الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

العقارات الصينية.. الطبقة المتوسطة تحت وطأة القروض الضخمة

العقارات الصينية.. الطبقة المتوسطة تحت وطأة القروض الضخمة

تنفرد سوق الإسكان الصينية بميزة فريدة حيث تُباع المساكن الجديدة قبل بنائها

يتسبَّب انهيار سوق العقارات الصينية بموجةٍ من الصدمات لـ400 مليون شخص من الطبقة الوسطى في البلاد؛ ما يغيِّر الاعتقاد بأنَّ العقارات وسيلة مؤكَّدة لبناء الثروة؛ فبالتزامن مع توقُّف مشاريع البناء العقارية في البلاد، وانخفاض أسعار المنازل، يخفض مالكو المنازل الإنفاقَ، ويؤجِّلون الزواج، ويمتنع معظمهم عن تسديد أقساط الرهون العقارية عن المنازل غير المكتملة.

وفقاً لمقالةٍ نشرتها «بلومبيرغ» حديثاً، ذكر بيتر، أحد أفراد الطبقة الوسطى، أنَّ لديه رهناً عقارياً يستهلك 90% من دخله المتاح على منزل يمكن ألا يراه أبداً، مشيراً إلى أنَّ «مالكي المنازل ليسوا الملومين، ولا ينبغي لهم تحمل العواقب». يعدُّ بيتر من بين مئات الآلاف من مشتري المنازل في ما يزيد على 90 مدينة صينية، والذين توقفوا عن دفع أقساط ما قيمته تريليونا يوان من القروض العقارية، بعد أن أوقفت شركاتٌ مثل «أويان» و«تشاينا إيفيرغراند غروب» مشاريعَ البناء، علماً بأنَّ عدداً متزايداً من الطبقة الوسطى التي تقدَّر ثرواتها الجماعية في سوق الإسكان بنحو 70% ينضمُّون إلى من يرفضون الدفع؛ ما يشكِّل تهديداً للاقتصاد والاستقرار الاجتماعي.

توقُّف مشاريع البناء العقارية

لذلك تسارع السلطات الصينية الآن إلى إصلاح الأمور، حيث يقترح البعضُ فترةَ سماحٍ لمدفوعات القروض إلى جانب تدخُّل الحكومات المحلية والبنوك لإنقاذ مشاريع البناء، حيث تؤثِّر عمليات توقُّف البناء على ما قيمته 4.7 تريليون يوان، وربما يتطلَّب إكمالها نحو 1.4 تريليون يوان، أو نحو 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفقاً لكريستي هونغ، محللة في «بلومبيرغ إنتليجنس».

إنَّ سوق الإسكان الصينية فريدةٌ من نوعها من حيث انتشار المساكن الجديدة التي تُباع قبل بنائها، إذ تبدأ مدفوعات الرهن العقاري مباشرةً بعد الإيداع الأوّلي؛ ما ساعد على تغذية ازدهار الإسكان عبر السماح للمطورين ببدء مشاريع جديدة، ولكنَّ توقُّفَ مشاريع البناء العقارية الآن يسبب اضطرابات غير مسبوقة، إذ يأتي ذلك مع تباطؤ الاقتصاد بعد ما يزيد على عامين من عمليات الإغلاق بسبب «كوفيد-19»، وحملة الرئيس شي جين بينغ الشاملة على القطاع الخاص باسم «الازدهار المشترك»، والتي دفعت بطالة الشباب إلى مستويات قياسية.

تحوُّل الدورة الطويلة لسوق العقارات

يُذكر أنَّ أسعار المساكن انخفضت لمدة 10 أشهر متتالية، في حين تقلَّص نصيب الفرد من الدخل المتاح للربع الخامس على التوالي في نهاية يونيو، يأتي ذلك في أعقاب طفرة الديون على مدى العقد الماضي الذي شهد ارتفاعاً في الروافع المالية للأسر الصينية إلى 61.6% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2021 مقارنةً بنسبة 27.8% في نهاية عام 2011، ومع ذلك، يعدُّ منخفضاً نسبياً بالمقارنة مع الاقتصادات الرئيسة مثل الولايات المتحدة واليابان.

ومن جهته أفاد هونغ هاو، الخبير الاستراتيجي الصيني السابق في شركة «بوكوم إنتيرناشيونال هولدينغز»، بأنَّ رفض تسديد مدفوعات الرهن العقاري سيخفض أسعار المنازل ومبيعاتها؛ ما يؤثِّر سلباً على الثروة عبر الاقتصاد. أما آندي شي، الخبير الاقتصادي المستقل في شنغهاي، فأشار إلى تحوُّل الدورة الطويلة لسوق العقارات، حيث كان النموُّ سبباً لارتفاع الأسعار. لكنَّ شي لا يتوقَّع أنَّ الدخل سيواكب الأسعار قريباً، فإنَّ نصيب الفرد من الدخل المتاح في الصين لا يتجاوز جزءاً ضئيلاً من نظيره في الولايات المتحدة، حيث يتطلَّب الأمر في الصين غالباً سنواتٍ من المدَّخرات لتحمُّل تكاليف شقَّة، إذ يبلغ سعرها عادةً بضعة ملايين يوان في المراكز الحضرية الرئيسة.

يَنظر مشترو المنازل أيضاً في سبل الانتصاف القانونية، لا سيَّما ضدَّ المصارف، وكان العديد من قرارات المحاكم السابقة لصالح المشترين؛ ما أدَّى إلى إلغاء عقود شراء منازلهم، وإلزام المطورين العقاريين بإعادة المدفوعات الأولية، وسداد الرهون المتبقية للبنوك.

ولكن لا يمكن للجميع أن يكونوا على استعدادٍ للاحتجاج أو الضغط على الحكومات المحلية، إذ يثق البعضُ بأنَّ الحكومات المحلية ستضمن إنجازَ مشاريع البناء، إلّا أنَّ العديد من المشترين ليس لديهم القدرة على الانتظار، خاصةً كبار السن، ولكن ليس بوسعهم سوى التَّعويلِ على قدرة الحكومة على إصلاح الأمر.