الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

اختبارات إيدز تتجاهل تسجيل البيانـــــــات الحقيقية للمفحوصين

تجري مراكز طبية في الدولة فحوص الإيدز للراغبين في إخفاء هويتهم الحقيقية، متجاهلة القوانين الصحية الملزمة بتسجيل الوثائق الثبوتية للمفحوصين، وإبلاغ الجهات المختصة عمن تثبت إصابتهم بالمرض، علماً أن هناك نظاماً رقابياً صارماً ومراكز متخصصة لإجراء هذه الفحوص.

ويهدد هذا التجاوز أفراد المجتمع بإيجاد سوق سوداء لفحوص الإيدز، قد تسفر عن مرضى يشكلون خطراً على محيطهم ممن لا يعلمون بإصابتهم، وكذلك غياب المعلومات الواجب توفيرها لحصر الحالات المريضة والتعامل معها طبياً.

«الرؤية» رصدت القضية عبر رحلة استقصائية، أجرى خلالها المحرر الميداني اختبارين طبيين للإيدز في اليوم نفسه وفي مركزين مختلفين من دون أن يقدم أي أوراق ثبوتية، إذ اكتفى بالتعريف بنفسه عبر بيانات وهمية. وقبل زيارة المركزين، أخطرتنا الجهات الصحية بأن هذه الممارسة مخالفة، ويجب على المنشآت الصحية إبلاغ الجهات المعنية في حال الاشتباه أو اكتشاف إصابة أي شخص بأحد الأمراض السارية مثل فيروس نقص المناعة.


500 درهم تكلفة الفحص


توجهنا إلى المركز الطبي المستهدف، الذي يظهر من خلال لوحته الإعلانية الخارجية أنه معتمد وخاضع للرقابة، ومن ثم صعدنا إلى الطابق الثاني لنجده مكتظاً بالمراجعين من الرجال والنساء؛ حيث بادرت موظفة الاستقبال بسؤالنا عن نوع الخدمة المطلوبة بعد أن عرضت علينا قائمة الفحوص الطبية الخاصة بالإيدز وأسعارها، لنختار الفحص السريع البالغة تكلفته 500 درهم، على أن تصلنا النتائج في اليوم التالي مباشرة من المركز.

وبالفعل لم تطلب الممرضة أي بيانات أو وثائق تثبت هويتنا الحقيقية، واقتصر الأمر على ملء استمارة تتضمن الاسم والعمر والجنسية والبريد الإلكتروني، وهنا سجلنا البنود المطلوبة بمعلومات وهمية، وأخبرتنا الممرضة أن لدينا خيارين للحصول على النتيجة، الأول: الحضور شخصياً إلى المركز، والثاني: إرسال نتيجة الفحص الطبي بالإيميل أو «واتساب»، وبالفعل تم أخذ عينة الدم بسرية تامة، ثم غادرنا المركز من دون الحصول على فاتورة موثقة بعد دفع المبلغ أيضاً.

في اليوم ذاته، ذهبنا إلى مركز آخر في منطقة أخرى، وأجرينا الفحص بالأسلوب ذاته ولكن بأسعار أرخص هذه المرة، إذ طلبت الموظفة 250 درهماً فقط، من دون السؤال عن أي وثائق أو بيانات شخصية تثبت هويتنا، علماً بأن كلا المركزين أكد أنه في حال كانت نتيجة الفحص إيجابية (أي أن الشخص مصاب بالإيدز) فلن يتم الاستفسار عن هويته الشخصية أبداً أو إخطار الجهات المعنية بالأمر، لا سيما أنه لا يوجد أي إجراء قانوني في جميع المراحل التي مررنا بها.

تربح بغطاء «الخصوصية»

هنا.. وبعد الاختبارين الطبيين، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم للغاية مفاده: هل يحق لهذه المراكز عدم طلب البيانات الشخصية لطالبي خدمات الفحص الطبي بذريعة الحفاظ على الخصوصية، علماً بأن الأمر برمته قائم على التربح فقط؟ هذه القضية بالنسبة للمفحوصين تحمل وجوهاً عدة ورأياً آخر، لطالما شكل الإيدز تحديداً هاجساً يؤرق المجتمع، خصوصاً عند الشباب في المنطقة العربية، حيث يقع المصاب بهذا المرض تحت وصم «الفضيحة»، ويصبح منبوذاً اجتماعياً، سواء كان هؤلاء المصابون ممن لم يلقوا بالاً لسبل الوقاية والحذر خلال العلاقات الجنسية، أو من كانوا من أصحاب الحظ العاثر وباتوا ضحايا لممارسات طبية أو تجميلية غير آمنة.

