الثلاثاء - 07 مايو 2024
الثلاثاء - 07 مايو 2024

رائدة الأعمال سارة الصلح: الأكياس القطنية المستدامة الأفضل كلفة وحجماً

رائدة الأعمال سارة الصلح: الأكياس القطنية المستدامة الأفضل كلفة وحجماً

سارة الصلح.

شغف كبير وقوده كان طموح الشابة سارة علاء الدين الصلح، التي لم تتجاوز الـ21 عاماً بعد، إلا أن أحلامها الكبيرة جعلت منها رائدة أعمال في عمر صغير، حيث تمكنت خلال فترة قصيرة من بدء مشروعها التجاري الخاص الذي يجمع بين الموهبة وحب التصميم، اقترنا باهتمامها الشديد بالاستدامة، لتصبح مصممة حقائب عصرية صديقة للبيئة، وواحدة من الطالبات القلائل اللائي انطلقن في مشاريع خاصة خلال السنوات الجامعية الأولى.

ابتكرت طالبة السنة الرابعة في كلية هندسة العمارة بجامعة أبوظبي سارة الصلح، حقائب عصرية يدوية الصنع والتطريز، تتميز في أن كل المواد المستخدمة في صناعتها صديقة للبيئة، في محاولة منها لنشر الوعي البيئي، وتعزيز مفهوم الاستدامة بين طلبة وطالبات الجامعة.

وتنسج الصلح بيديها كل الخيوط، وتقتفي آثار التصميم الذي تبتدعه كل مرة، لتحيلها إلى تحفة فنية على شكل حقيبة، تزهو بأشكال ملونة أو صور تعبر عن حالة أو وجهة نظر، تصاحبها أحياناً كلمات بلغات مختلفة، منها أبيات شعرية أو مقاطع من كلمات أغنيات شهيرة، أو حتى حكم وأمثال أو أسماء وأرقام.



مراقبة أنامل الجدات

وأوضحت الطالبة المعمارية ومصممة الحقائب لـ«الرؤية»، أنها وُلدت وعاشت كل حياتها في دولة الإمارات، ضمن مدينة العين تحديداً، وسجلت ذكرياتها في كل زاوية لتبدأ رحلتها في حب الألوان والتطريز منذ الطفولة، حين كانت تحاول ضم الإبرة بالخيوط الملونة، وبمحاولات بسيطة تدفّق الإبداع لتصبح ماهرةً في الأشغال اليدوية، لافتةً إلى أن حب الخياطة والتطريز يعود إلى تعلقها بالثقافة والتاريخ الفلسطيني الذي يعبّر عن هويتها، ولا سيما أنها كانت تراقب أنامل الجدات وتتعلم منهن آليات تطريز الأثواب الفلسطينية بشكل يدوي بالكامل، حتى قررت بعد انتهاء المدرسة أن تدرس التصميم المعماري وتحترف في الفنون، مؤكدةً أن الإبداع واحد أينما وُجد، وفي أي مجال يتم تطبيقه.

ولفتت إلى أن حبها للبيئة هو الذي دفعها لإيجاد بديل عملي ومناسب، وليس له أي آثار سلبية على البيئة للحقائب التي تحملها الفتيات كل يوم، وقالت: «خطر لي أن الفتيات الجامعيات ينفقن مبالغ كبيرة على حقائب اليد التي يحملن فيها أغراض الجامعة من مذكرات ودفاتر ومساطر، ومنهن طالبات الهندسة، فتتلف الحقيبة مع مرور الوقت، ويجبرن على شراء غيرها، وهذه الحقائب لا يُعنى صنّاعها بالبيئة، بل يهتمون بالربح المادي فقط، لذا قررت أن أصنعها من الأكياس القطنية المستدامة، بطريقة أنيقة، لتكون خياراً أفضل من حيث الكلفة والحجم والحفاظ على البيئة».

وتبلورت الفكرة بشكل جدي ونضج قرار الانطلاق في المشروع أثناء فترة الإغلاق العام الذي تسبب بها تفشي فيروس «كوفيد-19» في العالم، بداية عام 2020، لتقرر أن تملأ وقت فراغها بالتطريز على القماش، وتتمكن من صناعة أول حقيبة والتي حصدت ردود فعل إيجابية وأعجبت جميع من رآها، تلتها محاولة أخرى لصناعة هدية لإحدى صديقاتها المقربات ونالت إعجابها بشكل كبير، وبدأت بالفعل استخدامها في حياتها اليومية.



نقوش تعكس الشخصية

وبينت أن كثيراً من الشباب تشجعوا وانطلقوا في أعمال تجارية بسيطة أنشؤوها من الصفر، ولم يضيعوا الوقت الذي أتيح لهم مع اعتماد نظام التعليم الافتراضي، بل تحلوا بالمسؤولية والشجاعة لدعم أنفسهم وأسرهم ومجتمعاتهم خلال الجائحة.

وأشارت سارة الصلح إلى أن بداية المشروع كانت بصناعة حقائب يد للفتيات مصنوعة من القطن، تطرز عليها اقتباسات مؤثرة أو أسماء أشخاص وحتى رسومات، تعبر عن شخصية حاملها بحيث تصنع خصوصاً ويدوياً حسب الطلب.

ونالت الفكرة تشجيعاً كبيراً من قبل عائلتها وأساتذة الجامعة الذين حفزوها لتنطلق في مشروعها الخاص، وتبدأ خطواتها الأولى في مجال الأعمال، بمشروعها الصغير في بيع الحقائب الصديقة للبيئة، وتحصد نجاحاً كبيراً، حيث باتت تستقبل الطلبات بشكل مستمر.

