الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

بيلسا «الآخر».. رجل هادئ يرفض البذخ ويرسم تكتيكه الكروي بكوب قهوة

بيلسا «الآخر».. رجل هادئ يرفض البذخ ويرسم تكتيكه الكروي بكوب قهوة

مارسيلو بيلسا خلال إحدى مباريات ليدز في درجة الاولى الإنجليزي

لا يتورع كثيرون في وصف الأرجنتيني مارسيلو بيلسا بالمجنون، وهو لقب ظل المدرب يعززه بسلوكيات وردّات فعل قل مثيلها في عالم الساحرة المستديرة، فمن قرارات صادمة بخصوص مسيرته التدريبية، ومروراً لتبنيه مبدأ الميكافيلية (الغاية تبرر الوسيلة) من أجل تحقيق الفوز، وختاماً بشروطه الغريبة من أجل تدريب الفرق، رسخ بيلسا نفسه كواحد من المدربين المشاغبين في عالم الكرة الحديث.

في العام الماضي وضع بيلسا وسائل الإعلام العالمية في ربكة حقيقة، إذ بينما كانت تتأهب لتنصيبه صاحب أسوأ سلوك رياضي في العام، فاجأها المدرب بقرار غير متوقع، لينال على إثره جائزة فيفا للعب النظيف في 2019.

والمقصود بالموقف الأول، تورط بيلسا الذي يدرب حالياً فريق ليدز يونايتد الإنجليزي في قضية تجسس على مدرب خصمه ديربي كاونتي السابق وتشيلسي الحالي فرانك لامبارد، وذلك قبل المباراة الفاصلة بين فريقيهما في رحلة الصعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز (بريميرليغ)، وهو أمر اعترف به بيلسا ،في شجاعة نادرة، قبل أن تنقلب عليه وسائل الإعلام.

ولم تمر سوى أشهر على العاصفة الإعلامية التي استهدفت بيلسا، حتى تحول فجأة إلى بطل خالد في تاريخ الإعلام ذاته، وذلك بعدما أمر لاعبي ليدز يونايتد الذي يلعب حالياً في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي، بالتوقف عن اللعب والسماح لخصمهم أستون فيلا بتسجيل هدف في مرماهم، إثر إحرازهم هدفاً قبل ذلك رغم سقوط أحد لاعبي الخصم على الأرض.

ولاقى تصرف بيلسا تجاه لاعبيه إشادة كبيرة من العالم، قبل أن يكافئه فيفا بجائزة اللعب النظيف.



ولم يمثل الموقفان المتناقضان لبيلسا سوى القليل من جنون الرجل المحب لكرة القدم، وأحد أشهر رواد فلسفة الاستحواذ في الكرة الحديثة، إذ سبق أن أوقع عقوبة غريبة على لاعبي ليدز يونايتد نفسهم، وذلك بأن أمرهم بجمع القمامة خارج ملعب إيلاند رود معقل الفريق، من أجل أن يحسوا بمعاناة الجماهير التي تكدح من أجل شراء تذاكر مباريات الفريق.

وفي 2015 وبعد نهاية عقده في تدريب مرسيليا الفرنسي، والذي قاده لموسم استثنائي وقتها، همّ نادي البحارة بتجديد عقد المدرب، الذي وافق بدوره على ذلك، لكنه بعد سفره لقضاء عطلة في بوينس آيرس مسقط رأسه في الأرجنتين، أخبرهم بالاستقالة، وعدوله عن قرار الاستمرارية.

وبعد هذا الموقف بعام واحد فقط، أعلن نادي لاتسيو الإيطالي تعاقده مع بيلسا لتدريب نسور العاصمة، لكن النادي ذاته عاد بعد يومين فقط ليعلن استقالة المدرب "المجنون".

مدرب بشخصيتين

بعد هذه المواقف المتناقضة للمدرب، وغيرها ربما، سيتفق الجميع على استحقاقه صفة الجنون، سواء داخل أم خارج الملعب، لكن من ينظر بتأنٍ لمسيرته، سرعان ما يقف على حقيقة جديدةمفادها أن بيلسا يمتلك شخصيتين مختلفتين، فما هي الشخصية الأخرى يا ترى؟

منذ قدومه إلى مدينة ليدز حاضرة غرب يوركشير في يونيو 2018، وتوليه تدريب فريقها، اختار مارسيلو بيلسا لنفسه حياة بسيطة، بعيدة عن ضجيج الملعب، وعنوانها الأبرز، لا البذخ، رغم ارتباط عدد من المنتمين إلى حقل الكرة بهذه الصفة، وهو أمر ناتج من الرواتب الخيالية التي يتقاضونها.

