الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

بلاتيني.. نجم آخر في نادي الفســــــــاد القطري

سيطرت أنباء توقيف الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي لكرة القدم ميشيل بلاتيني احتياطياً اليوم الثلاثاء، من قبل السلطات الفرنسية على العناوين الرئيسية في كافة وسائل الإعلام الرياضية العالمية، وذلك على خلفية تحقيقات بشأن تورطه في ملف الفساد الذي قادته قطر للفوز باستضافة كأس العالم 2022.

ولم يتوقع محبو الأسطورة، الذي قاد فرنسا لأول بطولة في تاريخها بتتويجها بلقب أمم أوروبا 1984، أن ينتهي به الحال متهماً وممنوعاً من العمل في مجال الرياضة أعواماً عدة، ليضاف بالتالي إلى قائمة الضحايا الجدد للفساد القطري المتجذر في كافة المجالات.

وكان أكثر من مصدر مطلع أو متورط في الماضي أكد على دفع قطر لمئات الملايين من الدولارات لمسؤولين ونافذين في اتحادات محلية وقارية للتأثير على قرارهم، ولعل أوضح الاتهامات تلك التي جاءت من رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم السابق جوزيف بلاتر، عندما قال في مقابلة مع «فاينانشال تايمز» عام 2015 إنه «تم منح قطر بفعل ضغوط سياسية مارسها الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، والذي دفع بلاتيني أيضاً إلى العمل من أجل الملف».


شراء ذمم


تحدثت مجلة فرانس فوتبول عام 2013 في تحقيق بعنوان «قطر غايت» عن «اجتماع سري» في 23 نوفمبر 2010 بين ساركوزي وتميم بن حمد آل ثاني ولي عهد قطر آنذاك وبلاتيني وسيباستيان بازان، ممثل «كولوني كابيتال» المالكة حينها لباريس سان جيرمان الذي كان يمر بأزمة مالية صعبة، وكشف التحقيق أن ساركوزي أقنع بلاتيني بالتصويت لمصلحة قطر مقابل ضمان شراء الأخيرة لنادي باريس سان جيرمان وإطلاق مجموعة بي إن سبورتس.

التسلسل الزمني وتتابع الأحداث يكشف عن رحلة فساد طويلة خاضتها قطر من أجل الفوز باستضافة كأس العالم، فقد اعترف ميشيل بلاتيني في تصريحات صحافية عام 2014 بذلك الاجتماع السري، الذي غير كثيراً من مجرى التصويت، فقاد النتائج لصالح الجهة القطرية بدلاً من الولايات المتحدة الأمريكية.

وأكد بلاتر في ذلك الوقت أن ميشيل بلاتيني اتفق معه على منح صوته لأمريكا، لكنه قام بتغيير رأيه بعد ذلك الاجتماع، رغم أن بلاتيني حاول أن يقلل من تأثير ذلك الاجتماع على رأيه.

نتائج ذلك الاجتماع باتت تظهر للعيان بوضوح، مع إعلان شركة قطر الرياضية للاستثمار شراء نادي باريس سان جيرمان عام 2011، وهو فريق الرئيس الفرنسي السابق المفضل، كما قال بعض الصحافيين الإسبان أن شراء البرازيلي نيمار، كان من ضمن الوعود السابقة لساركوزي مقابل استضافة كأس العالم، بصناعة بطولة فرنسية قوية، وجعل باريس سان جيرمان من أهم أندية العالم.

وبات بلاتيني محل شبهات بدوره بدعم الملف القطري مقابل مصالح خاصة، عندما أصبح نجله لورنت الرئيس التنفيذي لشركة بوردا، وهي شركة رياضية مملوكة لقطر، وكمحاولة منه آنذاك لإبعاد تلك الشكوك، طالب بسحب ملف المونديال من قطر في حال ثبت تقديمها أي رشاً.

وشهد أواخر مايو 2015 هزة قوية لنظام كرة القدم حول العالم، إذ قامت السلطات السويسرية باعتقال عدد كبير من المسؤولين الكبار في الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، بتهم تتعلق بالفساد، وكان ذلك قبل يومين من انتخابات رئاسة فيفا آنذاك، ومن ضمن التهم الموجهة لهؤلاء المسؤولين، تلقي رشاً بخصوص استضافة بعض الدول لبطولة كأس العالم، وكذلك تمرير صفقات تتعلق بالتسويق وحقوق البث التلفزيوني للمباريات.

حملة الاعتقالات تلك نتج عنها لاحقاً إجبار جوزيف بلاتر على التنحي من رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم، كما كشفت التحقيقات عن تنفع غير مشروع لبلاتيني، أوقف على إثره لمدة أربع سنوات من ممارسة أي أعمال تتعلق باللعبة، فاستقال لاحقاً من رئاسة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.

ومما يزيد من ربط تلك الحملة بالملف القطري، ما كشفته صحيفة تايمز قبل أشهر عن وثائق تظهر أن الاتحاد الدولي وقع عقداً سرياً مع شبكة الجزيرة المملوكة من قطر، قبل ثلاثة أيام من التصويت على تنظيم نهائيات 2022، إذ أظهرت الوثائق حصول فيفا على مبالغ مالية غير مسبوقة وغير منطقية تقدر بمئات الملايين مقابل حقوق البث التلفزيوني، وأن المدراء التنفيذيين في قناة الجزيرة قاموا بتوقيع تلك العقود بعد انتهاء حملات الترشح، وتضمنت شروطاً تتعلق بالدفع في حال فوز قطر بالاستضافة.

