الاثنين - 20 مايو 2024
الاثنين - 20 مايو 2024

كيف ستبدو الرياضة في 2050 مع تطور الذكاء الاصطناعي؟

كيف ستبدو الرياضة في 2050 مع تطور الذكاء الاصطناعي؟
يؤمن علماء المستقبليات بأن عام 2050 سيكون حاسماً جداً في تطور الذكاء الاصطناعي، معتقدين أنه سيصبح فيه قادراً على تطوير نفسه بنفسه في سرعة غير قابلة للتصور حالياً، وهو ما يسمى لحظة (التفرد التكنولوجي)، مرحلة سنصل فيها إلى انفجار معرفي وإلى ذكاء اصطناعي خارق لو حدثت.

هذه الحالة حذّر منها علماء كثيرون أمثال ستيفن هوكينغ وأستاذ الفلسفة فيرنور فينغ، إذ يعتقدون أنها تهدد مستقبل البشرية، لكن دراسات مستمرة ونظريات جديدة تؤكد أن الإنسان سيكون دوماً قادراً على إبقاء السيطرة في قبضته، وأن تطور الذكاء الاصطناعي سيبقى دوماً في خدمته، وإن أثر الأخير على نمط حياة البشرية، وجعلها حياة أخرى غير التي نعرفها الآن ما بين 2040-2050 حسب استطلاعات رأي شملت علماء مختصين.

سيؤدي التغيير الثوري الذي سيحدث على نمط حياة البشر بسبب دخول الذكاء الاصطناعي في تفاصيلها بالتأكيد إلى تغيير في طريقة تعاملهم مع الرياضة، سواء من ناحية الممارسة أو ناحية المشاهدة، وبالتالي نحاول في هذا العدد الأخير من سلسلة الذكاء الاصطناعي في الرياضة، تخيل شكل الرياضة في 2050.


وينسب لألبرت أينشتاين قوله «المنطق سيأخذك من النقطة (أ) إلى النقطة (ب)، لكن الخيال سيأخذك إلى كل مكان»، ومن دون هذا الخيال لم يكن الإنسان ليصل إلى ما نحن عليه الآن من علوم الذكاء الاصطناعي والآلة ذاتية التعلم، وهو المطلوب توظيفه الآن لضمان أن الذكاء الاصطناعي يستطيع تطوير الرياضة البشرية لا الحلول مكانها.


حكَم عادل

تحدثت «الرؤية» مع المستثمر الأمريكي جانلويجي لونجينوتي عن رؤيته لمستقبل الرياضة بفضل دخول التقنيات عموماً والذكاء الاصطناعي خصوصاً، وهو الذي أسس عام 2011 شركةL. I. F. E.» Italia»، المختصة بتصنيع معدات وألبسة مزودة بحساسات وبرمجيات تحليل بيانات بشكل مستمر، تهدف إلى تحسين أداء المستخدمين في التمارين الرياضية، أو مراقبة حالتهم الصحية وإعطاء تنبيهات مستمرة، مدعومة بذكاء اصطناعي قابل للتعلم من البيانات ومساعدة المستخدم على تحقيق أهدافه.

يقول جانلويجي عن تصوره للرياضة في المستقبل «أكثر شيء يثير الاهتمام هو التحكيم، فالعدل هو أكثر شيء ينشده المشجع».

ويضيف «أتخيل أن تحكيم الرياضات الفردية مثل الجمباز وغيرها سيصبح أكثر دقة، لا يخضع لمشاعر الحكم وتقديره الشخصي، ستكون هناك كاميرات عالية الحساسية، تقيس كل حركة بدقة كاملة من كافة الزوايا، وتتم مطابقتها فوراً مع النموذج المثالي، وإعطاء علامة أكثر عدلاً لا تتأثر بتصفيق الجماهير أو الانطباعات المسبقة».

وأثار كتاب (قرار سيئ ـ التكنولوجيا تهاجم الحكام)Bad Call: Technology’s» Attack on Referees» الكثير من الجدل عام 2016، إذ توقع كتّابه الثلاثة هاري كولينز وروبرت إيفانز وكريستوفر هيجنز أن تساعد التكنولوجيا على الوصول لحالة مثالية في التحكيم بكرة القدم.

واقترح الكتاب منهجية ذكية لاستخدام التكنولوجيا لتطوير التحكيم، إذ يقول إن التركيز يجب أن يكون على الخطأ الأكثر شيوعاً وتأثيراً، والتفكير بآلية للتخلص منه بشكل سريع، وهذا ما تم مع تقنية خط المرمى، التي تعطي قراراً فورياً، على العكس من تقنية الفيديو التي يتطلب تطبيقها بعض التوقف.