منصة عرض حصرية

وخصص لها مركز الفنون في أبوظبي منصة حصرية لتعرض فيها مجموعة من تصاميم الحقائب الخاصة بها، وبيعها للزوار، إلى جانب إنجازها لما يزيد على 10 طلبات خاصة لحقائب متنوعة أسبوعياً، وتخطط لإطلاق مجموعة من الحقائب الرسمية صغيرة الحجم والتي تحمل اسمها، مبينةً أن كافة الحقائب يتم بيعها بأسعار مقبولة ومناسبة للجميع.

ويتطلب إنجاز الحقيبة الواحدة نحو 3 ساعات من العمل المتواصل، حيث تعمل الصلح على تطريزها بالطريقة التقليدية بعيداً عن الآلات، مع التدقيق على كافة التفاصيل بهدف إنتاج قطع فريدة ومتناسقة الألوان والأشكال.

وتتبع سارة أسلوباً يجمع بين التكنولوجيا والعمل اليدوي في تصاميمها، حيث تبدأ بتصميم الشكل الخارجي للحقيبة عبر برامج حاسوب متطورة ثم تبدأ بالطباعة يليها التطريز بالإبرة والخيوط الملونة.



دعم الأخ الصغير

وضمن الأسرة التي تتكون من 6 أفراد إلى جانب الأم والأب، يدعمها في مشروعها ويساندها أخوها الصغير (16 عاماً) والذي يمتلك موهبة الرسم بشكل كبير، حيث يحاول بشتى الطرق دعمها ومساندتها لتستمر في النجاح.

ولفتت إلى أن 80% من الطلبات التي تتلقاها هي لصناعة حقائب لطالبات جامعيات، ومنهم بعض الشباب العمليين الذين يحملون أغراضاً كثيرة أو يحتم عليهم تخصصهم الجامعي اصطحاب أدوات وأشياء إلى الحصص العملية المختلفة، فكانت الحقائب المصنوعة يدوياً حلاً فعالاً وإيجابياً، جعل الكثيرين منهم يتخلون عن الأكياس أو الحقائب المكلفة والتي لا يمكن إعادة تدويرها في حال التلف؟

وقالت: «فيما يخص التسويق، أعمد إلى تصوير كل حقيبة ضمن بيئة طبيعية مثل البحر أو الرمال أو الحدائق الخضراء، لأنها انعكاس لحبي وشغفي بحماية البيئة».

بين الشغف والتخرج

وأضافت: «الوقت هو أكبر تحدٍّ أواجهه حالياً، حيث أعمل بجد في تقسيم وقتي بين مشروعي وشغفي وبين الدراسة التي تتطلب مني وقتاً وجهداً كبيرين، خاصة أني الآن في عامي الجامعي الأخير، إلا أنني أحاول وبجد أن أواصل استغلال مهاراتي وتوظيفها لأتمكن من جمع رأس مال أكبر، وبالتالي توسيع المجال وتطوير العمل».

وأضافت أنها سعيدة جداً باهتمام جامعة أبوظبي التي لا تألو جهداً في تسليط الضوء على مشروعها ودعمها بكافة السبل المتاحة، حيث توفر لها سنوياً منصة عرض خاصة بمنتجاتها من الحقائب المختلفة ضمن فعاليات اليوم الوطني حتى يتمكن الطلاب والطالبات من التعرف إليها وإلى مشروعها.

ولفتت إلى أن هذا المشروع كان إيجابياً حتى على الصعيد الاجتماعي، إذ بات الجميع يعرفها في الجامعة وتصادف كثيرين ممن يبدون إعجابهم بإصرارها على إثبات نفسها، كما أن معظم الفتيات في الجامعة باتوا يستخدمون الحقائب التي تصنعها سارة، لتكون أينما وجدت علامة مسجلة باسمها، مؤكدةً أن الطالبات أصبحن يطلبن منها الحقائب كهدايا لصديقاتهن كما باتت تصنع لهن أشكالاً خاصة لتناسب كافة المناسبات والأعياد والاحتفاليات.

وأشارت الصلح إلى أنه من الضروري أن تعرف كل شابة أن قطاع الأزياء والحقائب والإكسسوارات يعد بين أكثر الصناعات الملوثة للبيئة، مؤكدةً ضرورة أن يثقف كل فرد نفسه في كيفية المساهمة الفاعلة في الحفاظ على البيئة والاستدامة والتفكير في اتباع أسلوب حياة جديد يتمحور حول الموضة المستدامة.

موضة مستدامة

ولفتت إلى أن الموضة المستدامة هي طريقة بديلة، لتصنيع أو اقتناء الملابس، ولكن بأسلوب صديق للبيئة يأخذ بعض المعايير في الحسبان، من ضمنها طريقة التصنيع ونوع القماش المستخدم، وتفادي الأقمشة الاصطناعية والتي تصنع من المواد البتروكيماوية، ومنها النايلون والبرلون والرايون والبوليستر.

وأردفت أن «الإبداع في كل المجالات يتطلب وعياً بالبيئة التي تغذي هذا الإبداع، فالألوان التي نستوحي منها التصميم هي التي تلون عالمنا وحياتنا التي نعيشها كل يوم».

واختتمت الجامعة سارة الصلح بالقول: «ما فائدة أن أملك أزهى الحقائب لوناً والتلوث البيئي يحيط بالماء والسماء والشجر؟ علينا أن نكون أكثر وعياً ونفهم أن كل مبادرة، حتى وإن كانت بسيطة، قادرة على خلق التغيير الذي يحتاجه العالم، ولا يكفي أن نقتني أي منتج صديق للبيئة، من دون أن تكون أفعالنا ظاهرة ودالة على حب البيئة حتى نحافظ عليها لمستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة».