السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

استراتيجية «الطوب والإسمنت» تُحصّن بيرنلي ضد عواصف الهبوط في بربيمييرليغ

استراتيجية «الطوب والإسمنت» تُحصّن بيرنلي ضد عواصف الهبوط في بربيمييرليغ

أحد مشجعي بيرنلي أمام مبنى النادي أخيراً. (رويترز)

لو توقع أكثر المحللين إلماماً بكرة القدم في منتصف يناير الماضي أن ينهي فريق بيرنلي موسم «كورونا» الاستثنائي في بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز في المركز العاشر بجدول ترتيب «بريمييرليغ»، فإنه سيقابل بسخرية قل مثيلها، فالفريق الملقب بالكلارنتس كان يعيش وقتها أزمة نتائج خطيرة، إذ لم يفز سوى في 6 مباريات من جملة 21 مباراة خاضها في البطولة.



وبداية من منتصف يناير حيث زيادة التساقطات الثلجية على مدينة بيرنلي الصغيرة الواقعة شمال مانشستر واقتراب مياه نهر كالدر من التجمد، أحدث فريقها ثورة في النتائج، إذ لم يتعرض للهزيمة طوال 7 مباريات بدأها بالفوز على ليستر سيتي (2 ـ 1) وبعده مانشستر يونايتد (2 ـ صفر)، قبل أن توقف أزمة كورنا تلك الصحوة، ليعود بعدها في يونيو ويكمل المهمة، ويحتل المركز العاشر.



تزامن ثورة فريق بيرنلي في النتائج القوية مع اشتداد البرودة في مدينته التي يبلغ عدد سكانها نحو 74 ألف نسمة، وظلت مثل تلك الظروف، بحسب نيويورك تايمز، تذكرهم بأيام الشدة، والمقصود هنا، مركز تدريبات الفريق المتواضع والمليء بالوحل والثلوج، والذي كان يبعد نحو 20 دقيقة بالسيارة عن ملعب الفريق تيرف مور.



ولفهم القصة في سياقها مكتملاً، يجب العودة إلى مسيرة بيرنلي في الدوري الإنجليزي، وهنا يقول التاريخ إن النادي الصغير على الرغم من صولات وجولات له في كرة القدم الإنجليزية سابقاً، فإن آخر ظهور له في البطولة العريقة كان عام 1976، قبل أن يعود إليها في 2009.



وهذا يؤشر بوضوح إلى أنه نادٍ يعيش على ماضيه أكثر من مستقبله، رغم ما أحدثه صعوده إلى بريمييرليغ في 2009 من تأثير، خصوصاً أن الفريق منح بلدته بيرنلي شرف أن تكون أصغر مدينة في إنجلترا تقدم فريقاً ينافس في بريمييرليغ بشكله الأكثر تطوراً.



لكن الحلم الكبير وقتها سرعان ما تبخر، ليهبط الفريق من أول موسم بعد عودته، ليواصل كفاحه من أجل العودة، وهي التي تكللت في موسم 2014 ـ 2015، لكنها أيضاً عودة لم تخرج من سياق قاعدة (الصاعد هابط) الشهيرة كروياً، ليعود الفريق أدراجه.



ولم يمكث بيرنلي في الدرجة الأولى كثيراً، إذا عاد بعد موسم واحد إلى بريمييرليغ، وكان ذلك بموسم 2016 ـ 2017، وهي العودة التي ستبدأ معها الكثير من الأحداث.



تأهيل وبناء

فطنت إدارة بيرنلي إلى أن الصرف على رواتب اللاعبين فقط، ربما لا يضمن البقاء في بريمييرليغ، فاتجهت إلى تأسيس النادي، وخصصت له الملايين، في حين اكتفت بنموذج صارم يضع حداً لأجور اللاعبين.



ومنذ 2013 ظل مقر النادي في ملعب تيرف مور، وأيضاً مقر تدريباته الذي يبعد 20 دقيقة بالسيارة مؤرقاً لإدارة النادي، إذ كان جميع اللاعبين يعيشون ما يمكن تسميته بالمأساة اليومية، والتي تتمثل في تواضع مقر التدريبات، إذ كانوا دائماً ما يعودون من التدريبات بثياب مرغها الوحل، هذا إلى جانب تعرضهم الدائم للأمطار.