وتوقع الكتاب أن استخدام التكنولوجيا بشكل مستمر من أجل العدالة، سيصل بنا في النهاية إلى حالة من المثالية في التطبيق، إذ سيكون هناك حكم بشري لكنه مدعوم بعدة تكنولوجيات ذكية، تساعده على القرار الفوري الصحيح.

معلق محايد

رأى الاستشاري في مجال تكنولوجيا المعلومات عاصم جلال أن استخدامات الذكاء الاصطناعي في المستقبل لن تقتصر على العمل الفني أو التحليلي داخل الملعب، وإنما ستمتد إلى التعليق الصوتي على المباريات، والذي ستؤديه تقنية الذكاء الاصطناعي بصورة أكثر احترافية من الكادر البشري، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة الانفعال أثناء التعليق.

ويضيف جلال «كما هو معروف فإن التعليق على المباريات في ألعاب الفيديو يكون عبر معلق مبرمج يتفاعل بطريقة موحدة من دون محاباة، ويستطيع تقديم المعلومات أولاً بأول، ولكن هذه التقنية تحتاج لتطوير أكثر حتى تصبح ممتعة وقادرة على التعامل مع المباريات المنقولة مباشرة».

توقعات جلال لا تبدو بعيدة المنال، وتتوافق مع ما أعلنته وكالة أنباء الصين الرسمية في نوفمبر 2018 عن أول مذيع أخبار يعمل بالذكاء الاصطناعي، وهو الذي كان يتعلم لوحده من مصادر محددة كالوكالات الإخبارية وبعض حسابات التواصل الاجتماعي، ثم يعد النشرة ويقدمها بنفسه، وهو كما قالت عنه الوكالة الصينية «مقدم متوفر 24 ساعة على ديسك الأخبار».

اختفاء الحَكم المساعد

رأى خبير تقنيات الثورة الصناعية الرابعة نائب رئيس شركة ريبون للشرق الأوسط وشمال أفريقيا أشرف حسن أن اقتحام تقنيات الذكاء الاصطناعي عالم الرياضة بات أمراً ضرورياً وحتمياً للمستقبل، ولا بد من التماشي مع روح العصر فهناك تطبيقات كثيرة في هذا الجانب تختصر الوقت والجهد كما ستمكّن الأندية والاتحادات من تحقيق أعلى العوائد وتقليل التكلفة المالية.

وجزم حسن بأن هنالك تغييرات كثيرة يُتوقع حدوثها في المستقبل بخصوص لعبة كرة القدم، منها الاختفاء المحتمل للحكم المساعد، حيث يمكن الاستعانة بتطبيق يوضح الحالات التي تستدعي وجود الحكم المساعد البشري وبناء على الخوارزميات المحملة في التطبيق، بحيث يمكنه اتخاذ القرار الصحيح في الحالات التحكيمية التي تقع في إطار صلاحيات الحكم المساعد، وبالتالي يبلغ حكم الوسط بها علماً بأنها بدأت تدخل حيز التنفيذ فعلياً عبر تقنية الفيديو الحالية.

مدربون رهائن

بدا المدرب المقدوني جوكيكا هادجفسكي متشائماً حيال التغول والاستعانة المستمرة للرياضات بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مبدياً تخوفه من أن تقتل الآلة روح كرة القدم، والتي تقوم على الاختلاف بين المدربين والأفكار، وأيضاً الأخطاء التي في رأيه هي ملح كرة القدم.

وقال جوكيكا في تصريحات لـ«الرؤية»، «من الواضح أن الذكاء الاصطناعي في طريقه إلى أخذ دور أكبر في مستقبل كرة القدم، ولا أرى أنه سينهي تأثير البشر فيها، لكنه سيؤثر في بعض الأشياء التي تعتبر جوهرية، وأنا في تقديري إذا تم السماح للآلة بالاستمرار في هذا النهج، فإنها ستقتل كرة القدم ومتعتها، كما أن جميع المدربين سيصبحون رهائن لما تقترحه عليهم الآلة، باعتبارها جهة موثوقة وعلمية».

نُسخ متشابهة

حذّر المدرب الإيطالي ماسيمليانو أليغري من المبالغة في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الرياضة، وإدخالها في كافة مجالات اللعبة، ما سيجعل النتيجة النهائية نُسخاً متشابهة من اللاعبين والمدربين.

وقال مدرب يوفنتوس السابق في تصريحات صحافية «كثرة الاعتماد على البيانات والذكاء الاصطناعي، سيجعل لدينا مدربين متشابهين بالأفكار، ولن نجد أمثال أريغو ساكي وبيب غوارديولا، لن يأتي مجددون لفكرة اللعبة، فكل الاعتماد سيكون على ما يقوله هذا الكومبيوتر».

