الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

ارتفاع الدولار يستنزف الاحتياطيات الأجنبية للدول النامية

ارتفاع الدولار يستنزف الاحتياطيات الأجنبية للدول النامية

أحدث الارتفاع المستمر في قيمة الدولار الأمريكي ثغرة في الموارد المالية للدول النامية، حيث يعمل صانعو السياسات في هذه البلدان على حرق ما يعادل الملياري دولار من الاحتياطيات الأجنبية كل أسبوع لدعم عملاتهم مقابل الدولار، إذ إن هذه الدول استنزفت احتياطياتها هذا العام، إلى جانب مخزون الطوارئ الذي تحتفظ به لدرء الأزمات الاقتصادية الحادة، بمبلغ يقدر بنحو 379 مليار دولار.

لكن هذه الجهود لم تثمر إلا القليل في تثبيت استقرار أسواق النقد الأجنبي في البلدان الأكثر ضعفاً، فمن غانا إلى باكستان إلى تشيلي، هبطت العملات إلى مستويات قياسية، ما أدى إلى تفاقم الارتفاعات الحادة في التضخم وزيادة الفقر وتأجيج الاضطرابات بعد عامين من الوعكة الاقتصادية الناجمة عن الوباء، حيث فقدت 36 عملة في العالم ما لا يقل عن عشر قيمتها هذا العام، في حين انخفضت 10 منها، بما فيها الروبية السريلانكية والبيزو الأرجنتيني، بما يزيد على 20%.

ولا يرجِّح معظم المحللين حالياً حدوث انهيار كبير، ولكنهم يشيرون إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي، المحرك الرئيسي لارتفاع قيمة الدولار، لديه المزيد من العمل لقمع التضخم. وكلما ارتفعت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف، كلَّما تعاظم خطر انزلاق المزيد من الدول النامية إلى أزمة عملة كاملة تؤدي إلى تأجيج أزمات الديون.

ومن ناحيتها، تتوقع جيسيكا أمير، الخبيرة الاستراتيجية في «ساكسو كابيتال ماركتس» في سيدني، «حدوث أزمة حقيقية في الأسواق الناشئة، حيث إنها وصلت مسبقاً إلى نقطة الانهيار، فيما يعد الدولار القوي ذروة جميع حالات عدم اليقين، خاصة بالنسبة للأسواق الناشئة الضعيفة».

بطبيعة الحال، فإن الدول الناشئة ليست الوحيدة التي تتعرض لتأثيرات الدولار القوي، حيث هبط اليورو إلى مستوى التعادل مع الدولار الأمريكي لأول مرة منذ عشرين عاماً في الشهر الماضي، في حين هبط الين إلى أضعف مستوياته منذ عام 1998. لذا فإن البلدان النامية التي تعتمد على الدولار لتمويل حكوماتها تواجه تهديداً وجودياً الآن، فرغم أن الاحتياطيات التي استنفدت هذا العام لا تتجاوز 6% من الحيازات، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي عن 65 دولة نامية، فإن المستثمرين غارقون في موجة من عدم اليقين.

يعدُّ ذاك الانخفاض أسرع انخفاض منذ انهيار العملة عام 2015 بفعل تخفيض الصين المفاجئ لقيمة العملة. ولكن هذه المرة يقع بعض أكبر الانخفاضات في الاحتياطيات في غانا وباكستان ومصر وتركيا وبلغاريا، كما أنَّ بعض الأماكن نفسها تشهد أسوأ عمليات لبيع العملات.

من المقرر أن تؤدي عائدات السندات المرتفعة وجدار مدفوعات الديون المستحق بنهاية عام 2023 بقيمة 215 مليار دولار إلى تعميق المعاناة، ولكن يختلف المحللون فقط على حجم الانخفاضات المتوقعة، مع توقع البعض لخسائرَ يمكن السيطرة عليها، في حين يتوقَّع البعض الآخر حدوث أزمات حقيقية.

وتشهد الدول الناشئة والحدودية نضوباً سريعاً للاحتياطيات، حيث إن غانا التي سعت إلى إنقاذٍ من صندوق النقد الدولي للتغلب على أزمة ما بعد كوفيد الاقتصادية تبيع الدولارات كل أسبوعين لدعم عملتها. ولكن رغم أن غانا خسرت 2.60 دولار من كل 10 دولارات من الاحتياطيات في هذه العملية، فإن عملتها لا تزال منخفضة بمقدار الثلث هذا العام.

