الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

خطة الطاقة في أوروبا: هل تكفي لقضاء الشتاء؟

خطة الطاقة في أوروبا: هل تكفي لقضاء الشتاء؟

أرسل إيمانويل ماكرون رسالة الأسبوع الماضي للشركات الفرنسية التي تستعد لتوقيع عقود طاقة مكلفة للغاية: «لا تفعل ذلك».

وقال الرئيس الفرنسي إن على الشركات أن ترفض «الأسعار المجنونة» المعروضة حالياً، وأصر على أن الحكومات الأوروبية ستنجح في خفض التكاليف وضبط الأسعار إلى مستويات معقولة.

ويجد أيمريك لو جيمتل، الرئيس التنفيذي لشركة فيتا فرانس، وهي شركة صغيرة تصنع كسوة المباني في مصنع في شمال فرنسا، صعوبة في مشاركة الثقة في تصريحات ماكرون.

ورفع موردو الطوب الذين تعتمد عليهم شركة فيتا في جميع أنحاء أوروبا أسعارهم لتعويض الكلفة المرتفعة للغاز الطبيعي الذي يستخدمونه لتشغيل أفرانهم. حتى إن البعض قام بإلغاء الطلبات التي أصبحت غير مربحة.

يقول لو جيمتل لفاينانشيال تايمز: من الصعب حقاً التعامل مع ذلك؛ لأن لدينا رؤية قليلة جداً للأسعار، لا نريد الإغلاق هذا الشتاء، لكني أشعر بالقلق".

ومع انخفاض درجات الحرارة الآن مع اقتراب أشهر الشتاء، وانخفاض واردات الغاز من روسيا عن مستوياتها السابقة، من المقرر أن يجتمع وزراء الطاقة الأوروبيون يوم الجمعة لمناقشة حزمة ضرائب وطنية غير متوقعة على مستوى الاتحاد الأوروبي تهدف إلى جمع الأموال لكبح الأسعار. تدفعها الأسر والشركات.

وفي حين يمكن لعواصم الاتحاد الأوروبي أن تشير إلى بعض النجاحات في الجهود المبذولة لفطم الاتحاد عن الغاز الروسي في الأشهر الأخيرة -بما في ذلك ملء مخزون الغاز إلى مستويات تتجاوز 85%- يحذر عدد متزايد من العواصم من أن المقترحات الأخيرة ببساطة ليست كافية.

ويقول أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي عن خطط المفوضية التي يناقشها الوزراء يوم الجمعة: «هناك بالتأكيد أشخاص حول الطاولة يعتقدون أن هذا ليس كافياً، وهناك المزيد الذي يتعين القيام به، ليست لدينا مصلحة في أسعار الطاقة التي تسبب عدم الاستقرار في الدول الأعضاء».

وكتبت نحو 15 دولة عضواً إلى مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي، كادري سيمسون، هذا الأسبوع يطالبون بوضع سقف في الاتحاد الأوروبي لأسعار الغاز، حيث تنخفض الشركات تحت وطأة التكاليف التي أصبحت خمسة أضعاف مستوياتها قبل عام.

ويحذر المحللون الآن من أن الركود العميق أمر لا مفر منه، حيث يتوقع دويتشه بنك أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في منطقة اليورو سينخفض بما يقرب من 3% في المجموع بين الربع الثاني من هذا العام والفترة نفسها في عام 2023، وهو أدنى مستوى مما كان عليه خلال أزمة اليورو.

و في أعقاب الانتصار الانتخابي لتحالف يقوده اليمين المتطرف في إيطاليا هذا الشهر، تراقب عواصم الاتحاد الأوروبي الأخرى باهتمام مؤشرات على أن ارتفاع تكاليف المعيشة قد يؤدي إلى اضطرابات شعبية ويدفع الناخبين نحو أحزاب أكثر تطرفاً.