لاعب البيسبول الأمريكي السابق جايسون ويرث اعترض أيضاً على إقحام الذكاء الاصطناعي في الرياضة، وكان تركيزه على إعطاء البيانات اهتماماً مبالغاً فيه في الحكم على مستوى اللاعبين، بل على الأسماء التي يجب أن تبدأ اللقاء من عدمه.

وقال ويرث في تصريحه «المبالغة بالتحليل تقتل اللعبة، هم وصلوا إلى نقطة تجعلني أقول ضعوا كومبيوترات في الملعب، ضعوا في الخارج جهازاً محمولاً ليلعب، لا حاجة لنا بعد اليوم، ما يجري مثير للضحك».

مخاوف أليغري وجايسون تتملك عدداً لا بأس به من المهتمين بالرياضة، وعدة علماء مستقبليين حذّروا من أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي في تطوير الرياضة يجب أن يكون ذكياً، يوظف قدرات الحاسوب التحليلية في خدمة إرادة الإنسان، والأخيرة على الأغلب لن يستطيع الذكاء الاصطناعي امتلاكها، فهي طبيعة بشرية.

بطولات «روبوتات»

يعد المؤثرون من أهم إفرازات زمن شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن حتى هذه المهنة، وجد الذكاء الاصطناعي لنفسه فيها فرصة عمل، فظهرت المؤثرة «ميكويلا»، وهي عارضة أزياء وهمية، لديها نحو مليوني متابع على إنستغرام، وهي برمجية ذكاء اصطناعي، تختلق حياة حقيقية، لديها أصدقاء وهموم، ومهتمة بالأزياء، واستطاعت الوصول لقلوب الناس، وحققت نحو 125 مليون دولار من الدخل الإجمالي من الإعلانات حتى الآن.

«ميكويلا» مثال بدأ ينتشر في إنستغرام، شخصيات ذكاء اصطناعي تعيش حياة عادية، تنشر وتتفاعل، بل تخرج ببث مباشر، وتجيب عن بعض الأسئلة بكل دقة، ولكن هذه الشخصيات ذات الطابع الإنساني في شبكات التواصل، على الأغلب ستنتقل قريباً إلى عالم الرياضة.

ولاقى كأس عالم للروبوتات في مونتريال عام 2016 اهتماماً كبيراً، فقد شارك فيه 5000 روبوت من 35 دولة، لكن الأداء على أرض الملعب لم يرق للطموح، فكان بطيئاً، وسيطرت الأخطاء عليه، لكن هذا قد لا يدوم، حسب ما قالت صحيفة ذا غارديان البريطانية في تقريرها عن البطولة.

وجاء في تقرير الصحيفة «الروبوت لاعب كرة قدم سيئ، لا يستطيع الجري ولا القفز، بعض الأحيان تحتار فتثبت في أماكنها كالأصنام، حتى الآن لا داعي لقلق الإنسان منها، لكن هذه مجرد بداية، وكل شيء قابل للتطور».

الكاتبة الكندية ميريه سيلكوف كتبت عن البطولة ذاتها «نحن في زمن يتحول فيه الإنسان إلى روبوت، والروبوت يتحول إلى إنسان، أشاهد بطولة كأس العالم للروبوت، وأرى كرة القدم السيئة، لكنني أدرك أنني أشاهد بذور التغيير الكبير القادم في الرياضة».

فمع تطور برمجيات الذكاء الاصطناعي، وسرعة ردة الفعل للروبوت ومرونة حركته، فإن كأس العالم للروبوت 2050 سيكون من مستوى آخر، ولو استطاعت رياضات الروبوت هذه جذب الجمهور، خصوصاً من الشباب، فهذا يعني أنها ستجذب الأموال، وبالنتيجة سوف تتطور بشكل أسرع من نظيرتها البشرية نتيجة فرق الاستثمارات، وهنا قد تصبح رياضة الروبوتات هي الأكثر جماهيرية، والأكثر جذباً.

هذه الحالة من تطور رياضة الروبوت توقعها كاتب سيناريو فيلم «Real Steel»، إذ رأى أن البشر سيكونون مهووسين في المستقبل بالملاكمة بين الآلات، ويصبح نجوم الملاكمة البشريون على الهامش وعاطلين عن العمل.

وربما يزيد من عنصر جذب هذه الروبوتات للجماهير، قدرتها على اللعب 365 يوماً من دون توقف، كما أنها تستطيع التفاعل مع ملايين الجماهير في اللحظة نفسها، فهي تستطيع الإجابة عن الأسئلة كافة على شبكات التواصل الاجتماعي من خلال برمجيات محوسبة، ومن شأن هذا التواصل المباشر أن يكسبها شعبية أكبر، على غرار المؤثرة الوهمية ميكويلا.