أمَّا أوكرانيا وباكستان ومنغوليا فخسرت نحو 30% من احتياطياتها، في حين انخفضت احتياطيات تشيلي بما يزيد على 10% في النصف الأول من العام، وانخفضت بمقدار 1.2 مليار دولار في الأسبوع الأول من أغسطس بعد بيعها الدولارات لإعادة البيزو من أدنى مستوى قياسي له. كما أن تدفق المليارات لتحفيز الطلب على الليرة التركية لم يوقف الانخفاض بنسبة 26% في عامها العاشر على التوالي من الانخفاضات.

ومع الكثير من تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي والنطاق الكامل للمخاطر الاقتصادية العالمية التي لم تتكشف بعد، فإن الدول الناشئة تجازف باستنفاد دولاراتها في وقت مبكر للغاية. علماً بأنَّ أي شعور في الأسواق بأن الدولار ينفد في البلدان سيؤدي إلى غارة أكثر حدة على عملاتها، ما يمكن أن يُبعد الدول الأضعف عن أسواق رأس المال الدولية، والذي من شأنه أن يجعلها عاجزةً عن تمويل حكوماتها. كما أن أي ارتفاع آخر في أسعار الواردات يمكن أن يؤدي إلى تفاقم هذه المسألة، ما يؤخر ذروة التضخم ويثير السخط الشعبي كما حدث في سريلانكا.

ومن ناحيته، ذكر بول ماكيل، الرئيس العالمي لأبحاث النقد الأجنبي في «إتش إس بي سي»، أن «بعض عملات الأسواق الناشئة تواجه ضغوطاً كبيرة لخفض القيمة، خاصة العملات ذات الكفاية الاحتياطية المنخفضة». لكنَّ مايكل لا يتوقع أن «أزمةَ عملة واسعة آخذة في التطور».

تمثل المطالبات على الدول الفقيرة جزءاً من حيازاتها بالعملة الصعبة، ولكن بصرف النظر عن مدى ضخامة هذا الروتين، فإنَّه يشبه قليلاً الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 و«العقد الضائع» في أمريكا اللاتينية في ثمانينيات القرن العشرين في أعقاب فترات من الإفراط في الاقتراض الخارجي، ثم التوقف المفاجئ في تدفقات رأس المال حين بدأت أسعار الفائدة لدى الاحتياطي الفيدرالي في الارتفاع.

توجد اتجاهات مماثلة تترسخ الآن مع انتقال البلدان النامية من عقدٍ من التمويل الرخيص إلى مواجهة ندرة الدولار، حيث انخفضت تدفُّقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة هذا العام إلى أدنى مستوياتها منذ الفترة التي تلت ظهور الوباء، وفقاً لمقالةٍ نشرتها «بلومبيرغ» مؤخراً.

لذا فإن المتداولين الذين يقترضون الدولارات ويستثمرون في الأصول ذات العائد المرتفع في الدول النامية يعانون من خسائر للسنة الثالثة على التوالي. فيما يراهن متداولو المشتقات المالية الآن ضد كل عملة من عملات الأسواق الناشئة على مدى الأشهر الستة المقبلة، باستخدام استراتيجيات خيارات الشراء خارج حدود الربحية.

في الواقع، لا يوجد سوى القليل من الحوافز للمتداولين حتى لشراء عملات الدول بشكل انتقائي مع بنك مركزي جيد التمويل، فعلى الرغم من عمليات البيع خلال العام، ما يزال العديد من أسعار الصرف مبالَغاً فيها، مع استمرار تداول مؤشر «إم إس سي آي» لعملات الأسواق الناشئة في المرتبة المئوية الثانية والتسعين من نطاقه البالغ 25 عاماً.

على النقيض من ذلك، تتداول أسهم الأسواق الناشئة في الشريحة المئوية الثامنة والستين من نطاقها، ما يجعلها خياراً أكثر جاذبية حين يرغب المتداولون في إضافة المخاطر. فيما يرى مايكل أن «الظروف المواتية لمجموعة واسعة من عملات الأسواق الناشئة فُقدت لفترة من الوقت، فمع وجود دولار قوي يغذيه الاحتياطي الفيدرالي المتشدد، إلى جانب النمو العالمي الضعيف، يعدُّ ذلك صعباً للغاية.»