يرى أحد الشباب الذين يلجؤون إلى هذا النوع من المراكز الطبية التي تخفي البيانات أنها الطريقة الوحيدة للحفاظ على الخصوصية حتى إيجاد مخرج للأمر اجتماعياً، لكنه أكد أن عدداً من الأطباء يستغلون هذا الأمر ويتربحون من الفحوص، مقابل الاطمئنان ووأد الشك بالإصابة.

وعندما سألنا الشاب ذاته عن رأيه بوجود أشخاص مصابين حوله ولا يعلم عن إصابتهم، هنا فضل الصمت، ليصبح الأمر أكثر خطورة.

مخالفة القانون

عرضنا المشكلة على هيئة الصحة في دبي، والتي شددت على ضرورة أن يحصل مقدم الخدمة على هوية معتمدة للمفحوصين كجواز السفر أو بطاقة الهوية الوطنية في حال تقديم خدمات صحية استشارية أو تشخيصية أو علاجية وتشمل إجراء الفحوص المخبرية.

وفي هذا الصدد، أكد المدير التنفيذي لقطاع التنظيم الصحي في الهيئة الدكتور مروان الملا أنه يجب على ممارسي المهن الصحية والمنشآت الصحية إبلاغ الجهات الصحية المعنية في حال اشتباه أو اكتشاف إصابة أي شخص بأحد الأمراض السارية مثل فيروس نقص المناعة، للتأكد من التشخيص واتخاذ الإجراءات اللازمة، تماشياً مع القانون الاتحادي رقم (14) لسنة 2014 بشأن مكافحة الأمراض السارية وقرار مجلس الوزراء بشأن لائحته التنفيذية لسنة 2016 المادة رقم (3).

من جهتها، قالت مديرة إدارة حماية الصحة العامة في الهيئة الدكتورة بدرية الحرمي «يفرض على جميع المنشآت الصحية والمختبرات، سواء الحكومية أو الخاصة في دبي، إلزام العملاء بإبراز الهوية الوطنية أو جواز السفر في حالة طلب إجراء فحص مرض العوز المناعي المكتسب (الإيدز)، كما هو منصوص عليه في القانون الاتحادي 14 /‏‏‏‏‏‏‏ 2014 ولائحته التنفيذية لسنة 2016».

وأوضحت أنه «بناء على ذلك الإجراء، يحصر قسم الطب الوقائي في إدارة حماية الصحة العامة الحالات المبلغ عنها في دبي وتمريرها لإدارة اللياقة الصحية بهيئة الصحة بدبي، ووزارة الصحة ووقاية المجتمع».

اكتئاب وعدوانية

اختصاصي تخطيط استراتيجي في الصحة النفسية في هيئة الصحة بدبي، فرح عقل، أكدت أن الإصابات الجسدية تؤدي إلى أمراض نفسية والعكس صحيح، ومعظم الناس الذين يعانون من أمراض لا علاج لها مثل الإيدز يصابون بالاكتئاب والقلق الشديد، والشعور بالعدوانية تجاه الآخرين.

وأوضحت أن «معظم هؤلاء المرضى يعيشون في عزلة وكآبة حتى إنهم يرفضون التواصل مع أهلهم ومجتمعهم، حيث يرفضون الواقع في المرحلة الأولى، وفي المرحلة المتقدمة من المرض يرفضون التواصل مع المحيط، والسبب في الغالب الألم الجسدي الذي يزداد لديهم مع مرور الأيام، فضلاً عن تأثر نفسيتهم بالمشكلة والناتج عن اضطراب الهرمونات في الجسم، ما يجعل ردود أفعالهم مبالغة تجاه أبسط الأمور».

وأضافت فرح عقل أن «المرضى الذين يتحلون بالإيمان يتقبلون الواقع ويتقربون إلى الله في هذه الفترة أكثر، والأشخاص الذين لا يتمتعون بالإيمان يشعرون بالتذمر والتساؤل دوماً «لماذا أنا؟»، فالأمر يعتمد على قدرة المريض على التقبل والتأقلم مع مرضه ويساعدهم في ذلك دعم المحيطين بهم.

السيطرة على الفيروس

أما الدكتورة دُجانة مصطفى فقالت إن «هناك أدوية للتعامل مع مرض الإيدز، لكنها لا تقضي على الفيروس نهائياً، بل تسيطر على تكاثره في الجسم، وهي أدوية فعالة وقوية وفي حال أخذها الشخص في فترة مبكرة قبل تدمير الفيروس خلايا المناعة بشدة، وقد يعيش المصاب حياة طبيعية، لأن الهدف من هذه الأدوية هو السيطرة على دورة حياة الفيروس وتحسين مستوى خلايا المناعة في الجسم، وفي حال التزم المريض بالخطة العلاجية التي يزود بها والتزم بالعلاج تتحسن خلايا المناعة مع مرور الوقت، ومن الممكن أن يمارس حياته بشكل طبيعي إلى حد كبير، كما أن احتمالية انتقال العدوى منه إلى شخص آخر تصبح ضئيلة جداً».