الحقيقة لا تموت

ولا يعد اعتقال بلاتيني ونقله إلى مكتب مكافحة الفساد التابع للشرطة القضائية الفرنسية خبراً جديداً بشأن الملف القطري، فالنيابة العامة المالية فتحت في 2016 تحقيقاً أولياً حول «فساد خاص» و«تآمر جنائي» و«استغلال نفوذ وإخفاء استغلال نفوذ» حول منح روسيا وقطر حق استضافة مونديالي 2018 و2022.

لكن التحديث الأهم في هذه الإجراءات، الرسالة التي تلقاها العالم بأن الحقيقة لم تمت حتى الآن، وأن السلطات الفرنسية ما تزال تستقصي وتحقق في دور بلادها بمنح قطر حق استضافة المونديال، خصوصاً مع خضوع كلود جيان، السكرتير العام للإليزيه خلال عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، للاستجواب بصفة شاهد في نفس يوم اعتقال بلاتيني.

وقال الصحافي خافيير أورتونياو العامل في صحيفة سبورت الإسبانية لـ «الرؤية» إنه «لا بد من انتظار الأحكام النهائية لمعرفة موقف بلاتيني القانوني، لكن لو ثبت أنه مذنب، فهذا يؤكد أن نظام التصويت الذي تم اتباعه يحتاج لمراجعة وتعديل».

أما المستشار القانوني المختص في الجوانب الرياضية يوسف بن حماد فتحدث عن اعتقال بلاتيني، واعتبره خطوة حادة لتحقيق العدالة في عالم كرة القدم، وأضاف «شبة فساد الملف القطري ليس مجرد أقوال، بل هناك مظاهر تدل عليه وإن لم تتأكد بعد، وهذا ما يدفع السلطات الفرنسية لمواصلة التحقيق».

وأكد ابن حماد أن السنوات الأخيرة لبلاتر شهدت ترهلاً كبيراً، سمحت بوجود العديد من الممارسات غير القانونية التي استفادت منها قطر، وأظهرت وسائل إعلام عالمية في الماضي أدلة عليها.

أما المحامي ماجد قاروب عضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لقانون الرياضة وعضو فخري بنقابة المحاميين الأمريكية فقال «المجال ما يزال متاحاً لاتخاذ قرارات جديدة بخصوص كأس العالم ومكان إقامته».

وأضاف «الأسرة الرياضية العالمية كانت تنتظر هذه الخطوة منذ فترة، لأنها ستحرك المياه الراكدة، وتكشف عن المزيد من أسرار ذلك الملف الذي يتفق العالم على تلوثه بالفساد بشكل كبير».

وتوقع قاروب أن يكون هذا الاعتقال بداية مرحلة جديدة من التحقيقات في كشف شبكة الفساد التي تورطت بمنح قطر استضافة المونديال.

وثائق دامغة

خبر اعتقال ميشيل بلاتيني نال حصة كبيرة من الاهتمام العالمي، وتصدر عناوين الصحف والمواقع الإلكترونية، فقالت صحيفة ليكيب الفرنسية، إنه حسب مصادرها، «هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التحقيق مع ميشيل بلاتيني بخصوص هذا الملف، وأنه تم التحقق من حساباته البنكية أيضاً، للاشتباه بحصوله على هدايا قيمة مقابل مواقفه في التصويت على ملفات المونديال».

أما صحيفة ديلي ميل فقالت إن شبهات الفساد بملف قطر تضع بلاتيني في السجن، وقالت «إن جوهر التحقيق يتعلق بالاجتماع السري الذي جمع الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي مع أمير قطر تميم بن حمد ورئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم».

بدورها أشارت صحيفة غارديان في تغطيتها خبر الاعتقال إلى انضمام ابن بلاتيني للعمل في منصب رفيع في شركة ملابس رياضية مملوكة لقطر، وهو ما جعل كثيرين يتهمون ميشيل بالانتفاع العائلي مقابل عمله في خدمة ملف قطر.

صحيفة مترو البريطانية لم تنسَ في نقلها لخبر اعتقال بلاتيني، ملايين العمال الذي يعانون أقسى الظروف في بناء الملاعب في قطر، فقالت « نشرت منظمة العفو الدولية تقارير عن استغلال وإساءات تعرض لها مليونا عامل في بناء الملاعب والبنية التحتية من أجل كأس العالم 2022»، وكلمات صحيفة مترو ذكرت الناس بهاشتاغ انتشر في الماضي حمل اسم «مونديال الدم».

أما صحيفة نيويورك تايمز فذكرت بتجاهل فيفا لبعض التفاصيل في تقرير مايكل غارسيا، والذي وصف به بعض التصرفات القطرية من أجل الفوز باستضافة المونديال بغير المطابقة للمعايير، وقالت « إن وجود اسم بلاتيني في التحقيق لا يعد مفاجأة، خصوصاً أنه اعترف أكثر من مرة بتصويته للملف القطري علانية، رغم وعده قبل ذلك بالتصويت للملف الأمريكي».

صحيفة الصن عادت وذكرت بأن بلاتيني قام بالتصويت للملف القطري بطريقة غريبة، رغم علمه بتقارير طبية تؤكد استحالة استضافة كأس العالم صيفاً هناك، وفي يوم التصويت كان المتفق عليه إقامة البطولة في فصل الصيف.