ويبدو أن بيلسا كان يبحث عن مدينة بهدوء ليدز ليطبق فيها فلسفته الحياتية، النقيضة لسلوكه في الملاعب ومع الإعلام، وكان أن رفض جميع العروض المقدمة له من إدارة نادي ليدز، عندما ذهبت إليه في بوينس آيرس، مؤجلاً التفاوض إلى ما بعد حضوره شخصياً إلى إنجلترا.

وبعد أن حضر إلى ليدز طلب بيلسا الذهاب وتفقد (ثورب أرك) مقر تدريبات ليدز يونايتد، ويبدو أنه أعجب به، لكن مجدداً اشترط التوقيع بعد تنفيذ مطالب ربما بدت غريبة للنادي.

وطلب بيلسا أسرّة بعدد لاعبي الفريق من أجل أخذهم راحة أو غفوة خلال التدريبات، إلى جانب عدد من أجهز البلاي ستيشن لتقوية الجانب الذهني للاعبين، وأيضاً توسعة حوض السباحة بمقر التدريبات.

وبعد تلبية الإدارة لطلبه، وتوقيعه عقداً يتقاضى بموجبه 6 ملايين إسترليني سنوياً، منحه مالك النادي أندريا رادريزاني سكناً في فندق ريدنغ بارك ذي الخمسة نجوم، لكن بيلسا سرعان ما شعر بالملل، رغم الرفاهية التي تميز الفندق.



ونزل بيلسا إلى المدينة من أجل استجئار شقة سكنية من غرفة واحدة فقط أعلى متجر مزدحم بالزبائن، وكان اللافت أنه دخل في صراع مع المالك، عندما شعر بأنه رفع السعر بمجرد سماعه بعقده المالي الضخم، لكن بيلسا رفض استئجارها، ما أضطر المالك للرضوخ لطلبه.

بساطة

لم يمر الكثير على بيلسا في ليدز، حتى التقطته كاميرات الصحافيين في معرض فولكساغن للسيارات في مدينة ليدز، لكن تبيّن لاحقاً أنه كان في مهمة من أجل صديق له فقط.

ويحرص بيلسا على المشي لمدة 45 دقيقة يومياً من مقر سكنه إلى مركز التدريبات حاملاً حقيبة ظهر فيها عدد من الأوراق هي نتاج خططه التكتيكية، كما سبق وأن انتشر له فيديو وهو يرفض طلب شخص توقف في الطريق لكي يوصله إلى مقر التدريبات، قائلاً له: " لا شكراً.. أحب المشي".



طقوس

ربما لن يجد الباحث عن بيلسا في مدينة ليدز صعوبة في العثور عليه، إذ يحصر تواجده في 3 أماكن فقط، وهي غرفته في مقر التدريبات، والقهوة التي يمتلك فيها اشتراكاً شهرياً مع دولاب صغير لاحتياجاته.

وشوهد بيلسا في هذه القهوة كثيراً، رفقة أوراق (A4) وقلم، إذ يرسم فيما يبدو جميع خططه التكتيكية هناك مع كوب من القهوة (إسبريسو).



أما المكان الثالث، فهو مطعم سانت أنخلو الأرجنتيني في ليدز، وهناك نسج المدرب علاقات مميزة مع الموظفين فيه، وحدث أن أهدى أحد العاملين به ويدعي جاك روز، أخيراً كرة قدم موقعة منه.

تواضع

خلال أحد المؤتمرات الصحافية في نادي ليدز أخيراً، فاجأ صحافي ألماني المدرب بيلسا عندما سأله عن رأيه بكونه أفضل مدرب أرجنتيني في التكتيك حالياً، ويبدو أن الصحافي استند إلى أعترافات عدد من المدربين بتفوق بيلسا، وآخرهم مدرب أرسنال أرتيتا، الذي وصف اللعب في فريق يدربه بيلسا بأنه أشبه بالذهاب إلى طبيب أسنان.

وكان أن تفاجأ بيلسا، وقال " لا لست كذلك، أنا عكس ذلك تماماً، الأفضل يميز بالألقاب وأنا من الواضح لدي نقص كبير في هذا الجانب".