يقول سيمون تاجليابيتر، المتخصص في الطاقة بمركز «بروجل» للأبحاث: «أزمة الطاقة في أوروبا بدأت الآن في التأثير على الوطن، لأن الزيادات في أسعار الجملة لا تزال تتغذى على فواتير الشركات والأسر، لذا فإن كلفة الاقتصاد ستصبح أكبر بكثير». تهديد من اليمين كانت فرنسا واحدة من أكثر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي صرامة في محاولاتها لحماية المستهلكين والشركات من ارتفاع تكاليف الطاقة، ومع ذلك، يشعر البعض في الحكومة بالقلق من اندلاع الاضطرابات الاجتماعية هذا الشتاء، رغم أن جهود الحكومة الفرنسية أبقت على معدل التضخم السنوي في البلاد عند 6.5%، وهو أقل بشكل ملحوظ من مثيله في العديد من الدول الأعضاء في منطقة اليورو، وعلى الأخص في دول البلطيق، حيث يتراوح معدل التضخم بين 20 و25%.

وكانت فرنسا أكثر قدرة على عزل مواطنيها من ارتفاع الأسعار مقارنة بأي مكان آخر في أوروبا لدرجة أنها تعتمد قليلاً على الغاز الطبيعي، وتحصل على معظم الكهرباء من محطات الطاقة النووية التي تديرها شركة EDF المملوكة للدولة. وتحركت الحكومة لحماية الأسر والشركات الصغيرة في فبراير من خلال «درع جمركي» حد من ارتفاع أسعار الكهرباء إلى 4% وأبقى أسعار الغاز الطبيعي ثابتة لعام 2022.

ومنذ ذلك الحين تم تقديم المزيد من المساعدات، مثل شيكات بقيمة 100 يورو للأسر الفقيرة، ودعم زيت التدفئة، وخصومات البنزين والديزل المطبقة في المضخة، ويبلغ إجمالي علامة التبويب هذا العام حوالي 24 مليار يورو، وفقاً لوزارة المالية الفرنسية، مع تخصيص 7.5 مليار يورو للسائقين وحدهم.

وأعلنت الحكومة مؤخراً أنه سيتم تمديد الحماية العام المقبل من خلال وضع حد للزيادات في أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء إلى 15% للأسر والشركات الصغيرة، وستصل الكلفة الإجمالية للدولة إلى 45 مليار يورو، ولكن بمجرد استرداد الأموال من منتجي الطاقة، فإن الكلفة الصافية ستكون 16 مليار يورو.

ويتوافق هذا النهج التدخلي مع الثقافة السياسية الفرنسية، حيث غالباً ما تعمل الحكومة على حماية المواطنين من الأزمات الاقتصادية، لكنه يعكس أيضاً مخاوف في قصر الإليزيه من أن استياء الناخبين يمكن أن يعزز حظوظ التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان، الذي فاز بـ89 مقعداً غير مسبوق في الجمعية الوطنية هذا الصيف.

كما أصيبت حكومة ماكرون بندوب احتجاجات السترات الصفراء التي انفجرت في شتاء 2018؛ بسبب اقتراح زيادة ضريبة الوقود، ويخشى بعض الوزراء عودة تلك الحركة المنتشرة التي تفتقر إلى قيادة، خاصة أن الأسعار في المضخة كانت أعلى في الأشهر الأخيرة مما كانت عليه في ذلك الوقت.

واندلع عدد قليل من احتجاجات السترات الصفراء يوم السبت الماضي في باريس، وبالقرب من كان وتولوز، لكنها كانت تفتقر حتى الآن إلى حماسة الحشود الضخمة في الماضي، وخططت النقابات العمالية لإضراب وطني يوم الخميس للضغط من أجل زيادة الرواتب.

مخاطر تقنين الطاقة وبسبب الانقطاعات غير المتوقعة في الأسطول النووي لشركة كهرباء فرنسا، حذرت الحكومة من مخاطر تقنين الطاقة على الشركات، وبدأت بعض الخدمات العامة مثل حمامات السباحة والمتاحف في تقليص ساعات عملها، وقال وزير المالية الفرنسي برونو لومير، هذا الأسبوع إن «مكافحة التضخم أولوية اقتصادية وسياسية» مشيراً إلى أن «التضخم سم للديمقراطيات»، وعلى الرغم من تدخلات فرنسا في مجال الطاقة حتى الآن، فإن الشركات والأسر مذعورون من التكاليف التي يواجهونها، حيث تقول ستيفاني بوزات، المسؤولة في CPME، إن مجموعة الأعمال التي تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم قد تلقت عدداً من المكالمات في الأسابيع الأخيرة من الرؤساء التنفيذيين الذين يشعرون بالقلق بشأن الأسعار الجديدة التي يقدمها موردو الطاقة لديهم.

