الثلاثاء - 30 أبريل 2024
الثلاثاء - 30 أبريل 2024

ما هي السوق السوداء.. وماذا نعرف بشأن تأثيرها على الاقتصاد؟

ما هي السوق السوداء.. وماذا نعرف بشأن تأثيرها على الاقتصاد؟

السوق السوداء

طوال أيام 18 و19 يناير 1977 اندلعت في مصر مظاهرات كبيرة رافضة لعدد من القرارات الحكومية الاقتصادية الخاصة برفع الدعم عن المواد الغذائية في محاولة حكومية للقضاء على السوق السوداء.

الدكتور عبدالمنعم القيسوني، نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية وقتها ألقى خطاباً أمام مجلس الشعب في 17 يناير 1977 بشأن تطبيق إجراءات تخفيض العجز، في إطار جهود الدولة لتطبيق الإصلاح الاقتصادي والقضاء على السوق السوداء التي كانت تضرب البلاد خاصة عقب حرب 1967.

وحديثاً تزايد الاهتمام بما يعرف بالسوق السوداء، التي تعتبر- بالمصطلحات الحديثة- أحد النشاطات الخفية، فهي تشكل نسبة متزايدة في الناتج المحلي الإجمالي، سواء في اقتصادات الدول المتقدمة، أو الدول النامية.

كما أن التطور الهائل في المعلومات، ووسائل نقلها عبر الشبكات والأقمار الصناعية، ومجالات التجارة الإلكترونية، طورت البيئة الاقتصادية لرجال الأعمال المسجلين رسمياً.

اقرأ أيضاً..

«الأموال الموازية».. هل هي نعمة على الجزائر؟!

كذلك تسحب الأموال السوداء المتداولة في السوق السوداء جزءاً كبيراً من السيولة النقدية المتاحة لتتزاحم مع النشاطات الرسمية في الحصول على أجزاء من السيولة بالنقد المحلي والأجنبي، كما أنها تشكل جزءاً من الطلب على هذه العملات، فتؤثر في أسعار الصرف.

كما أن برامج الإصلاح الاقتصادي، التي طبقت في العديد من دول العالم، ومن أهمها دول أمريكا اللاتينية، ودول جنوب شرق آسيا، أفرزت جوانب سلبية، كان أهمها استغلال الحرية الاقتصادية في تهريب الأموال والبضائع، لتنشأ فجأة سوقاً سوداء كبيرة الحجم والتمويل.

ما هي السوق السوداء؟

بحسب تعريف "هارفرد بيزنيس ريفيو" فإن السوق السوداء هي السوق الحرة غير القانونية التي يتم فيها بيع المنتجات قليلة الانتشار، فتكون أسعارها أعلى من الأسعار الرسمية أو التي تخضع للرقابة.

كذلك تكون الأسعار في السوق السوداء أعلى من أسعار السلع التي تُفرض عليها ضرائب عالية من قبل الحكومة، فتكون أسعار السلع أقل من الأسعار الرسمية أو الخاضعة للضريبة، بسبب التهرب الضريبي الذي يحدث في هذه التجارة.

من ناحية أخرى يظن الكثيرون أن السوق السوداء تظهر في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية فقط، وأنها لا تعمل سوى في الدول النامية أو المتخلّفة وتطاول المواد الغذائية والعملات الصعبة، لكن الأمر غير ذلك.

فالسوق السوداء موجودة منذ وجود السوق في المجتمعات البشرية، وهي تعمل في البلاد المتطورة والنامية.

وتشهد معظم الدول النامية في فترات مختلفة، لكن متقاربة، نشاطاً كبيراً للسوق السوداء، تحديداً لسوق الأموال السوداء والنقد الأجنبي.

ويؤدي ازدهار هذه السوق غير الشرعية إلى التأثير في اقتصادات الدول سلباً بنسب متفاوتة. فإما تؤدي إلى عدم القدرة على ضبط الاحتكار وسعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار.

وإما تؤدي إلى محاولة السلطات وقف فوضى السوق عبر تعويم العملة وفرض قوانين اقتصادية ومالية كثيرة ومختلفة كزيادة الضرائب أو مراقبة المعابر غير الشرعية والتهريب والاحتكار ووضع قوانين وعقوبات جديدة تتعلّق بتبادل سلع معينة.