وشددت على أن التوعية مهمة جداً في هذا الموضوع، لا سيما لفئة الشباب اليافعين، وتتمثل طرق الوقاية في الحذر من انتقال العدوى، وعلى رأسها تعاطي المخدرات وبشكل خاص بإبر مشتركة، والتوجه إلى مراكز تجميل أو صالونات حلاقة غير مرخصة، وارتياد مراكز وعيادات طبية غير مرخصة أو مخالفة.

واكتشفت مصطفى من خلال تعاملها مع هذا النوع من الحالات المرضية أنهم يتعرضون لصدمة نفسية شديدة عند ظهور نتيجة التشخيص واكتشافهم إصابتهم بالمرض، وقد تمتد هذه الفترة حتى ستة أشهر أو أكثر.

وأضافت، «يرفض هؤلاء تقبل المرض والعلاج، ويفضلون الانطواء والعزلة بسبب شعورهم بالخجل من المجتمع، ونحول الحالة إلى طبيب نفسي تابع لهيئة الصحة، إضافة إلى طمأنتهم بجدوى العلاج كنوع من المحاولة لتخفيف الصدمة نوعاً ما».

وأكدت مصطفى أن معظم حاملي مرض الأيدز يرفضون مصارحة أي أحد بحالتهم حتى أقرب الأشخاص لهم من العائلة، سواء الأب أو الأم أو أحد الإخوة، وحتى لو أنهم صارحوا أهلهم لاحقاً فهم يفضلون بقاء الأمر في قالب السرية بشكل دائم، مشيرة إلى أن بعض الأهالي يتقبلون الوضع والبعض الآخر لا يتقبل، وإذا كان هناك دعم من العائلة والأصدقاء فالمريض يشعر بوضع نفسي أفضل.

وأشارت إلى أن بعض المصابين يفتقد الدعم النفسي، لا سيما من قبل الأهل، ما يدفعهم إلى عدم الكشف عن مرضهم لأي أحد، خوفاً وخجلاً من المجتمع، لدرجة أنهم يزورون المستشفى سراً من دون أن يتعرف إليهم أحد، لأنهم يعتقدون أن الناس ستعرف سبب دخولهم المراكز الصحية، «لا سيما إذا طلبنا منه البقاء في المستشفى للعلاج والتغيب عن المنزل».

طرق العدوى

تطرقت استشارية الأمراض المعدية في مستشفى راشد التابع لهيئة الصحة في دبي الدكتورة دُجانة مصطفى إلى طرق انتقال عدوى مرض الإيدز من شخص مصاب إلى آخر سليم، إذ من الممكن أن ينتقل المرض عبر الدم وعن طريق جميع السوائل التي تخرج من جسم الإنسان ما عدا العرق، وحتى بالدموع، وغيرها كاللعاب أو الإفرازات الذكرية أو التقيؤ أو الإسهال، في حال ملامسة هذا السائل لمكان في الجلد مصاب بجرح يسمح بدخول السائل إلى الدم مباشرة، معتبرة أن اللعاب والدم أكثرهما خطورة.

وقالت مصطفى إن هناك طرقاً أخرى لانتقال العدوى، تتمثل بتبادل استخدام إبرة ملوثة بين شخصين مثل الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات أو أثناء نقل الدم غير الآمن، مشددة على أن بعض حالات انتقال المرض تتم داخل صالونات التجميل والحلاقة عن طريق استخدام أدوات غير معقمة مثل شيفرة الحلاقة أو أدوات حادة ملوثة بدم شخص مصاب، فيما تكون الطريقة الثالثة عن طريق ممارسة الجنس.

وذكرت أن معظم الحالات التي يستقبلها القسم حالياً اكتسبت العدوى عن طريق الإبر الملوثة بالفيروس، مستبعدة احتمالية انتقال المرض في مختبرات نقل الدم المعتمدة في الإمارات، والتي تعتمد أفضل المعايير والممارسات الصحية على مستوى العالم، فضلاً عن التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة في الفحوص داخل الدولة.

وحذّرت الجمهور من ارتياد مراكز تجميل أو عيادات طبية غير مرخصة، مشيرة إلى إمكانية انتقال عدوى المرض أثناء إجراء عملية تجميل باستخدام أجهزة ومعدات ومشارط طبية ملوثة، إذ تتهرب هذه المراكز من الرقابة، وشددت على ضرورة رفع وعي الناس للتأكد من سلامة المواد المستخدمة قبل إجراء التجميل أو طرق العناية الشخصية أو وشم الحواجب.