ويشتري ثلثا الشركات في فرنسا الطاقة في السوق المفتوحة، لأنها غير مؤهلة للسعر المنظم الذي تحدده الحكومة وتتقاضاه شركة EDF، حيث إن الشركات التي يقل عدد موظفيها عن 10 موظفين وتبلغ مبيعاتها أقل من مليونَي يورو هي فقط المحمية بسقوف أسعار الطاقة التي وضعتها الحكومة الفرنسية هذا العام وتخطط لها في المستقبل.

وفي استطلاع أجرته CPME في يوليو، يقول باوزات، إن 93% من أصحاب الأعمال البالغ عددهم 2400 في فرنسا قالوا إن ارتفاع أسعار الطاقة أدى إلى ارتفاع كلفة السلع بأكثر من 10%، وقال ثلثهم إنهم لا يستطيعون نقل هذه التكاليف إلى عملائهم.

وتستشهد باوزات بأمثلة لمورد بالجملة للشركات الصناعية الذي حصل على عرض أسعار من EDF لعقد سنوي من شأنه أن يكلف 40،000 يورو- ارتفاعاً من 5000 يورو في العام الماضي، ثم كانت هناك شركة للنجارة بالقرب من سانت إتيان توظف 35 شخصاً عُرض عليها عقد كهرباء مقابل 200 ألف يورو، أكثر من ثلاث مرات عقد العام الماضي.

جهود كبيرة ومع ذلك، على الرغم من قصص الرعب المحلية هذه، يقول تاجليابيترا من «بريجل» إن الاتحاد الأوروبي بشكل عام في وضع أفضل بكثير الآن مما كان عليه قبل شهرَين أو ثلاثة أشهر.

وساعدت الجهود الكبيرة منذ الربيع على تنويع إمدادات الغاز بعيداً عن روسيا ونحو البدائل -بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، حيث انخفض غاز خطوط الأنابيب من روسيا الآن إلى 9% من واردات الغاز في الاتحاد الأوروبي، من 41% العام الماضي، وفقاً للمفوضية الأوروبية.

ويحذر تاجليابيترا من أن الأزمة لم تنته بأي حال من الأحوال، قد يكون بناء مستويات تخزين الغاز العام المقبل أكثر صرامة مما كان عليه في عام 2022، بالنظر إلى أن مخزونات هذا العام تم بناؤها عبر الواردات الروسية، والتي يمكن أن يتم قطعها بالكامل بحلول العام المقبل.

وتزايدت المخاوف بشأن الانقطاع التام لإمدادات الغاز الروسي هذا الأسبوع عندما حذرت شركة غازبروم من أنها قد تفرض عقوبات على شركة الغاز الحكومية الأوكرانية، وهي خطوة قد تؤدي إلى وقف التدفقات عبر البلاد.

نهج تطوعي، وتحتاج العواصم إلى بذل المزيد من الجهد لكبح الطلب على كل من الغاز والكهرباء هذا الشتاء وما بعده، وقد تؤدي الجهود غير الكافية لخفض استهلاك الغاز إلى ترك مستويات التخزين في الاتحاد الأوروبي عند «حدود منخفضة بشكل خطير»، وفقاً لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا الأسبوع، ما يضع الاقتصاد في حالة محفوفة بالمخاطر في الأشهر المقبلة، وقد يؤدي الشتاء البارد إلى تفاقم نقص المعروض وارتفاع الأسعار العالمية.

ورفضت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خطط العمولات لخفض استهلاك الغاز الإلزامي هذا الصيف، واختارت بدلاً من ذلك اتباع نهج طوعي، حيث أنفقت الحكومات الأوروبية نصف تريليون يورو لحماية المواطنين والشركات من ارتفاع أسعار الطاقة، لكن العديد من هذه الإجراءات أخفت تأثير الأسعار المرتفعة للغاية، ما يقوض الحوافز لخفض الاستهلاك.

وفي فرنسا، حددت الحكومة هدفاً للشركات وكيانات القطاع العام لخفض استخدام الطاقة بنسبة 10% هذا الشتاء مقارنة بالعام الماضي في محاولة لتجنب الانقطاعات، وكشفت شركات من LVMH العملاقة الفاخرة إلى «كارفور»، عن خطط لتوفير الطاقة، بينما قالت مدينة باريس إنها ستطفئ أضواء برج إيفل الليلية في وقت مبكر من الليل.