ووجدت الإدارة الفرصة مواتية من عوائد بريمييرليغ التي ارتفعت منذ 2017 بفعل عقود البث التلفزيوني، لتكمل مقر تدريبات الفريق برانفيلد القريق من ملعب تيرف مور، وتجهزه بأفضل التقنيات الحديثة، في وقت كانت فيه الجماهير تواصل الضغط على شراء أفضل اللاعبين من أجل الاستمرار في البطولة.



ووجهت إدارة بيرنلي غالبية عوائدها من بريمييرليغ، والتي بلغت في 3 أعوام ملايين الدولارات، في حين كانت تضغط باستمرار على أجور اللاعبين، والتي كانت حتى 2018 أصغر ميزانية أجور في البطولة، قبل أن ترتفع تدريجياً منذ 2019، وهو أمر لم يكن ليحدث، إذا لم ينفق النادي الكثير من الأموال في الطوب والإسمنت لبناء مركز التدريبات (برانفيلد) وصيانة ملعب تيرف مور، الذي كان مقر النادي فيه حتى وقت قريب منفذاً لمياه الأمطار القوية التي عادة ما تشهدها المدينة، بحسب ما قاله قائد الفريق السابق جورج بويد لوسائل إعلام بريطانية.



توصية من شون دايك

«أين معدات بريمييرليغ؟» كان هذا أول سؤال لمدرب الفريق الحالي شون دايك في أول اجتماع له مع مجلس إدارة الفريق عقب تسميته مدرباً في 2012، وبحسب نيويورك تايمز لم يكن دايك يقصد بالمعدات أو التجهيزات الأموال، وإنما بناء ما يجعل تدفق الأموال مستمراً، وكان يقصد تحديداً، البنية التحتية للفريق.



ومن وقتها بدأت الفكرة تأخذ حيزاً كبيراً قبل أن يكتمل الحلم، بتجهيز مقر التدريبات، وتطوير ملعب تيرف مور، الذي بات أكثر إثارة وحيوية، رغم ضيق سعته (22 ألف متفرج).



استراتيجية ناجحة

المختص في الاقتصاد الرياضي والأستاذ المحاضر في جامعة ليفربول كيران ماغواير، رأى في حديث لنيورك تايمز أن استراتيجية بيرنلي في التركيز على البنية التحتية، تبدوا ناجحة بامتياز، وقال: «إنه أمر مثير للإعجاب، الفريق نجح في تأسيس مقر تدريبات وتحديث ملعبه ومرافقه، وحافظ على البقاء في بريمييرليغ، إلى جانب الأهم وهو أن إدارة النادي لا تدين لأي جهة».



التأكيد على نجاعة أسلوب بيرنلي يؤكد ما يحدث مع بورنموث، والذي يعد مشابهاً له من حيث حجم المدينة، لكن الأخير ظل على الدوام يركز على الاستثمار في اللاعبين، في حين يعاني ملعبه (دين كورت) الذي يعتبر الأصغر في بريمييرليغ كثيراً، إلى جانب تواضع مقر تدريباته (كانفورد ماغنا) من نقص في التجهيزات.



وفي 2018 صرف بورنموث 175 مليون دولار على اللاعبين، في حين كان صرفه أعلى 3 مرات من دخله في ذلك العام، وبزيادة 25 مليون دولار على صرف بيرنلي، الذي رغم ذلك الصرف، نجح ولم يحدث له خلل في ميزانيته.



والآن، عاد بورنموث إلى البريميرليغ، وبدأ في في بيع لاعبيه من أجل تغطية الخسارة، في حين ظل بيرنلي في بريمييرليغ للموسم الرابع توالياً، وحتى في حال هبوطه لن يحتاج إلى بيع لاعبيه، لاستقرار وضعه المالي، بفضل الاستثمار في البنية التحتية والأكاديمية.