليرسم آفاقاً جديدة لصناعة الفضاء في دولة الإمارات.

ويعمل المشروع الفضائي الأكبر من نوعه في تاريخ الدولة على إنجاز مركبة فضائية جديدة تقطع في رحلتها الفضائية مسافة تقدر بنحو 3.6 مليار كيلومتر، تعادل 7 أضعاف الرحلة التي قطعها «مسبار الأمل»، وتقترب حتى مسافة 109 ملايين كيلومتر من الشمس، ولا تكتفي المهمة الفضائية الإماراتية بإجراء دراسة متعمقة لـ7 كويكبات ضمن المجموعة الشمسية، بل تهبط أيضاً على آخر كويكب منها.

وسيتم تطوير المركبة الفضائية خلال 7 سنوات، وستكون جاهزة لمهمتها الفضائية في بداية 2028، على أن تبقى في مهمتها العلمية مدة خمس سنوات من 2028 حتى عام 2033، بهدف استكشاف مجموعة كويكبات داخل المجموعة الشمسية لم تصل إليها أي مهمة فضائية من قبل، ودراسة كوكب الزهرة والتقاط صور وجمع بيانات علمية دقيقة لأول مرة عن الكويكبات ضمن المجموعة الشمسية.

وترسخ المهمة الجديدة ريادة الإمارات وجهة عالمية للعقول والكفاءات والاستثمارات النوعية في قطاع استكشاف الفضاء والصناعات المرتبطة به، وتتعاون في المرحلة الأولى مع جامعة الإمارات وجامعة خليفة ومختبر فيزياء الغلاف الجوي والفضاء لدى جامعة كولورادو.

كما يترافق مشروع الإمارات لاستكشاف كوكب الزهرة وحزام الكويكبات مع برنامج متكامل لدعم تأسيس شركات إماراتية في قطاع الفضاء متخصصة في الصناعات الفضائية وعلومها، ويدعم مبادرة ضمان حصول الشركات الإماراتية المتخصصة في الصناعات التكنولوجية المتقدمة على عقود ضمن مشروع استكشاف كوكب الزهرة وحزام الكويكبات داخل النظام الشمسي، ويترافق مع برنامج تدريبي وطني متكامل لتنمية الصناعات المهنية لدى المواطنين، وتأهيلهم لإنشاء شركاتهم الخاصة لخدمة قطاع الفضاء والقطاعات الصناعية الأخرى ذات العلاقة.