ويتم طرح حلول أخرى مثل نظام تنبيه وطني يسمى«إيكووات» من مشغل الشبكة RTE، حيث سيصنف الأيام على أنها خضراء أو برتقالية أو حمراء اعتماداً على الضغط على نظام الكهرباء، وإرسال إشعارات فورية للمستهلكين والشركات في أوقات ذروة الطلب لمطالبتهم بالحد من الاستهلاك، وتعهدت أكبر القنوات التلفزيونية في فرنسا بتضمين تصنيف «إيكووات» في تقارير الطقس اليومية من أجل الحصول على مساعدة الناس.

تأثيرات متفاوتة، وتشكل أهداف توفير الكهرباء جزءاً من حزمة الإجراءات المقرر مناقشتها خلال اجتماع الاتحاد الأوروبي المقرر إجراؤه يوم الجمعة، جنباً إلى جنب مع الضرائب غير المتوقعة على شركات الطاقة منخفضة الكربون وضريبة على منتجي الوقود الأحفوري، وقدرت المفوضية أن الدول الأعضاء يمكن أن تجمع ما مجموعه 140 مليار يورو من أرباح شركات الطاقة، وإعادة تدويرها في جهود لخفض الفواتير.

ومع ذلك، على الرغم من الضجة، فإن الإجراءات الجديدة للجنة لن ترقى إلا إلى خارطة طريق جزئية، بدلاً من حل شامل لأزمة الطاقة، وتساءل المسؤولون التنفيذيون في الصناعة عما إذا كانت الرسوم سترتفع بقدر ما تتوقع بروكسل.

سقف أسعار الغاز، تسعى دول من بينها إيطاليا واليونان وبلجيكا ومالطا إلى فرض سقف على أسعار الغاز على أمل أن يؤدي ذلك إلى قصر الدائرة المدمرة لارتفاع الأسعار في الاتحاد، وبالنسبة للبعض منهم، يعني هيكل صناعات الطاقة الخاصة بهم أن حزمة العمولة الحالية ستكون ذات مساعدة مباشرة محدودة، في حين أن دولاً أخرى، مثل فرنسا، نفذت بالفعل مخططاتها الوطنية المصممة حسب الطلب.

ويضيف المسؤولون الفرنسيون أن الضرائب غير المتوقعة وحدها لن تحل الخلل الأعمق في أسواق الكهرباء والغاز، بحجة أن التدخلات، بما في ذلك ما يسمى بقاطع الدائرة الكهربائية، ضرورية لمنع أسواق الطاقة من الانهيار.

تقول ميريام دالي، وزيرة البيئة والطاقة والمشاريع المالطية، إنه بينما تدعم حزمة العمولة، فإنها لن تكون مفيدة لمالطا بالنظر إلى أن أصغر دولة في الاتحاد الأوروبي تستورد حصة كبيرة من قوتها عبر خط ربط مع إيطاليا، بينما الجزء المحلي يأتي في المقام الأول من محطة توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز. وتقول: «نحن نتفهم تماماً روح الزمالة في هذا الأمر، على الدول الأعضاء أن تدعم بعضها البعض».

وحذر إدوارد هيجر، رئيس الوزراء السلوفاكي، من أن وضع الطاقة يزداد صعوبة في بلاده لدرجة أن صناعتها الثقيلة ستضطر إلى الإغلاق في غضون أسابيع ما لم يكن هناك إجابة أبعد مدى من بروكسل، وتنفق بلاده 24 مليار يورو، أي خمس الناتج المحلي الإجمالي، لدعم تكاليف الطاقة.

ووضعت بروكسل ورقة خيارات يوم الأربعاء مع أفكار حول كيفية تحقيق سقف لسعر الغاز، لكن بعض مسؤولي المفوضية لا يزالون حذرين من الفكرة.

وفي فرنسا، يستعد المستهلكون للأسوأ، حيث تقول صليحة ساديلي، ممرضة تعمل في حي مرسيليا الشمالي الفقير، إنها تضررت بشدة من ارتفاع كلفة البنزين لأنها تقود سيارتها كثيراً للقيام بزيارات منزلية، كما ارتفعت فواتيرها، على الرغم من تحركات الحكومة للحد من ارتفاع أسعار الكهرباء.