السوق السوداء موازية للسوق الرسمية في العالم

تعمل السوق السوداء بشكل موازٍ للسوق القانونية الرسمية، ورغم أن الأرقام الصحيحة والمؤكدة غير متوفرة بخصوص حجم السوق السوداء العالمية، فإنّ أرقام الأمم المتحدة والبنك الدولي والمؤسسات الدولية المستقلة تفيد بأنها تشكّل اقتصاداً عالمياً موازياً.

إذ تقول تلك التقديرات إن حجم تلك السوق يبلغ عشرات الترليونات من الدولارات سنوياً.

كذلك يطلق على هذه السوق تسميات مختلفة على مستوى العالم، فهي السوق الخفية أو الرمادية أو سوق الظلّ أو غير الرسمية أو السوق غير الشرعية. أما العاملون فيها، بحسب التعريف القانوني، فهم الذين يشاركون في أنشطة سرية ويتحايلون أو يهرّبون أو يُستبعدون من النظام المؤسساتي للقواعد والحقوق واللوائح.

السوق السوداء تاريخياً

انتشرت السوق السوداء في الحرب العالمية الأولى عندما اضطُرت الدول إلى تقنين المواد الأولية الضرورية للمجهود الحربي، واضطُر المواطنون إلى تأمينها من السوق غير الرسمية.

كما ازدهرت السوق السوداء مع الحرب العالمية الثانية بسبب التقنين الصارم ومراقبة الأسعار، كما انتشرت سوق العملة السوداء في معظم الدول العربية التي تبنّت نظام الاقتصاد الموجّه وحدّت من حرّية التعامل بالعملات الصعبة، وتزدهر السوق السوداء لتصبح هي السوق الرئيسة حين تندلع الحروب الأهلية، كما كانت الحال في لبنان وسوريا واليمن والعراق، حيث تسقط أي سلطة للدولة.

ووجدت السوق انتشاراً كبيراً كذلك في البلدان التي تخضع لعقوبات اقتصادية، كما كانت الحال في العراق والسودان سابقاً، وفي سوريا وإيران حالياً.

كذلك تعيش السوق السوداء طويلاً بسبب الأرباح الطائلة التي تحققّها للمتداولين فيها، وفي زمن ثورة الاتصالات الحالي، استفادت من مناخات أشاعها انفتاح وسهولة التعامل التجاري عبر الإنترنت.

السوق السوداء والأموال السوداء

تعرف الأموال السوداء على أنها الأموال المهرّبة التي لا تخضع للضريبة أو تلك التي تأتي من أعمال غير شرعية.

وهي من النشاطات الخفية التي تشكّل نسبة متزايدة في الناتج المحلي الإجمالي، سواء في اقتصادات الدول المتقدمة أو في الدول النامية.

وأتاحت الظروف التكنولوجية الحديثة إجراء الحسابات السرية في المصارف والأرقام السرية للملفات وإمكانية عرض المواد والسلع السوداء عبر التجارة الإلكترونية. هذه التعاملات السرية عبر الأموال السوداء تسحب جزءاً من السيولة النقدية وتزاحم النشاطات الرسمية في الحصول على السيولة بالنقد المحلي والنقد الأجنبي، فتؤثر في أسعار الصرف.

السوق السوداء وتهريب رؤوس الأموال

في لبنان كُشف عن تهريب مليارات من الدولارات إلى الخارج قبل أحداث 17 أكتوبر 2019. ورغم المطالبات الكثيفة والعنيفة أحياناً بالكشف عن مهرّبي الأموال وحجمها ومن ثم استعادتها، فإن الأمر بات صعباً من الناحية الفنية، لأن تلك الأموال تستخدم بشكل أساسي في شراء سلع من الأسواق السوداء خارج رقابة الدول والاقتصادات.

هل من الممكن أن تكون للسوق السوداء مزايا؟

بحسب عدد من الاقتصاديين، فإن السوق السوداء تحقق نوعاً من التوازن الاجتماعي، بحيث تمكن محدودي الدخل من شراء عدد من السلع المقلدة أو المزيفة التي تباع بكثافة في الأسواق السوداء.

ويستفيد محدودو الدخل من فروق الأسعار بين السلع الحقيقة التي تباع في الأسواق الرسمية، وتلك التي تباع في الأسواق السوداء.

كذلك توفر الأسواق السوداء عدداً كبيراً من فرص العمل، خاصة للأيدي العاملة الرخيصة في الدول كثيفة العمالة، أمثال شرق آسيا وجنوب شرق آسيا.